تدخلت الأمم المتحدة في اليمن خلال صراعاتمتعددة، بدءًا بحرب ثورة 26 سبتمبر، وخلال العامين (1963-1964)؛ في ذروة الحربالباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، ثم في حرب صيف 1994؛ بعد انهيار الاتحادالسوفيتي، وبدء ممارسة أمريكا دور القطب العالمي الواحد، ثم منذ العام 2012 وحتىاللحظة. في مرحلة أصبحت فيها واشنطن الحاكم المهيمن على العالم، مع محاولاتمتواضعة للقوى الكبرى لممارسة دور في المشهد الإقليمي، كان التدخل الأممي يتزامن-في كل مرة- مع صراع إقليمي يدور على الساحة اليمنية، ويتميز بتداخل أدوارالفاعلين المحليين مع الفاعلين في الإقليم. لكن نتائج التدخل الأممي كان خلالالستينات والتسعينات دون أثر حقيقي على الأرض، ولم يغير في معادلة الصراع.
بحلول يوم 22 مايو 1990، أعلن قادة شطري اليمن(الشمال والجنوب)، انتهاء شخصيتي الدولتين في صنعاء وعدن، واندماجهما في دولةواحدة عاصمتها صنعاء. رفع قادة الشطرين علم الجمهورية اليمنية الوليدة على صارية قاعةفلسطين في عدن ظهيرة ذلك اليوم الذي تساقطت فيه دموع الفرح بتحقيق حلم يمني راودالملايين في شمال اليمن وجنوبها لعقود.
نتيجة للتسرع في إقرار الوحدة بطريقة ينقصهاالكثير من الترتيب والإعداد، تحول ما اعتبره اليمنيون وكثير من العرب إنجازاًتاريخياً، إلى مشكلة. لقد غلبت العاطفة والمثالية على اتفاقية الوحدة، لتكتفيبالنص على تقاسم السلطة بين شريكي الوحدة (الحزب الاشتراكي اليمني جنوباً،والمؤتمر الشعبي العام شمالاً) خلال فترة انتقالية مدتها 30 شهراً. خلال هذهالفترة يتم دمج مؤسسات الدولتين السابقتين والإعداد لانتخابات برلمانية، والانتقالبالبلد إلى تجربة جديدة ذات طابع تعددي ديمقراطي. لكن ما كان ينقص الاتفاقية، هيالرؤية الواضحة وتحديد الإجراءات لتحقيق ذلك، فكانت تلك مقدمة للصراع بين شريكيالوحدة، رغم ما شهدته اليمن من تعددية سياسية وتمتعها بحرية تعبير غير مسبوقة خلالالمرحلة الانتقالية (1990-1993).
سياق الأزمة اليمنية صبيحةالوحدة
خاضت الدولة الوليدة تجربة قاسية في أيامهاالأولى، عند اجتياح صدام حسين للكويت، حيث اتخذ اليمن موقفاً مختلفاً عن دولالخليج العربي. أدى هذا الموقف إلى قطع كل المعونات والمساعدات المادية التي كانت اليمنتحصل عليها من الخليج، إضافة إلى ترحيل قرابة مليون مغترب يمني، خاصة من السعودية،ما أدى إلى دخول الدولة الوليدة أزمة اقتصادية حادة وغير متوقعة، وتحولت دول جواراليمن إلى علاقة الخصومة مع صنعاء.
كانت الوحدة بطريقتها الاندماجية التي جرت،بناء على اتفاق فرْدي بين العليّيْن (علي عبد الله صالح وعلي سالم البيض)، وإنأقرتها الهيئات المختصة في الشطرين لاحقاً. لذلك عندما تصاعدت التوترات بين العليينتحديداً، باعتبارهما متخذَي قرار الوحدة، تطور الأمر إلى خلافات بين حزبي المؤتمروالاشتراكي، وكان حزب الإصلاح يقف في صف المؤتمر. ومنذ شهر سبتمبر من العام 1991 بدأتالحاجة إلى وساطة بين العليين، حسب ما أورده الشيخ سنان أبو لحوم في مذكراته كوسيط،لكن الثقة بين الرجلين كانت تنهار، وحلّ التوجس بدلًا عنها.
