تعيش اليمن، حالة ذعر وذهول وسط معمعة تفشي جائحة فيروس "كورونا"؛ الوباء الخبيث الذي أرعب العالم وينذر بإعادةتشكليه بصورة أخرى جديدة.
تنصب الجهودالدولية على إنقاذ البشر على حساب الاقتصاد العالمي الذي قد يتحول تدريجياً معا ستمرار الوباء في التوسع، إلى كتلة حطام هائلة. فمع انتشار فيروس كورونا الآخذ بالتصاعد، أوقفت شركات الطيران معظم رحلاتها في أكثر دول العالم، وتدهورت قطاعات السياحةالتي تعد مورد اقتصادي رئيسي لكثير من الدول ومختلف قطاعات الأعمال والترفيه، والأهممن ذلك تضاؤل حركة خطوط التجارة العالمية وانخفاض قيمة كبرى الشركات العالميةوالبورصات، وانهيار أسعار النفط التي تراجعت في أقل من شهر من 60 دولار للبرميل إلى أقل من 20 دولار.
وبعد غفلة طويلة عن النيران الملتهبة في كل أنحاء العالم، انتبهت أطراف النزاع المتناثرة على جغرافيا اليمن الممزق والمنهك، على وقع أصوات دولية تحذر من اجتياح الكارثة الوبائية لليمن؛ البلد المُفقر والموبوء بحرب عبثية وأزمات ساحقة منذ خمس سنوات. وحذر المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية كريستيان لي ندماير، الخميس الماضي، من أنه سيكون من الصعوبة السيطرة على فيروس كورونا في حال انتشاره في اليمن.
مصطلح "المعابر" الذي كان يستخدم في بداية الحرب لوصف مداخل المدن المحاصرة، كتعز والحديدة، صار يشير في لغة الإجراءات الاحترازية الحكومية من كورونا، إلى فداحة توسع رقعة الانقسام بين مناطق سيطرة الطرفين.
وأبدى ليندماير في تصريحات صحفية تخوف المجتمع الدولي من تفشي وباء "كورونا"في اليمن لانعدام المرافق والإمكانيات الصحية اللازمة للتعامل معه في ظل الوضع الراهن الذي تعيشه اليمن وما ألحقته الحرب من دمار هائل طال معظم المرافق الخدمية وفي طليعتها المرافق الصحية.
وتناقلت وسائل الإعلام الدولية ما نسبته للمسؤول في الصحة العالمية قوله: "ستكون هناك مجزرة حقيقية في حال تفشي فيروس كورونا في اليمن". غير أن ليندماير نفى لاحقاً ذلك التصريح، مرجعاً الأمر إلى خطأ في الترجمة وقعت فيه بعض وسائل الإعلام.
وأثارت تصريحات المسؤول الدولي اهتمام طرفي النزاع الرئيسيين في اليمن، ودفعهم لحالة استنفار واسعة تمثلت بمجموعة إجراءات تجسد فيها ما ألحقته الحرب الدائرة من تشوهات في البلاد؛حيث بدأت تظهر مصطلحات من قبيل "المعابر" في إشارة لخطوط التماس غير القتالية بين مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، وبين مناطق سيطرة جماعةأنصار الله (الحوثيين). ومصطلح "المعابر" الذي كان يستخدم في بدايةالحرب لوصف مداخل المدن المحاصرة، كتعز والحديدة، صار الآن يشير إلى فداحة توسع رقعة الانقسام بين مناطق سيطرة الطرفين.
الإجراءات الاحترازية التي أقرتها حكومتا صنعاء وعدن، تأتي في ظل تدهور المنظومة الصحية للجمهورية اليمنية، خاصة في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين).
وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، أعلنت حكومة صنعاء، مجموعة من الإجراءات الاحترازية لمواجهةفيروس كورونا، من بينها عدم السماح للمسافرين القادمين من عدن، باجتياز نقاط التفتيش في مناطق التماس في تعز والضالع. كما شكلت لجنة عليا لمكافحة فيروسكورونا.
وفي رداع احتجزت نقاط التفتيش التابعة لأنصارالله (الحوثيين) مئات المسافرين القادمين من مناطق عبر مدينة مأرب، وغالبيتهم من المغتربين في المملكة العربية السعودية. وتناقل نشطاء وناشطات يمنيون، صوراً فوتوغرافية أفادوا بأنها لمركز حجر صحي تابع لحكومة صنعاء. وتظهر الصور افتقارالمكان للخدمات الضرورية.
بالمقابل، أقرت الحكومةالمعترف بها دولياً، إجراءات احترازية تضمنت تعليق الرحلات الجوية من وإلى مطارعدن، ومطاري سيئون والريان في حضرموت، لمدة أسبوعين ابتداء من 18 مارس/ أذارالجاري. واستثنت هذه الإجراءات الرحلات لأغراض إنسانية ونقل المساعدات الاغاثية،واستمرار تطبيق الإجراءات المشددة الخاصة بالفحص والحجر الصحي إن لزم الأمر.
