بداالعالَمُ في لحظةٍ بالغةِ القسوة بلا حيلة؛ يتخبط في كلِّ اتجاهٍ، يبحث عن حلٍّ.وحتى إن أتى الحل، فسيأتي بثمنٍ باهظٍ جداً، ثمنٍ يقوِّض كلَّ ما أنجزه وبناهالإنسان، صحيحه وخطأه، خلال قرون. على العالم أن يستعد لاستقبال -إن أراد- عالمٍآخر بقواعد لعبةٍ جديدةٍ تماماً؛ فما بعْد "كورونا" غيرُ ما قبْله تماماً.
وانظر إلى المشهدفي هذه اللحظات الفارقة؛ جيوشٌ وجدتْ نفسها فجأةً بلا عملٍ، فالسر في أضعف الخلق،لا طائراتٌ ولا بوارجُ ولا مَدافعُ ولا صواريخُ، ولا ولا.... فقد ظهرت عاجزةً أمامعدوٍّ لا وجود له، عدوٍّ حوَّل كلَّ الترسانة الهائلة، من الجيوش وأقمارهاواتصالاتها، إلى فيلٍ ضخمٍ يلاحق -بدون جدوى- قملةً سوداءَ تنكزه في هذه الأذن،لتنتقل إلى العين والفم والخرطوم، وهو واقف بلا حولٍ ولا قوة. عدوٍّ صغيرٍ لا يُرى، حوَّلالملوك والرؤساء، ومَن يخْرُقون الأرضَ بأقدامهم، إلى مجرد بشرٍ مذعورٍ يبحث عن مُعَقّمٍوكَمّامة !
كلُّقواعد اللعبة تغيرت الآن مع الضربات المتوالية، في كل زاويةٍ ومكانٍ من هذا الكونالفسيح. والشاطر من يدرك ويفهم. والبقاء لمن سيَّد الإنسان والعلم، فقد عجزت الأجهزة-من مخابراتٍ وأمنٍ وعيونٍ لا تنام وجواسيسَ في الأرض والسماء- وتحولت إلى مجردأدواتٍ عقيمةٍ لا تستطيع فعل شيئ.
في لحظةٍ فارقةٍ،ظهر السؤال الأكثر قسوة: من فاز ومن خسر حتى اللحظة؟! فالديمقراطيات بدت عاجزةًتحت وطأة حقوق الإنسان، وبدا أن الحزب الواحد ينجح.. كيف؟ هنا السؤال من يجيب.
لمن الغَلَبَةُاليوم، والحدود تغلق في وجه الإنسان؟ أما العدو فيخترق كلَّ الحدود العامةوالشخصية غير آبهٍ بالبرلمانات وأجهزة الأمن وحتى سلطة المشائخ !
تجري –اللحظةَ- عمليةُ تغيير كل القواعد لقدومعالمٍ آخر، قد تسوده الروبوتات والكاميرات الحرارية وأجهزة تحديد المواقع. هل سنرىروبوتاً يحكم، بدلاً عن الرئيس والملك والسلطان؟!
أسئلةٌ تتشكّل، وإجاباتٌ تبحث عن نفسها فلا تجدها الآن. هل خرج عفريت التكنولوجيا من القمقم، ليفرض قواعده هو؟! أم أنه عفريت الإنسان؟! أم أنه شكلٌ آخرُ وسرٌّ جديد؟! من يجيب اليوم على الأسئلة كلها، على السؤال الأهم الذي نرى إجابته واضحةً جداً؛ وهي أن اللعبة كلها ستتغير، وسنرى عالماً جديداً بقيمٍ أخرى تماماً. والأقوى المدرك هو من سيستمر؛ بينما سيضيع الضعيف بين أقدام الروبوتات أو الفيروسات.