غربة قسرية وانتظار لعشرات السنين

كوادر اليمن في الخارج.. حلم العودة إلى الوطن الأم يتلاشى
خيوط
March 9, 2020

غربة قسرية وانتظار لعشرات السنين

كوادر اليمن في الخارج.. حلم العودة إلى الوطن الأم يتلاشى
خيوط
March 9, 2020

"لست متأكدًا من قدرتي على المجيء إلى الأردن".

هكذا اختصر والد أحد الأطفال المرضى في رسالته إلىطبيب ترك اليمن وذهب للعمل في الخارج.لم يشأ أن يخبره بأنه غير قادر على السفر بسبب الظروفالتي يعيشها.

"اعتذاري الشديد!"؛ جاء الرد من الطبيب (49سنة) الذي كان يعمل في الأردن في العام 2013، أخصائي أطفال، وكان لديه حلم العودةإلى بلاده.

  لكن ما حدثفي اليمن جعل الطبيب الذي عمل رئيسًا لقسم جراحة المخ والأعصاب في مشفى خاص، يتنقل في بلدان عدة، وهو اليوم يعملفي دولة خليجية.

في تلك المراسلة كان الدكتور هلال الأشول (52 سنة)،وهو واحد من أبرز الكوادر اليمنية المتواجدة في الخارج، يعمل على إيصال الأببالطبيب، لكنها جهود يصعب أن تثمر، فكل واحد منهم في بلد، والطفل داخل اليمن.

تلك حالة تعكس ما تخلفه هجرة العقول إلى الخارج،وبقاء الداخل بحاجة لكل مهاجر متمكن من تقديم خدمة لبلاده.

القائمون على الجمعية الأمريكية للعلماء والمهنيين اليمنيين،
وهي أكبر تجمع يضم كوادر مؤهلة تعيش في الخارج،
اعتذروا عن تقديم أية أرقام واضحة لعدد كوادر اليمن خارج البلاد

اعتذار

القائمون على الجمعية الأمريكية للعلماء والمهنييناليمنيين ومقرها في ميشيغان، وهي أكبر تجمع يضم كوادر مؤهلة تعيش في الخارج تجاوزأعضاؤها المئات من المهنيين، اعتذروا عن تقديم أية أرقام واضحة لعدد كوادر اليمنخارج البلاد. شاكر الأشول (47 سنة)، وهو تربوي تخرج من جامعة بروكلين في الولاياتالمتحدة الأمريكية وعضو في الجمعية،قال لـ"خيوط" إن هناك أسبابًا عديدة تحول دونإحصاء كوادر اليمن بالخارج. وذهب للحديث عن الظروف التي يمكنها إعادة العقولالمهاجرة، حيث ربطها بعودة الدولة وفرض سيطرتها؛ "سيعودون بعودة القانون الذييضمن ويحكم حقوق وحريات الناس وفرصهم في الحياة والعمل"، قال شاكر الذي تخرج فيالولايات المتحدة الأمريكية، وعمل في دول عدة. رغبته بالعودة إلى اليمن تراودهدائمًا، لكنها ظلت مجرد حلم؛ فكلما ازداد تدهورحال اليمن، فقد أبناؤه في الخارج حلم العودة وتقديم ما لديهم.

كلنا في الخارج 

حلم العودة يتبعهم، لكنهم يزدادون ابتعادًا عن موطنهم لغياب عدة عوامل متداخلة، أهمها: عدم استقرار الوضع السياسي، والانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية، والتخلص من الفساد، والعدالة في توزيع الفرص.

  طه ياسين(29 سنة) شاب يمني درس في ألمانيا ويعمل أيضا هناك. يقول إنه كان ضمن مجموعة مكونةمن عشرين طالبًا في ثانوية عبد الناصر بصنعاء، وأكثر من نصفهم حاليًا متواجدون فيالخارج ويعملون بتخصصات مختلفة.

  حلمالعودة يتبعهم، لكنهم يزدادون ابتعادًا عن موطنهم، لغياب عدة عوامل، أهمها وفقًاللباحث اليمني في كلية طب جامعة طوكيو، صابر حزام، "استقرار الوضع السياسي،والانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية،والتخلص من الفساد، والعدالة في توزيع الفرص، وكذلك الدعم الكبير والكامل للبحوث العلمية، وتوفر الإمكانيات الفنية كالمعامل، لاسيما للذين يعملون في مجالاتدقيقة كالعلوم الجزيئية ومجالات الطاقة على سبيل المثال. هذه أمور يمكن أن تجذبالكفاءات للعودة".

  وينبهحزام الذي يعدّ بحث الدكتوراه في مجال دراسة الصحة العامة، إلى ضرورة توفر الأمانوتحسّن المستوى التعليمي والصحي في المقام الأول. وفي الجانب الاقتصادي، يشترط أن يكوندخل العقول المهاجرة على الأقل قريب من متوسط الدخل في البلدان المهاجرين فيها،وهو شرط يصعب تنفيذه في ظل عدم توفر مصادر الدخل.