كما شملت القرارات الحكومية إغلاق المنافذ البرية، باستثناء حركة الشحن التجاري والإغاثي والإنساني، والاستمرار في تطبيق "الإجراءات المشددة للفحوصات اللازمة الخاصةبالوباء، وتعزيز إجراءات الرقابة في الموانئ البحرية، واتخاذ كل ما من شأنه خضوع العاملين في سفن النقل للإجراءات والفحوصات اللازمة".
تلىذلك خطوات إضافية في الإجراءات الاحترازية لحكومة صنعاء في مناطق سيطرتها، إذ تم إغلاق "المنافذ البرية" التي تربطها بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً. كما بدأت تنفيذ حملة لإغلاق بعض الأسواق المزدحمة والاستراحات العامة والمطاعم وصالات الأفراح في صنعاء وبعض المدن الأخرى الواقعة تحت سيطرتها.
وأبدى مواطنون استياءهم بسبب تعطيل أعمالهم ومصالحهم، مبررين استياءهم بعدم تسجيل أي حالة إصابة بالفيروس حتى الأن، كما انتقدوا عدم تحديد المدة الزمنية للإغلاق، وعد متضمين التعميم الحكومي كيفية تعويض المتضررين من هذه الإجراءات .
وتبقى أسواق القات التحدي الرئيسي لكلا الحكومتين، اللتان تتريثان في اتخاذ أي قرار حاسم بشأنها. لكن وفقاً للإجراءات الأولية المتخذة من قبل بعض السلطات المحلية، كما حصلفي شبوة، قامت السلطة المحلية في المحافظة الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بهادولياً، بنقل أسواق القات إلى خارج المدينة.
وفي صنعاء، أعلنت الحكومة التابعة لجماعة أنصارالله (الحوثيين) اعتزامها نقل أسواق القات، بالتنسيق مع السلطات المحلية المختصة في "أمانة العاصمة" صنعاء، لإيجاد أماكن مفتوحة خارج المدينة لأسواق القات، وأنها سوف تلجأ لإغلاق هذه الأسواق بصورة مؤقتة.
وقللت هذه الإجراءات حالة الارتباك الشديدة في التعامل مع فيروس "كورونا" رغم عدم تسجيل أي حالة اشتباه حتى الآن في اليمن.
ويبدي الخبير الاقتصادي محمود الناصر استغرابه من هذه الإجراءات التي قال إنه يتم تنفيذها "تماشياً مع ما تقوم به الدول الموبوءة فعلياً."
وأشار الناصر في حديث لـ"خيوط" إلى أن الإجراءات التي تتخذها دول العالم التي تعاني من انتشار فيروس كورونا يرافقها حزمة إجراءات موازية لتلافيالأضرار الناتجة عن تعطيل حركة الأعمال بتعويضات والتزامات للمتضررين، لتلافي مشاكل أخرى قد تتفشى، مثل الجوع والبطالة والإقامة الجبرية في المنازل.
فيالسياق ذاته، اقترح البروفيسور اليمني مصطفى العبسي إنشاء "لجنة أزمات واحدة تضم كل اليمن"، للتنسيق بين الحكومتين المنقسمتين، فيما يتعلق بإجراءات مواجهة تفشي وباء كورونا في البلاد.
وتحت عنوان "اقتراح من أجل كل اليمن"، كتب البروفيسور مصطفى العبسي، عالمالنفس وخبير الطب السلوكي والعلوم العصبية في جامعة "مينيسوتا"الأمريكية، منشوراً على حسابه في "فيسبوك" قال فيه: "حان الوقت أننوقف بالكامل (ولو مؤقتاً) نزاعاتنا العسكرية وأحداث العنف والتمترس، من أجل مواجهة هذا العدو القاتل الذي لا يعترف بأي حدود أو فوارق.
وأضاف:"الجميع معرض للخطر، في صنعاء وعدن، وفي مأرب وحضرموت وفي كل أنحاء البلاد". وتقدم العبسي بمبادرة للحفاظ على أرواح الناس وعائلاتهم، وعلى ما بقى من هذا المجتمع المنهك، تتضمن مقترحاً لإنشاء لجنة أزمات يمنية واحدة (تضم كل اليمن). لمواجهةهذه الأزمة، وتتألف اللجنة من خبرات صحية وتقنية ماهرة في إدارة الأزمات، وتطوع لها الإمكانيات والتفويض الكامل من قبل كل الأطراف حتى تتمكن من التحرك والتنسيق محليا واقليميا باسم كل اليمنيين".
وأشار إلى أن هذا "الخطر العظيم"، لا ينبغي التقليل منه أو من الجهود اللازمة لمواجهته، موضحاً أن هذه المواجهة "مسؤولية أخلاقية عظيمة تتجاوز أسباب الشقاق والنزاعات بين مختلف الأطراف".
وتحدث العبسي في منشوره عن أن هناك "تصور واضح- لدى جهات صحية وإغاثية نزيهة" لتطبيق مقترحه عملياً "دون الدخول في متاهات الصراعات والفرقة السياسية". لكنه لم يفصح عن تفاصيل تنفيذية للمقترح، ولم يسمّ هذه الجهات.