حتى صباحالأحد 29 ديسمبر/ كانون أول 2019، لم يُثنِ المرضُ السيدة تَقيّة الحملي (60 سنة) عنالقيام بمقتضى المودّة تجاهَ زوجها، الراقد في العناية المركزة في مستشفى الجمهوريالحكومي بصنعاء، إثر إصابته بفيروس "H1N1". إذ كان لزاماًعليها مقاومةُ أَلَمِها الذي كان ينقضّ عليها تدريجياً، دون أن تعلمَ أنها مصابةٌبذات الفيروس، ودون أن يخبرها أحدٌ بذلك.
عبد الملك الحملي (65 سنة) هو كلُّ عائلةِ "تقيّة"، بعد أن شاءالله ألّا ينجبا الأطفال. عاشا معاً في منزلٍ متواضعٍ كانا قد اقتطعا جزءاً منهليستفيدا من إيجاره في إعالة نفسيهما- المنزل الكائن في حارة المجد بشارع النصر فيالعاصمة صنعاء. و"المجد" شأنُها كشأن معظم الحواري، في الاعتماد علىمياه "السبيل" (خزانات يعبئها فاعلو خير)، وفي الافتقار إلى أبسط خدماتالنظافة والصرف الصحي.
لم يكدْ نهارُ ذلك اليوم الحزين، يمضي، إلا وقد فارقت روح تقية الحياة؛ في حين لم تشرقْ شمسُ اليوم التالي إلا وغادر زوجُها الحياة أيضاً! هذه النهاية المأساوية التي رصدتها وتتبعتها "خيوط" للزوجيْن المسنّيْن، الوحيديْن تماماً إلا من رحمة الله، هي واحدةٌ من عشرات الحالات التي تكشف الغطاءَ عن ركاكةِ أساليب الاحتراز والمواجهة، من قبل الجهات المعنية بالحماية والرعاية، من تفشي الأمراض والأوبئة.
تبدو اليمن -رغم تأكيد حكومتيْ صنعاء وعدن عدمَ وجود أي حالة إصابة، وبالرغم من القرارات الصادرة من الحكومتين المتعلقة بتعليق الدراسة وإغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية، خارجَ مضمار الاستنفار وحالة الطوارئ العالمية.
فوبيا الاعتراف
تصريحاتُ قادةِ وزعماء العالم الصريحةُ والصادمةُ بشأن تفشي فيروس كورونا،وخطورة المرحلة القادمة، تُبرز للأذهان موقفَ الجهات ذات الاختصاص بشأن انتشارالأمراض والأوبئة المختلفة، التي تم التعامل معها بسريةٍ وتكتمٍ شديديْن. إذ بلغتإصاباتُ الكوليرا خلال العام 2019 (696 ألفاً و531) حالةَ إصابة، ذهب ضحيتَها مايتجاوز الـ1000 ضحية. توزعت هذه الإصابات في 305 مديريات، من أصل 333 مديريةً فيالجمهورية اليمنية، بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية. وإلى ذلك، تجاوزت وَفِيّاتُحمى الضنك 300 حالةَ وفاة؛ مئات الإصابات تركز معظمُها في المناطق الساحلية، بحسبإحصائيات مركز مكافحة الأمراض والترصّد الوبائي بوزارة الصحة، التابعة لأنصار الله(الحوثيين). وفي نفس السياق، بلغ عددُ الإصابات بفيروس (H1N1)، لشهري أكتوبر ونوفمبر 2019فقط، أكثر من 3082 حالةَ التهابٍ رئويٍّ حادٍّ، منها 601 أنفلونزا (A)، و190 حالةأنفلونزا (H1N1)،بحسب تصريحات أحمد الزبير لـ"خيوط"، وهو متحدث إعلامي باسم مركز مواجهة(H1N1)في حكومة أنصار الله (الحوثيين).
سؤال مرعب
يجثم كورونا (19-COVID) بثقله على صدر العالم، بعد انتشاره في نحو 123 بلداً وإقليماَ، مسجلاً عددَ إصاباتٍ بلغت 156400 إصابة، وأكثر من 5000 حالة وفاة، حسب الإحاطة الدورية للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدوس أوهانوم، في 13 مارس/ آذار الجاري. هذا التفشي لفيروس كورونا دفع العديدَ من الدول إلى تعليق الدراسة وإيقاف حركة السفر والتنقل البري والبحري والجوي، وإلغاء الفعاليات الرياضية والثقافية والسياسية، وتكريس الجهود والطاقات لاحتواء الوباء، المصنّف في11مارس/ آذار من قبل منظمة الصحة العالمية كـ"جائحة"؛ ما يعني دقّ ناقوس الخطر فيما لو انتقلت هذه الجائحةُ إلى اليمن.
التدابير الاحترازية في اليمن تمثلت في تخصيص حكومة عدن مراكز عزل في عدن، المهرة، حضرموت، وتدريب 80 طبيباً، فيما خصصت حكومة صنعاء مراكز عزل في صنعاء، الأمانة والمحافظة، وذمار وريمة، و500 شخص بين طبيب وممرض.
