غنيٌ عن البيان، أن حفظ السلام والأمن الدوليين،هو الهدف الأساسي والغاية النهائية لمنظمة الأمم المتحدة، ومن أجل تحقيق هذهالغاية "تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تُهدّدالسلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرعبالوسائل السلمية، وفقا لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التيقد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها". (المادة: 1 من ميثاق الأمم المتحدة).
وفي سبيل الوصول إلى عالم يسوده السلام، أوردميثاق المنظمة الدولية عددًا من المبادئ الرئيسية التي تحكم عمل الأمم المتحدةن وأهمّها: المساواة فيالسيادة بين جميع الدول الأعضاء، وتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية، وحظرالتهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأيةدولة، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأعضاء، باستثناء الحالات التييُقرّر مجلس الأمن أنّها تشكل تهديدًا للسلام والأمن الدوليين. (المادة 2،الفقرات: 1، 4، 7 من الميثاق).
وقد عهِد الميثاق إلى مجلس الأمن الدولي،بوصفه الجهاز التنفيذي للأمم المتحدة، بمسئولية الحفاظ على السلم والأمن الدوليين،ومنحه السلطات والصلاحيات اللازمة للنهوض بهذه المسئولية.
ووفقًا لتقدير مجلس الأمن في قراره رقم(2014) لسنة (2011)، وما تلاه من قرارات، فإن الوضع في اليمن، في ظلّ عجزالأطراف المتصارعة عن حسم النزاع أو تسويته بالطرق السلمية، قد أصبح يُهدد الأمنوالسلام الإقليميين، وبالتالي أصبح خاضعًا لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، والمُعنون بـ"فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلموالإخلال به ووقوع العدوان". وبموجب هذا الفصل يملك مجلس الأمن سلطاتخطيرة وواسعة قد تصل إلى حد استخدام القوة المسلحة لحفظ السلام والأمن الدوليين،أو إعادتهما إلى نصابهما، وقمع أعمال العدوان (المواد: 39–42 من الميثاق).
وفيما يلي، سنُحاول أن نُقدم قراءةقانونية للوقوف على الكيفية التي عالج بها مجلسُ الأمن الدولي الوضع المتأزم فياليمن، والذي تفاقم بشكل خطير لدرجة وصلت إلى حد شنّ الحرب من قبل "التحالفالعربي لدعم واستعادة الشرعية" بقيادة المملكة العربية السعودية، لنرى مدىتوافق تلك القرارات مع أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
قدم مجلس الأمن في القرار (2014) لسنة 2011، رؤية استشرافية مبكرة لتداعيات الأزمة في اليمن، حيث اعتبر الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، وتفاقم الحالة الأمنية والاقتصادية والإنسانية، والقلق من زيادة التهديدات الإرهابية، أساساً قانونياً كافياً لتدويل الأزمة.
أولا: قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2014) لسنة (2011):
تأتي أهمية هذا القرار من كونه يمثل الأساس الذي بنَى عليه مجلس الأمن الدولي قراراته اللاحقة، إذ هو القرار الأول الذي تم فيه تدويل الأزمة اليمنية، وذلك من خلال تبني المجلس للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ودعوة الأطراف الرئيسية في اليمن إلى توقيعها، واعتبارها، لاحقًا، أساسًا قانونيًا لعملية الانتقال السياسي للسلطة.
وفي هذا القرار، المُفتاح، أكدمجلس الأمن الدولي على النقاط والقضايا الرئيسية التالية:
- الالتزام القوي بوحدة اليمن، وسيادته، واستقلاله، وسلامة أراضيه.
- إدانة كافة انتهاكات حقوق الإنسان، والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن تلكالانتهاكات.
- مطالبة جميع أطراف النزاع بالامتناع فورًا عن استخدام العنف كوسيلة لبلوغالأهداف السياسية.
- الدعوة إلى التعاون البنّاء بين جميع الأطراف من أجل الحل السلمي للأزمة.