تجربة ناصر

بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي. يبرز التطور العلمي كعائق للعودة؛ فمعظم الكوادر اليمنية تخشى حياة العزلة العلمية والابتعاد عن مواكبة التطورات.

بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي يبرز التطور العلميكعائق للعودة؛ فمعظم الكوادر اليمنية تخشى حياة العزلة العلمية والابتعاد عنمواكبة التطورات. تجربة أستاذ الجينات في جامعة رود آيلاند الأمريكية ناصرزاوية (53 سنة)، أكبر دليل على مخاطر الابتعاد عن مراكز الأبحاث.

كان ناصر زاوية في العام 2007 أستاذًا زائرًا فيكلية طب جامعة صنعاء، وقضى فيها سنة ونصف. تلقى الطلاب على يديه الدروس، لكن ذلك كانقبل عقد من الآن.

تحدث ناصر في رده على بريد من المحرر عن تلك التجربة،وكان متحمسًا لنقل معلوماته إلى طلاب في طريقهم ليصبحوا أطباء: "كانت تلك منأهم تجاربي وسعدت كثيرا بها". هكذا يتذكر الأمر في سياق إفادتهلـ"خيوط". 

لكن وبمجرد عودته إلى الولايات المتحدة الأمريكيةالذي تخرج منها في العام 1990، جامعة كاليفورنيا، وجد أن الكثير من المعلوماتوالدراسات الحديثة قد تدفقت بينما كان بعيدًا. يقول: "ضاعفت جهودي حتى ألحقبهم وأواكب التطور الذي حدث خلال عام ونصف".

كان ناصر زاوية وهلال الأشول ومجموعة أخرى منالكوادر المهاجرة، قد أبدوا رغبتهم بالعودة، وبعثوا بيانًا تضمن رغبتهم فيالمشاركة بنهضة اليمن، لكن ذلك ربما كان تحت تأثير ثورة فبراير 2011.

فبعد أن تراجع الحماس، لم يعد أحد إلى الداخل، بل إنكثيرين غادروا مجبرين على غربة قسرية وحالة انتظار أطول لعقود من الزمن.

تخرج عجيب عبده من كلية الطب في موسكو 2009، وعادمسرعًا إلى بلاده، بل إلى قريته في منطقة سامع-تعز. أسس مشفى لعلاج المرضى، لكنه لميجد العالم الذي افترضه، ولم يستعد الأموال التي اقترضها لافتتاح مشروعه الخدمي،فذهب مجددًا إلى خارج الحدود، وما زال هناك، ولم نتمكن من التواصل معه.

البقاء في الخارج

معظم الذين يحصلون على الشهادات العليا يظلون فيالخارج أو يتنقّلون بين دول أجنبية. في ديسمبر 2019، حاز فاروق ثابت (34 سنة) علىدرجة الدكتوراه في الإعلام من جامعة بوترا ماليزيا، وعند سؤاله عن التفكير بالعودة،قال في رده على البريد الإلكتروني: "من المستحيل العودة لليمن في الوقتالحالي، رغم الشوق الكبير الذي يجتاحنا".من أسباب ذلك أن "وضع البلد غير مستقر وتتحكم فيه مليشيالا تحترم حق أحد في الحياة، وتترصد لكل من عارضها أو انتقدها".

من موانع العودة وفقًا لثابت، أنه لا توجد فرص عمل،والبلد أنهكه الحرب والحصار والفقر والأمراض والأوبئة. ومن مخاوفه أيضًا انتشار أعمالالقتل والسلب والتعدي على الآخرين في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، التيكان من المفترض أن تقدم نموذجًا مشجعًا لليمنيين، وباعثًا على الاطمئنان.

اختار فاروق ماليزيا للدراسة، حيث يتوزع المئات منالدارسين اليمنيين يخيم عليهم الانتظار لما قد يحدث في الوطن. الكثير منهماختار البقاء هناك لأن العودة بالنسبة لهم سيرٌ في طريق مجهول. فمهما سرت فيه من قبلسيظل مجهولًا بالنسبة إليك لوجود غيبيات كثيرة في المنحنيات.

لا توجد إحصائية بعدد العاملين في الجامعات اليمنية الحاصلين على شهاداتهم من ماليزيا، لكن خمسة طلاب من كليات مختلفة في جامعة صنعاء وعدن، أجابوا بالنفي عند سؤالهم ما إذا كان أحد خريجي ماليزيا يدرّسهم، بينما تذكر الجميع وجود أستاذ من خريجي روسيا أو مصر، وجميعهم كانوا يعملون في السابق، أي قبل العقد الأخير الملتهب من الألفية الثالثة.

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English