هدوء مريب
تبدو اليمن -رغم تأكيد حكومتيْ صنعاء وعدن عدمَ وجود أي حالة إصابة،وبالرغم من القرارات الصادرة من الحكومتين المتعلقة بتعليق الدراسة وإغلاق المنافذالبرية والبحرية والجوية- خارجَ مضمار الاستنفار وحالة الطوارئ العالمية؛ وهو هدوءٌيفتح حنفيةَ الاحتمالات على آخرها.
إجراءات احترازية
في هذا الصدد، أوضح لـ"خيوط" الدكتور خالد المؤيد، مدير عاممكافحة الأمراض والترصّد الوبائي بوزارة الصحة التابعة لجماعة أنصار الله(الحوثيين)، قيام الوزارة بتفعيل مركز العَزْل في مطار صنعاء، وإقامة مراكز عزلٍ أخرىعلى المنافذ، بالإضافة إلى أربعة مراكز في كلٍّ من أمانة العاصمة ومحافظات صنعاءوذمار وريمة، كمرحلة أولى، مشيرا إلى استجابة منظمة الصحة العالمية بتوفير أجهزةفحص حراري، فيما تم العمل على توفير ما أمكن من أدوات الحماية والمحاليل المخبريةلفحص الحالات.
المؤيد قال أيضاً إنه تم تخصيص 500 شخص للعمل فيمواجهة كورونا، تم تدريب القلة منهم، فيما تجري المساعي لتدريب البقية وتوفيرمستحقات الكادر بمساعدة منظمة الصحة العالمية، مؤكداً أن الاجتماعات المكثفةللوزارة مع الجهات المختلفة تمخّضتْ عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة تضم، إلى جانبقطاع الصحة، النقل البري والجوي، والأمن العام وجهاز الأمن والمخابرات، بالإضافة إلىتشكيل لجنة عليا لمواجهة كورونا، برئاسة نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات.
في المقابل، قال لـ"خيوط"، الدكتور علي الوليدي، نائب وزير الصحةلقطاع الرعاية في الحكومة المعترف بها دولياً، إن "الاستعدادات قائمة"لمواجهة كورونا، حيث تم رفد المنافذ البرية والبحرية والجوية بعدد من المستلزماتالطبية الضرورية، وتدريب ثلاثة أطباء من كل محافظة، بعدد إجمالي بلغ 80 طبيباً.
وأضاف الوليدي أنه تم افتتاح مراكزعزْلٍ في كلٍّ من حضرموت والمهرة، فيما تسعى الوزارة لافتتاح المزيد من المراكز فيبقية المحافظات، منوهاً إلى أن "التنسيق والعمل مع المنظمات المختلفة، وعلىرأسها الصحة العالمية، مستمرٌّ في سبيل استكمال وتوفير بقية متطلبات التحريزوالوقاية".
ثغرات تنذر بكارثة
في دراسةٍ أعدّها مجموعةٌ من العلماء والباحثين في معهد (ويلكوم سانجر) البريطاني ومعهد (باسور) الفرنسي، تمت الإشارة إلى أن "سلالة الكوليرا، التي انتشرت في اليمن عام 2019، جاءت من شرق أفريقيا،بواسطة مهاجرين غير شرعيين، تُمثّل اليمنُ نقطةَ عبورٍ لهم إلى دول الخليج العربي"؛وهو ما ينسحب أيضاً على خطورة تفشي كورونا عبرهم. حيث يُقدَّرُ عددُ المُتدفّقينإلى اليمن بطريقة غير شرعية بالآلاف؛ ما يجعل الجهات المعنية تقف عاجزةًعن السيطرة والضبط، نتيجةَ طولِ الشريط الساحلي وتنوعِ الأساليب المبتكرة للتهريب.
من جهةٍ أخرى، ما يزال موضوعُ إغفالالطلعات الجوية لقوات التحالف -وهي دولٌ ظَهَرَ فيها الوباء- أمراً باعثاً للقلق،إضافةً إلى المخاوف المتعلقة بصعوبة تطبيق الإجراءات الاحترازية، نتيجةً للظروفالاستثنائية التي تعيشها اليمن، والتي فرضت على المواطنين نمطاً معيناً من أزماتالطوابير: طوابير البترول، الغاز، الخدمات، واكتظاظ أسواق القات، والسجون والمطاعمالشعبية وقاعات المناسبات الاجتماعية وساحات التحشيد والتعبئة السياسية، التيتتفوق فيها اعتباراتُ السياسة على اعتبارات السلامة.
مهمة جمعية
يتعلق نجاحُ مواجهة كورونا -كما أثبتت النماذج الماثلة- بمدى إدراك الأفرادللدور المنوط بهم، ومدى الشفافية والمسؤولية التي تتمتع بها الجهات المعنية، وبمدىتكامل الشرطين في توفير بيئةِ صدٍّ مشتركةٍ للحيلولة دون وقوع الكارثة، التي لا شكأنها لن تأخذ الكثيرَ من الوقت للقيام بعملية تحديدٍ جماعيٍّ لليمنيين الذين تنطفئأرواحهم من خلف ستار حسابات وتوظيفات الحرب، بعيداً جداً عن عين العالم وسلطةِالتناول الإعلامي.