- الترحيب بمشاركة مجلس التعاون الخليجي، ودعم مجلس الأمن لدوره في حل الأزمةاليمنية.
- القلق من الحالة الأمنية، وتفاقم النزاع المسلح، واستفحال الحالة الاقتصادية والإنسانية.
- التأكيد على دور المرأة وضرورة مشاركتها، مشاركة تامة وعلى قدم المساواة في جميعمراحل عملية السلام، نظرًا لدورها الحيوي في منع ونشوب النزاعات وتسويتها ودورهافي بناء السلام.
- القلق الشديد من زيادة أعداد النازحين واللاجئين وزيادة الفقر وسوء التغذيةوارتفاع أسعار الوقود والأغذية وانقطاع الخدمات والإمدادات الحيوية للمياهوالكهرباء.
- القلق من زيادة التهديد الذي يمثله تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية.
- التأكيد على أن الإرهاب بكافة أشكاله ومظاهره يمثل أخطر التهديدات للسلام والأمنالدوليين، وأن أية أعمال إرهابية هي أعمال إجرامية أيًا كانت مبرراتها أو دوافعها.
- التأكيد، مرة أخرى، على أهمية وضرورة التوقيع على مبادرة مجلس التعاونالخليجي، واعتبار ذلك أمرًا لا بدّ منه لبدء عملية انتقال سياسي شاملة ومنظمة.
- التأكيد على مسئولية المجلس في حفظ السلام والأمن الدوليين، وفقا للفصل السابع،والتشديد على أن تفاقم الحالة في اليمن -في ظل غياب تسوية سياسية دائمة– يشكلتهديدًا للاستقرار والأمن الإقليميين.
ويلاحظ هنا، أن مجلس الأمن الدولي، وفقاللقرار (2014) لسنة (2011)، وفي رؤية استشرافية مبكرة لتداعيات الأزمة في اليمن، قدرأى أن الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، وتفاقم الحالة الأمنية والاقتصاديةوالإنسانية، وزيادة التهديدات الإرهابية التي يمثلها تنظيم القاعدة في الجزيرةالعربية، بالإضافة إلى النقاط الأخرى التي سبق ذكرها، تُشكل أساسًا قانونيًاكافيًا لتدويل الأزمة كونها "تُمثّل تهديدًا للأمن والاستقرار الإقليميين"،في منطقة حساسة من العالم. وهو أمر يستدعي أن ينهض المجلس بمسئولياته في حفظالسلام والأمن الدوليين وفقًا للفصل السابع من الميثاق. وابتداءً من هذهاللحظة يمكن القول إن شأن اليمنيين لم يعد من شأنهم وحدهم، بل أصبح شأنًا دوليًابكل ما يعنيه ذلك من تبعات قانونية وسياسية.
تصاعدت نبرة الحسم في قرار مجلس الأمن رقم (2051) لسنة (2012)، ما عكس تهديداً مبطناً في اللجوء إلى إجراءات أكثر شدة في حالة تقاعس الأطراف عن تنفيذ التزاماتها، خاصة ما يتعلق بعملية الانتقال السلمي الشامل للسلطة وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
ثانيا: قرار مجلس الأمنالدولي رقم (2051) لسنة (2012):
وفي هذا القرار، الذي اعتمده المجلسعلى أساس بناءً على قراره السابق، أصبح موقف مجلس الأمن من النزاع في اليمن أكثرحزمًا وتحديدًا؛ فبعد أن أعاد– في ديباجة القرار- التأكيد على القضايا التي تضمنهاقراره السابق، استخدم المجلسُ- في الجانب التنفيذي للقرار (2051) لسنة (2012)– كلمات واضحة لا تحتمل التأويل، ونبرة حاسمة لاتحتمل المُراوغة، حيث حدد موقف الشرعية الدولية من القضايا الرئيسية التالية:
- التأكيد على ضرورة التنفيذ الكامل،وبموجب الأزمنة المحددة، للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وفقا للقرار 2014،لسنة (2011).