في العام 1992 خرجت مظاهرات احتجاجية واسعة ضد ارتفاعالأسعار وتدهور المعيشة، واتهم صالح الحزب الاشتراكي بتنظيمها، واتهم الحزبالاشتراكي صالح وحزبه وحلفاءه من حزب الإصلاح، بالوقوف وراء عمليات الاغتيال التيتعرض لها قرابة 150 عضواً في الحزب، حسب القيادي الاشتراكي الراحل جار الله عمر،في مقابلة مطوّلة مع الصحفي صادق ناشر لصحيفة الخليج.
انتهت الفترة الانتقالية دون دمج الجيش الشطريّ،وظل جيش الشمال تابعاً وموالياً لصالح وحزب المؤتمر، وجيش الجنوب تابعاً وموالياًللبيض والحزب الاشتراكي، وتم تأجيل الانتخابات البرلمانية الأولى لدولة الوحدةمرتين حتى أبريل من العام 1993. غير أن نتائج تلك الانتخابات، كانت عاملاً آخرلتكريس الأزمة السياسية والتوتر بين شريكيها، حيث حصد حزب المؤتمر 121 مقعداًبرلمانياً من أصل (301 مقعد)، وتلاه حزب الإصلاح بـ62 مقعداً، وحلّ الحزب الاشتراكيثالثاً بـ56 مقعداً فقط. حينها اتهم الأخير حزبَ المؤتمر بالتواطؤ مع الإصلاح ضده،وكان ذلك صحيحاً (حسب تأكيد الشيخ عبد الله الأحمر في مذكراته)، حيث طلب صالح منهتأسيس حزب سياسي يقوم بدور المعارض للحزب الاشتراكي عندما لا يكون المؤتمر قادراًعلى ذلك، باعتباره شريكاً للحزب في إعلان الوحدة. وكان ذلك الحزب هو التجمع اليمنيللإصلاح الذي تكوّن من تركيبة إسلامية قبلية ذات علاقة سيئة بالحزب الاشتراكي منذحروب الشطرين.
ظهر موقف كلٍّ من الاشتراكي والمؤتمر واضحاً فيالنقاط الـ18، التي اشترط الاشتراكي تنفيذها كحل للأزمة عام 1993. وكان من أبرزها محاكمةالمتهمين باغتيال عناصر الحزب الاشتراكي، وتوسيع صلاحيات الحكم المحلي، وإخراجالمعسكرات من المدن. أعلن حزب المؤتمر موافقته عليها مقابل تنفيذ 19 نقطة قدمهابدوره كحل للأزمة تضمنت العمل بموجب نتائج انتخابات أبريل 1993، ما يعني الضغط علىالحزب الاشتراكي والتلويح بإخراجه من الائتلاف الحكومي. بناءً على ذلك، كان يمكن لحزبيالمؤتمر والإصلاح تشكيل الحكومة باعتبارهما يحوزان الأغلبية، وكان البيض سيغادرمنصبه كنائب لرئيس مجلس الرئاسة، بل سيتحول الاشتراكي إلى حزب معارضة بعد أن كانشريكاً في الوحدة، وصاحب السلطة في الجنوب. عرض الاشتراكي ذلك الاقتراح على قياداته،وكان الرفض قاطعاً من قبل جار الله عمر، كما ورد في كتاب جريدة الثوري عن جار اللهعمر بعد اغتياله.
تشكلت لجنة حوار وطني من القوى والأحزابالمعارضة لحل الأزمة بين شريكي الوحدة، وخاضت حوارات مطولة كانت أبرز مخرجاتها ماعرف بـ"وثيقة العهد والاتفاق" التي استوعبت أبرز مطالب الاشتراكي، خاصة مايتعلق بالجيش والحكم المحلي. قدمت "الوثيقة" رؤية متقدمة للدولة اليمنيةالمكونة من سبعة مخاليف، دولة اتحادية بصيغة أكثر تماسكاً من تلك التي خرج بهامؤتمر الحوار الوطني مطلع العام 2014، والتي كانت عاملاً مساعداً على نشوب الحربالراهنة. ورغم تعويل اليمنيين بشكل كبير على "وثيقة العهد" لحل الأزمةاليمنية يومها، دخل اليمن في حرب 94، بعد التوقيع عليها مباشرة.
