تسود اليمن حالة ارتباك شديدة بشأن التعامل مع الوباء العالمي "كورونا" الذي بدأ في الصين ويتابعانتشاره حالياً في معظم دول العالم. يأتي هذا الارتباك نتيجة الانقسام الحاصلفي سدة الحكم الرسمية في البلاد. أدى هذا الانقسام إلى بطء الحركة التجارية والإجراءاتالاحترازية في المنافذ البرية والجوية والبحرية، والتي تخضع أغلبها لإدارة التحالفالعربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الأمارات.
وفقاً لمراقبين محليين،فإن سيطرة التحالف على كافة منافذ اليمن، والحصار الذي يفرضه على البلاد، قد يكونسلاحاً ذو حدين؛ إذ يمكن أن يقي اليمن من تفشي كورونا، كما يمكنأن يتم استغلاله من قبل السعودية والإمارات، في "تسريب" الوباء إلى البلد المحكوم عليه بالفقر والجوعوالبطالة، وحرب طاحنة لم تتوقف منذ خمسسنوات
خلال هذه السنوات الخمس، تمتحويل اليمن إلى محجر كبير يكتظ بأوبئة الحرب؛ "الكوليرا"، "حمىالضنك"، "الدفتيريا" "أنفلونزا الخنازير"، وغيرها منالأوبئة المشخصة وغير المشخصة.
مصادر مطلعة أفادت"خيوط" بأن نقاشات تدور حالياً في السعودية لإنشاء محاجر صحية في عدن،والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، لاستيعاب اليمنيين الذينذهبوا لأداء العمرة. وأضافت المصادر أن هذه المحاجر قد تخصص أيضاً لاستقبالاليمنيين العائدين من الخارج على إثر تفشي فيروس كورونا.
المسؤولية والخوف
ويبدي الباحث في علم الاجتماعسليم الحامدي استغرابه من الإجراءات الاحترازية التي تقوم بها ما وصفها بـ"السلطاتالمتعددة في وطن ممزق"، لافتاً إلى إن هذه الإجراءات لن تكون مفيدة "مادامتبعيدة عن منافذ اليمن البرية والبحرية والجوية".
ويضيف الحامدي لـ"خيوط" أن على من سمّاها "الجهات المسؤولة في البلاد" التركيز على تعزيز القطاع الصحي بالإمكانات التي تنتشله من التردي الذي أصابه خلال سنوات الحرب، معتبراً أن "اليمن في الحجر الصحي" طيلة هذه السنوات. وبالمقابل، طالب التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، بتحمّل المسؤولية في منع تفشي هذا الوباء.
بالرغم من إعلان السلطات الرسمية المنقسمة، منعالاستيراد باستثناء المعونات الإنسانية، وذلك في إطار الإجراءات الاحترازية الوقائية من وباء "كورونا"، إضافة لمراقبة الأسواق التي تتسرب إليها سلع مخزنة منتهية الصلاحية، إلا أن تنفيذ هذه الإجراءات لا يزال يشوبه الكثير من القصور
ويسبب تحميله التحالف هذه المسؤولية بكون فيروس كورونا ينتقل عبرالبشر، وبكون حركة السفر محدودة من وإلى اليمن، وبالتالي، فإن على المملكة العربيةالسعودية والإمارات العربية المتحدة أن تتخذ الإجراءات الاحترازية في المنافذاليمنية التي تسيطر عليها.
في السياق ذاته، يقولالبرفسور فضل الربيعي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عدن، إن كون هذه الجائحة هي أولوباء عالمي بهذا الحجم في زمن الإنترنت والثورة التقنية والتكنولوجية، وسرعةانتقال المعلومات عبر وسائل الإعلام المختلفة، هو ما خلق الخوف والرعب الجمعيالدولي، دون استثناء لمجتمع دون آخر.
ويضيف الربيعي، أن "كلما يتم تداوله من أخبار عن "كورونا" غير حصيفة"، وأنها لا تراعي مدىالاَثار النفسية والاجتماعية التي تخلفها هذه الأخبار والاشاعات، لاسيما الأخبارالمبالغ فيها. ولفت إلى أن الخوف يترك اَثاراً سلبية أكثر من المرض نفسه علىالمستوى الجمعي. ودون أن يقلل من خطورة انتشار الفيروس، قال الربيعي إن الجائحةسوف تزول مهما طالت، لكن اَثارها النفسية ستظل مؤثرة بالناس لفترة طويلة.
مواجهة تجارية
في نفس السياق، تشهد عدنوصنعاء ومدن يمنية أخرى، إقبالاً كبيراً على شراء "الكمامات" التي بدأتتلاحظ بكثرة على وجوه المارة في أسواق وشوارع المدن اليمنية، فيما يظل الانقسام بينالسلطات الرسمية في البلاد، مربكاً تنفيذ الإجراءات الاحترازية ومواجهة أي إصاباتقد تظهر، وذلك أسوة ببقية الدول التي لم يصلها الوباء بعد.
وتعتمد اليمن علىالاستيراد بشكل رئيسي في تلبية احتياجاتها من السلع الغذائية والاستهلاكية. إذتأتي الصين على رأس الدول التي تستورد منها اليمن بنسبة 60% حسب تقارير تجاريةرسمية حديثة في صنعاء، وهي نسبة تستدعي، وفق خبراء اقتصاديين محليين، إعلان حالة الطوارئ فيكافة المنافذ اليمنية لمراقبة وفحص كل السلع والبضائع التي يتم استيرادها منالخارج.