- الطلب من كل الأطراف في اليمنالامتناع فورًا عن استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية.
- التنبيه على أنه ضرورة أن تركزالفترة الثانية من العملية الانتقالية، التزامًا بالآلية التنفيذية للمبادرةالخليجية، على:
(أ) عقد مؤتمر حوار وطني شامل.
(ب) إعادة هيكلة القوات الأمنية والمسلحة تحت قيادة مهنية وطنية موحدة، وإنهاء كلالصراعات المسلحة.
(ج) اتخاذ خطوات لمعالجة العدالة الانتقالية وحشد الدعم للوفاق الوطني.
(د) الإصلاح الدستوري والانتخابي، وعقد الانتخابات العامة في فبراير 2014.
- التشديد على أهمية إجراء مؤتمر حوار وطني شامل وشفاف وذو معنى يشارك فيهالجميع، ويضم مجموعات الشباب والنساء، ويدعو كل أصحاب المصلحة في اليمن للمشاركةبشكل فعّال وبنّاء في هذه العملية.
- دعوة المجتمع الدولي (بما فيه الأمم المتحدة، ودول مجلس التعاون الخليجي على وجهالخصوص) من خلال مجموعة أصدقاء اليمن لتقديم دعم فعال ومتزايد للحكومة اليمنية،لتتمكن من مواجهة التحديات السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والإنسانية.
- التأكيد على أهمية التنسيق الوثيقمع الشركاء الدوليين من أجل المساهمة الفعالة في نجاح المرحلة الانتقالية فياليمن، والترحيب، في هذا الصدد، بالمشاركة السياسية للأمم المتحدة من خلالتواجد بسيط في اليمن يضم فريق خبراء لدعم تنفيذ خطوات العملية الانتقالية، ولتقديمالنصح للأطراف وبالتنسيق مع الحكومة اليمنية، خاصةً في دعم عملية الحوار الوطني.
- إبقاء المسألة قيد النظر الفعلي لمجلس الأمن.
وأهمما يُلاحظ على هذا القرار لمجلس الأمن هو تصاعد نبرة الحسم في مخاطبة أطراف الأزمة،مما يعكس تهديدًا مبطنًا في اللجوء الى إجراءات أكثر شدة في حالة تقاعسها عن تنفيذالتزاماتها، لاسيّما فيما يتعلق بالبدء في عملية الانتقال السلمي الشامل للسلطةوفقًا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. وعلى ذلك يُمكن القول إن القرار (2051)لسنة (2012) قد وضع ما يمكن اعتباره خارطة طريق للخروج من الأزمة اليمنية، وأضفىعليها شرعية دولية.
وقبل أن ننتقل إلى القرار التالي لمجلس الأمن، تجدر الإشارة هنا (وفقا للتتابُع الزمني للأحداث) إلى البيان الرئاسي الذي أصدره المجلس في جلسته رقم 6922، المنعقدة بتاريخ 15 فبراير 2013 الذي تضمن النقاط الرئيسية التالية:
- ترحيب مجلس الأمن بإعلان الرئيس هادي عن بدء أعمال مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والتأكيد على ضرورة أن ينعقد مؤتمر الحوار على نحو شامل وبمشاركة كاملة من جميع شرائح المجتمع اليمني، بما في ذلك ممثلين عن الجنوب وكافة المناطق الأخرى، وبمشاركة كاملة وفعالة للنساء والشباب.
- التأكيد على ضرورة أن تتشكل الفترة الانتقالية من عملية تقودها اليمن، وترتكز على: الالتزام بالديمقراطية، والحوكمة الرشيدة، وسيادة القانون، والمصالحة الوطنية، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع أبناء اليمن.