الدور الإقليمي والدولي فيالأزمة اليمنية صبيحة الوحدة
رغم العزلة التي عانى اليمن منها خلال عقدالتسعينات نتيجة موقفها من حرب الخليج الثانية، خاصة من دول الخليج ومصر، ظهرت بعضالوساطات العربية لحل الأزمة اليمنية، وأبرزها وساطة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات،والسلطان قابوس بن سعيد، وموفدين عن الشيخ زايد بن سلطان، والرئيس المصري حسنيمبارك، والملك الأردني الحسين بن طلال الذي رعى، مع أمين عام الجامعة العربية،توقيع "وثيقة العهد والاتفاق" في عمّان. لكن ذلك الاجتماع تحول من تدشينمصالحة يمنية إلى تدشين حرب.
غادر علي سالم البيض العاصمة الأردنية إلىالسعودية بدلاً من عودته مع صالح إلى صنعاء كمؤشر إيجابي على حل الأزمة كما طلبالملك حسين، بينما غادر سالم صالح محمد إلى الكويت. كانت هاتان الزيارتان بالنسبةللرئيس صالح، مؤشراً على وجود "مؤامرة خليجية" ضد الوحدة اليمنية، خاصةمع الموقف الخليجي المناهض لصنعاء كعقاب لها على موقفها من حرب تحرير الكويت. وحسبالباحث عبد الناصر المودع في ورقته البحثية حول التدخل الخارجي في حرب 1994، فقد صرح وزير خارجية الكويت بأن بلاده "تتشاور مع دول المجلسودول أخرى في مسالة الاعتراف بدولة الجنوب، وأنها ستثير هذا الأمر في مجلس الأمن". كمااستفزت مساعي الوساطة المصرية الملك حسين بن طلال،واعتبرها محاولة لإفشال وساطة الأردن، في إطار تنافس القاهرة وعمّان إقليمياً، وبناءًعلى موقف الحسين القريب من موقف صالح بشأن حرب تحرير الكويت، حسب مذكرة جار اللهعمر لحزبه المنشورة في كتاب صحيفة الثوري (جار الله عمر، وطن أو لا وطن، كتاباتمسكوت عنها، 2003). كما كانت هناك رغبة كويتية للانتقام من صنعاء نتيجة موقفها مناحتلال صدام للكويت، إضافة إلى رغبة الملك حسين في تسجيل موقف سياسي واستعجالهبتوقيع "وثيقة العهد" دون الترتيب الكافي لإنجاحها. وجار الله هو الذيرأى أيضاً في المذكرة ذاتها أن سبب فشل الوثيقة التي كان يمكن أن تنقل اليمن إلىوضع أفضل، أن حزبي الاشتراكي والمؤتمر ذهبا إلى عمّان في "رحلة يغلب عليهاالطابع الدعائي والرغبة في تسجيل المواقف السياسية كلًّا ضد الآخر"، حيث كان يتوجسمن خطر حرب يمنية محتملة، وكان يرى أن "من الأفضل لنا ولليمن أن نتفاوض علىتنازلات متبادلة قبل الحرب وليس بعدها"، كما قال في مذكرته للحزب.
ضغطت الرياض وأبو ظبي بقوة لتدويل الأزمة اليمنية التي أعقبت الوحدة، فعقد مجلس الأمن الدولي جلسة بطلب مصري، وأصدر القرار رقم (924)، في 1 يونيو 1994 دعا فيه لوقف إطلاق النار، وعدم تزويد الطرفين بالسلاح، وتكليف مبعوث للأمم المتحدة لتقصي الحقائق ورفع تقرير بنتيجة زيارته، وكان ذلك أول تدخل أممي في اليمن منذ ستينات القرن الماضي.
أما بالنسبة للموقف الدولي من الأزمة اليمنيةيومها، فقد كانت واشنطن تحذر من نشوب حرب بين شريكي الوحدة، وأبدت مع باريس مواقفضمنية تدعم الوحدة اليمنية والحل السياسي، إلّا أن ذلك لم يتوافق مع موقف الرياضودول الخليج التي وقفت ضد صالح وأيدت موقف البيض باستثناء قطر.
استغلت دول الخليج، كالسعودية، تذمر الحزب الاشتراكيمن تصرفات شريكه في الوحدة، لتصفي حساباتها مع الرئيس صالح بل ومع الوحدة اليمنية.وقد ظهر موقفها تدريجياً مع تصاعد حدة التوتر، ليبلغ ذروته مع اندلاع الحرب،وتحديداً بعد إعلان البيض بيان الانفصال في 21 مايو 1994.