وبالرغم من إعلان السلطاتالرسمية المنقسمة، منع الاستيراد باستثناء المعونات الإنسانية، وذلك في إطار الإجراءاتالاحترازية الوقائية من وباء "كورونا"، إضافة لمراقبة الأسواق التيتتسرب إليها سلع مخزنة منتهية الصلاحية، إلا أن تنفيذ هذه الإجراءات لا يزال يشوبهالكثير من القصور.
في هذا السياق، يؤكدلـ"خيوط" مصدر في الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية، فضل عدم ذكراسمه، أن القطاع الخاص التجاري في اليمن ينتابه "قلق شديد" من التطوراتالناتجة عن انتشار وباء "كورونا" في كل دول العالم، خصوصا الدول التيترتبط معها اليمن بعلاقات تجارية متينة، وتعتمد عليها في تلبية احتياجاتها منالسلع الغذائية والاستهلاكية، وعلى رأسها الصين.
وقال إن الاتحاد العامللغرف التجارية في اليمن وغرفة أمانة العاصمة (صنعاء)، بسلسلة اتصالات بالغرفةالتجارية العربية والغرفة التجارية العربية الصينية، إضافة إلى غرفة تجارة"بيركس"- غرفة طريق الحرير للتجارة بشأن المخاطر التي تهدد العمليةالتجارية والاستيراد والتصدير مع الصين، جراء تفشي هذا الوباء.
وفي الوقت الذي أبدى فيهمسؤول الاتحاد العام للغرف التجارية "ثقة الاتحاد في إجراءات وقدرة المواصفاتوهيئة الرقابة الصينية على الصادرات والإجراءات الاحترازية المسبقة التي تقوم بهاالصين.
غير أن مواطنين وعاملين في القطاع التجاري في اليمن، أبدوا قلقهم مما سموه "الإهمال" الذي يتسم به أداء "السلطات اليمنية المعنية"، واستجابتها المتأخرة لما يدور في العالم من تفشي وباء "كورونا".
أبو أصبع: يجب خلق تعاون مشترك بين وزارات الصناعة والصحة والنقل لوضع إطار احترازي مشترك لحماية السوق اليمنية من تبعات أي تفشي محتمل لفيروس كورونا
ويقول المواطن ماجد نبيل لـ"خيوط"،وهو من سكان صنعاء (شمال)، إن "السلطات المعنية لا يعنيهم المستهلك اليمنيالذي يعاني من سموم منتشرة في الأسواق المحلية وسلع مغشوشة في ظل غياب الرقابةالرسمية على الأسواق". وقال ماجد إن الأسواق المحلية اليمنية "تعاني منانتشار السلع الفاسدة والمهربة والمقلدة"، داعياً "السلطات المعنية"إلى تنفيذ "إجراءات متكاملة ومن أهمها توفير احتياجات الأسواق وفرض إجراءاترقابية مشددة لمكافحة الغش التجاري".
ويضيف، أن أغلب المنافذ خارج سيطرة الحكومة اليمنية وتحت إدارةوإشراف التحالف العربي وأهمها ميناء عدن البحري والمطارات ولا علاقة للأطرافاليمنية المعنية بمنافذ ومواقع اليمن السيادية مثل المطارات والمنافذ البريةوالبحرية.
تأثيرات متعددة
ويستقبل ميناء عدن، 70% منالواردات اليمنية. ويخضع الميناء لسيطرة قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي،المدعوم من الإمارات. كما يشرف التحالف العربي على اعتماد الرحلات الجوية من وإلىمطار عدن، وبنسبة ضئيلة على مطار سيئون، وبالمثل، منفذ الوديعة البري الحدودي والتيتشرف عليه السلطات السعودية".
وفي هذا الخصوص، تحدثت لـ"خيوط"رباب أبو أصبع، نائب مدير الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس، عن دراسة الوضعالراهن وتحديد الوسائل المناسبة للتفاعل معه في حماية السوق اليمنية من أي أضرارنتيجة تفشي "كورونا".
وأوضحت أن الجهات المختصة مثل المواصفات والمقاييس، تعاني من نقصكبير في وسائل وأدوات الفحص المختصة بالسلع والبضائع الغذائية والاستهلاكية.وأرجعت أبو أصبع مسؤولية الإجراءات التي يجب اتخاذها إلى وزارة الصناعة والتجارةوكذا وزارتي الصحة والنقل، إذ يجب، كما تؤكد، خلق تعاون مشترك بين مختلف هذاالجهات لوضع إطار احترازي مشترك لحماية السوق اليمنية من تبعات تفشي وباء"كورونا".
وتشير أبو أصبع إلى ضرورة تنبه السلطات الرسمية لتبعات إغلاق المنافذ، الذي قالت إنه قد يؤدي لتنامي ظاهرة التهريب والتزوير والغش التجاري، الأمر الذي "يتطلب يقظة وحرص ورقابة لمكافحة كل هذه الاُثار السلبية المترتبة في ضوء ما يتم تنفيذه من إجراءات احترازية لمكافحة وباء كورونا".
مطار عدن الدولي، المصدر: موقع وزارة النقل