- مطالبة كافة الأطراف أن تتقيد بحل خلافاتها عن طريق الحوار والتشاور، ونبذ أعمال العنف الرامية إلى تحقيق أهداف سياسية والامتناع عن الأعمال الاستفزازية، والامتثال الكامل لقراري مجلس الأمن رقم (2014) لسنة 2011، ورقم (2051) لسنة 2012، مع الإشارة إلى إمكان اتخاذ تدابير أخرى بموجب المادة (41) من الميثاق (الخاصة بالتدابير الجزائية) في حال استمرار الأعمال الرامية الى تقويض حكومة الوحدة الوطنية والانتقال السياسي.
- التأكيد على أن مجلس الأمن سيراقب عن كثب الحالة في اليمن ويتابع خطوات الانتقال السياسي السلمي للسلطة، والترحيب بالجهود المتواصلة والمُنسقة التي يبذلها مجلس التعاون الخليجي و"مجموعة السفراء العشرة"، وبالمساعي الحميدة التي يبذلها الأمين العام للأمم المتحدة ممثلًا بمبعوثه الخاص إلى اليمن، جمال بنعمر.
ومن الملاحظ هنا، أن البيان رغم صياغته بعبارات متفائلة، إلا أنه لم يغفل عن تنبيه الأطراف -بنبرة مبطنة بالتهديد والوعيد- إلى ضرورة الامتثال الكامل لقرارات المجلس السابقة المتعلقة، بشكل رئيسي، بإنجاز عملية الانتقال السياسي للسلطة بشكل سلمي وفقًا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
ثالثا: قرار مجلس الأمن رقم (2140) لسنة (2014):
قبل التعرض لهذا القرار بشيء من التفصيل، تجد الإشارة إلى أنه جاء بعد استكمال أعمال مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وصدور وثيقته النهائية، وأيضًا، بعد سلسلة من الهجمات الإرهابية، كان آخرها العمل الإرهابي الخطير الذي استهدف مجمع وزارة الدفاع بصنعاء في 5 ديسمبر 2013، وهو ما دعا مجلس الأمن الدولي إلى مزيد من التشدُّد في مسألتين أساسيتين:
الأولى: التأكيد على ضرورة إنجاز عملية الانتقال السياسي وفقًا لمبادرة مجلس التعاون الخليجي، مضيفًا إليها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل كمرجعية قانونية أخرى معترف بها دوليًا، حيث رحب مجلس الأمن "بنتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل، التي وقعتها الأحزاب السياسية كافة، وهو المؤتمر الذي تعتبر قراراته بمثابة خارطة طريق من أجل عملية انتقال ديمقراطي مستمرة بقيادة يمنية تقوم على الالتزام بالديمقراطية، والحكم الرشيد، وسيادة القانون، والمصالحة الوطنية، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية لأفراد الشعب اليمني قاطبة".
المسألة الثانية: انتقال مجلس الأمن إلى مرحلة جديدة، أكثر تشددًا وحسمًا في تعامله مع الأوضاع الخطيرة في اليمن، وعدم التسامح مع الجهات والأشخاص والكيانات التي تعيق عملية الانتقال السياسي في اليمن وفقًا للقرارين (2014) لسنة (2011) و(2051) لسنة (2012)، أو تعيق (باستخدام العنف) تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، والبدء في فرض جزاءات دولية في مواجهة "الأفراد أو الكيانات الذين يشاركون في أعمال تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار في اليمن، أو يُقدّمون الدعم لتلك الأعمال".
بقية الموضوع في الجزء الثاني:
- قراءة تفصيلية للقرارين: (2140) لسنة (2014) و(2216) لسنة (2015).
- فشل النخبة السياسية اليمنية يؤدي إلى تدويل الأزمة في اليمن وإعطاء مجلس الأمن "شيكًا على بياض" في فرض الرؤية الدولية للوضع في اليمن.
- ماذا بعد بدء مرحلة الجزاءات الدولية على اليمن واليمنيين؟
- ما هي المطالب الدولية الرئيسية من اليمن كما تعكسها قرارات مجلس الأمن؟
- هل من سبيل لخروج اليمن من أحكام الفصل السابع؟