مع اندلاع حرب 94، عقدت دول مجلس التعاونالخليجي عدة اجتماعات، عبرت فيها أن الوحدة لا يمكن أن تفرض بالقوة، ردّاً علىخطاب حزب المؤتمر بأن حربه ضد الحرب الاشتراكي هي للدفاع عن الوحدة. أكد ذلكالموقف الشيخ زايد بن سلطان للشيخ عبد الله الأحمر، حسب رواية الأخير في مذكراته،وكان موقف الإمارات ضد صالح أوضح من موقف الرياض، حين بدأت وسائل إعلامها تصفالبيض بـ"الرئيس"، بعد إعلانه بيان الانفصال.
ضغطت الرياض وأبو ظبي بقوة لتدويل الأزمةاليمنية يومها وفرض تدخل أممي فيها، فعقد مجلس الأمن الدولي جلسة بشأن اليمن بطلبمصري، وأصدر القرار رقم (924) في 1 يونيو 1994. دعا القرار لوقف إطلاق النار فياليمن، وعدم تزويد الطرفين بالسلاح، وتكليف مبعوث للأمم المتحدة لتقصي الحقائقورفع تقرير للمجلس بنتيجة زيارته لليمن، وكان ذلك أول تدخل أممي في اليمن منذ 1964.
وصل المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي إلىصنعاء في 8 يونيو، ثم غادرها إلى المكلا لمقابلة البيض، ورفع لبطرس غالي (الأمينالعام للأمم المتحدة حينها) تقريره عن الوضع في اليمن في 21 يونيو، ليصدر بناءًعليه القرار الأممي رقم (931). لم تختلف صيغة هذا القرار كثيراً عن سابقه، غيرالتعبير عن القلق بشأن الوضع الإنساني في عدن، والانزعاج لعدم الالتزام بوقف إطلاق النار، مجدِّداًالدعوة لوقفه ووقف القصف على عدن تحديداً، وإبعاد الأسلحة الثقيلة منها.
طلب مجلس الأمن من الأمين العام للأمم المتحدة مواصلةمحادثاته لوضع آلية مراقبة "مقبولة من الجانبين" لوقف إطلاق النار تشاركفيها دول المنطقة، وشجع على احترام الهدنة المطلوبة، مع التأكيد على عدم الإمدادبالسلاح، والحث على استئناف الحوار دون شروط.
كانتلغة القرارين مرنة، ومفرداتها غير ملْزِمة، ولم تهدد أي طرف بالعقوبات، أو تضعاليمن تحت البند السابع، كما أن الأخضر الإبراهيمي كان "متفهماً ومستوعباًلموقف صنعاء، كما كان على علم باللعبة الخارجية التي تحاك ضد الوحدة"، حسبتعبير اللواء يحيى المتوكل القيادي المؤتمري الراحل، ووزير الداخلية حينها، فيمقابلة صحفية مطولة مع الصحفي صادق ناشر لصحيفة الخليج. وكان مؤشر تعاطفالإبراهيمي مع صنعاء، تكريم علي عبد الله صالح له بدرع الوحدة بعد انتهاء الحرب،كما ذهب إلى ذلك القيادي الاشتراكي الدكتور محمد السقاف في مقالةنشرها بصحيفة الشرق الأوسط السعودية.
الغريب في موقف الرياض من حرب 94، ما نقله الشيخ الأحمر في مذكراته عن الملك فهد، أثناء زيارة الأول للسعودية خلال الحرب؛ حيث قال له الملك: "إذا كنتم قادرين على دخول عدن وحسم الموقف، فبادروا لتخرجونا من الحرج وتضعوا الجميع أمام أمر واقع، وتفوتوا الفرصة على أي تدخل".
بالتزامن مع التدخل الأممي في الحرب اليمنيةخلال يونيو 1994، كان هناك ضغط أمريكي على صنعاء لوقف التقدم نحو عدن واعتبارها خطًّاأحمر لن تسمح واشنطن بتجاوزه. جاء ذلك في رسالة نقلها السفير آرثر هيوز لصالح الذيرفض ذلك، حسبما صرح به عبد الكريم الإرياني لصحيفة السفير اللبنانية في 13 أبريل1995. وواصل صالح تقدمه نحو عدن، ليتحول الطلب الأمريكي بعدها بأيام، إلى وقفإطلاق النار لمنح قيادات اشتراكية فرصة الانتقال إلى جيبوتي بحراً، وهو ما تم.
كان التدخل الأممي متأخراً نسبياً؛ فقد كانتزيارة الإبراهيمي للقاء البيض في المكلا، وتحذيرات السفير الأمريكي، قبيل سقوطالمكلا في قبضة القوات الموالية لصالح، ولم تتح تلك التطورات المتسارعة الفرصةللأمم المتحدة حتى لتشكيل لجان مراقبة وقف إطلاق النار. فالتدخلات الأممية عادة ماتؤدي إلى إطالة أمد الصراع، حسب تعبير أوردته الكاتبة ميساءشجاع الدين عن الأخضر الإبراهيمي المبعوث الأممي إلى اليمن في حرب 1994.
الغريب في موقف الرياض من حرب 1994 في اليمن،ما نقله الشيخ الأحمر في مذكراته عن الملك فهد، أثناء زيارة الأول للسعودية خلالالحرب؛ حيث قال له الملك: "إذا كنتم قادرين على دخول عدن وحسم الموقف،فبادروا لتخرجونا من الحرج وتضعوا الجميع أمام أمر واقع، وتفوتوا الفرصة على أيتدخل"، وهذا يتعارض مع موقف الرياض الداعم للحزب الاشتراكي بقوة، سياسياًوإعلامياً ومالياً، حيث كان الدعم المالي عبر رجال أعمال جنوبيين حتى لا تظهرالرياض متورطة مباشرة في الصراع، حسب ما ورد في ورقته المشار إليها أعلاه.
يمكن القول إن التدخل الأممي في حرب 1994، لم يكن له أي تأثير على واقع الأحداث وتطوراتها، وأنه جاء متأخراً بعد وصول الحرب إلى مرحلة أصبحت نتائجها واضحة، وأن الدول الكبرى لم تكن لديها اهتمامات حقيقية باتخاذ موقف حاسم في اليمن.
كما أن صالح وحلفاءه يومها، كانوا مدعومينبآلاف المقاتلين الجنوبيين الذين وقفوا في صفه ضمن ما كان يسمىبـ"الزمرة"، انتقاماً من رفاقهم الذين كانوا يسمون بـ"الطغمة".وهذان التصنيفان تعود نشأتهما إلى أحداث يناير 1986 الشهيرة. ولقد كان الرئيس الحاليالمعترف به دولياً، عبد ربه منصور هادي، أبرز القيادات الجنوبية التي وقفت معصالح، وعيّنه الأخير وزيراً للدفاع، ثم نائباً له حتى العام 2012.
امتلك صالح شفرة قاطعة استخدمها ضد شريكه فيالوحدة لحشد التأييد الشعبي، وهي خطاب الدفاع عن الوحدة، خاصة مع إعلان البيضانفصال الجنوب في ذروة المعارك العسكرية. أكّد ذلك حينها عضو مجلس الرئاسةوالقيادي الاشتراكي سالم صالح محمد، معتبراً "ورقة" الوحدة أقوى منالسلاح النووي لمن يمتلكه، حسب وصفه في مقابلة مع مجلة الوسط اللندنية (العدد 185، 14 أغسطس 1995). ويبدوأن ذلك توافق مع رغبة واشنطن وباريس، فلم يصعّدا الموقف في مجلس الأمن ضد صالح.
يمكن القول إن التدخل الأممي في حرب 1994، لميكن له أي تأثير على واقع الأحداث وتطوراتها، وأنه جاء متأخراً بعد وصول الحرب إلىمرحلة أصبحت نتائجها واضحة، وأن الدول الكبرى لم تكن لديها اهتمامات حقيقية باتخاذموقف حاسم في اليمن، مع معرفتها برجحان الكفة العسكرية لمصلحة صالح وحلفائه، كماأبلغ السفير الأمريكي ذلك للحزب الاشتراكي في رواية جار الله عمر حينها. (صادق ناشر،جار الله عمر يتكلم، "قصة حياة من شهقة الميلاد إلى رصاصة الموت"،الطبعة الأولى 2003).
أدت حرب 1994 إلى انفراد الرئيس صالح بالحكم، والتعامل مع شريكه في الوحدة كتعامل المنتصر مع المهزوم، وعدم التعامل كدولة مسؤولة ترمم الجراح، وتكفل الحقوق. وقد أدى ذلك إلى شرخ عميق في جسد الدولة الموحدة وكذلك المجتمع اليمني الموحد، ولا زالت تداعيات تلك السياسات التي خلقت ما بات يعرف الآن بالقضية الجنوبية، عاملاً بارزاً في الصراع اليمني اليوم.
صورة لـ UN Photos.