حياكة "المعاوز" في اليمن من الحرف اليدوية ذات الأدوات التقليدية البسيطة، وقد حافظت على وجودها من الاندثار بفعل تلبيتها لاحتياجات رجال اليمن من هذا الملبس، المنتشر كثيرًا في وسط وجنوب وشرق وغرب اليمن. وتزدهر حياكة وبيع "المعاوز" في عدة محافظات يمنية، أهمها لحج، عدن، حضرموت، شبوة، الحديدة، البيضاء، وتعز. وهذه الحرفة عرفها اليمنيون منذ مئات السنين، إذ كانت بدايتها في الأرياف، ومنها انتشرت إلى مختلف المدن اليمنية، وتوسع بذلك عدد من يعتمدون على هذه الصنعة كمصدر دخل رئيسي أو وحيد.
يتكون "المعوز" الشعبي من قطعة قماش منسوجة من خيوط ذات ألوان متناغمة، ويرتديه اليمني كمئزر، من منتصف جسمه حتى نهاية ساقيه أو أعلى قليلًا. ويختلف نوعه بحسب المنطقة التي صنع فيها وبحسب تفضيلات الزبائن فيها، لكن خلال سنوات الحرب التي لا تزال دائرة في البلاد منذ أكثر من ست سنوات، تراجع إنتاج الأزياء الشعبية محليًّا، وأبرزها المآزر أو ما تسمّى باللهجة اليمنية "المعاوز".
يعاني الحرفيون المشتغلون في حياكة "المعاوز" تداعيات هذه الحرب على صناعتهم، إضافة إلى انعكاسات الأوضاع الاقتصادية التي وصلت إليها البلاد، وانخفاض القدرة الشرائية للعملة الوطنية (الريال)، واتجاه الزبائن وتجار الملابس لاستيراد هذا النوع من الملابس من خارج اليمن، مثله مثل كثير من الأزياء الشعبية التي حلّت البضائع المستوردة على حساب إنتاجها محليًّا.
تراجع الإقبال على شراء المعاوز
استيراد الأزياء الخارجية والمعاصرة، عملت على حرف تفضيلات الشباب وبعض الرجال في اليمن إلى اقتنائها بدلًا من الزي الشعبي، وفي الحالات التي لا يزال فيها اليمنيون يفضلون ارتداء الزي الشعبي، فهم يفضلون المصنّع منها خارج البلاد. هذا أضعف الإنتاج المحلي من الحرف اليدوية، كحياكة "المعاوز"، إضافةً إلى تدهور قيمة الريال اليمني، حيث تسبب ذلك في تراجع الإقبال على شراء الأزياء المصنوعة محليًّا، والتي عادة ما يكون ثمنها أعلى بكثير من المستورد، كونها مشغولة يدويًّا. لذلك يتجه المستهلك لشراء البضائع الصينية ذات القيمة الأرخص، والتي غزت السوق المحلي بصورة متزايدة خلال سنوات الحرب، كبديل لتلبية احتياجات الشباب والرجال، إذ يصل سعر "المعوز" الواحد من النوع المحلي ذي الجودة العالية إلى 70 ألف ريال (أكثر من 100$)، مقابل ثلاثة آلاف ريال لـ"المعوز" منخفض الجودة المصنوع في الصين.
يقول إبراهيم زيد، وهو مالك معمل لحياكة "المعاوز"، في حديثه لـ"خيوط"، إن "المعاوز" المصنوعة في الصين "غزت الأسوق المحلية بسبب رخص ثمنها". وعن ارتفاع سعر "المعوز" المصنوع محليًّا، يضيف زيد: "نحن نشتغل "المعوز" المحلي لمدة ثلاثة أيام، وتصل كلفة صناعته بحدود 60 ألف ريال (100$)، لذلك يذهب الزبون لشراء "المعوز الصيني" ويترك المحلي، لعدم قدرته على دفع مبلغ كهذا، مما أدى إلى تراجع إقبال الناس على شرائها".
أدى الانهيار الاقتصادي للعملة الوطنية جراء استمرار الحرب إلى تراجع كبير في صناعة الحرف اليدوية، ما جعلها على وشك الاندثار، خصوصًا مع فارق سعر صرف الريال مقابل الدولار (598 ريالًا لكل دولار واحد في مناطق سيطرة حكومة صنعاء، ومتجاوزا ال 900ريالًا في مناطق سيطرة حكومة عدن). وإلى ذلك، تعاني العملة الوطنية من عدم الاستقرار في كلٍّ من مناطق سيطرة الحكومتين المنقسمتين، إضافةً إلى ارتفاع رسوم الحوالات النقدية بين جنوب اليمن وشماله، بسبب فارق سعر الريال بالطبعة الجديدة التي أصدرتها حكومة عدن خلال الحرب، عن الطبعة القديمة المتداولة في مناطق حكومة صنعاء. وتصل نسبة الفارق بين الطبعتين من العملة الواحدة إلى حوالي 40%، وهذا ينعكس بدوره على قيمة كلٍّ من الطبعتين أمام العملات الصعبة في البلاد؛ الدولار الأمريكي والريال السعودي والدرهم الإماراتي.
ويتابع زيد: "كنا قبل الحرب ننجز أكثر من 20 قطعة من "المعاوز" في اليوم الواحد، لكن الآن لا يتجاوز إنتاجنا الخمس القطع يوميًّا، كما أن العامل الذي كنت أدفع له 50 ألف ريال كراتب شهري قبل الحرب، أصبح لا يكتفي به". وإلى ذلك، لا يكفيه هذا الراتب، خاصة في حال كانت عائلة العامل تقيم في مناطق سيطرة حكومة صنعاء، حيث يتحول مبلغ الـ50 ألف ريال إلى 30 ألف ريال فقط.
أهملت الحكومة الحرفيين، خاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشونها، ولم تقدم لهم أي دعم يساندهم على الصمود أمام عوامل اندثار صناعاتهم
سالم خادم، هو الآخر حائك "معاوز" تقليدية. يقول لـ"لخيوط": "تعلمت الحياكة من والدي عندما كنت في الثالثة عشرة، وإلى الآن ما زلت أعمل فيها وأحبها وأتقنها؛ لأنها مصدر رزقي الذي توارثته أبًا عن جد".
الحياكة ليست بالأمر السهل بالنسبة لسالم، بل تتطلب جهدًا ومهارةً خاصة وخفة في حركة اليدين والرجلين أيضًا، والتركيز أثناء العمل للحصول على مئزر جميل ذي حياكة متقنة. لذلك لا يستمر في هذه المهنة إلا الشخص الصبور؛ فرغم الأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد، وظهور الماكينة الحديثة، إلا أن هذه الطريقة التقليدية في صناعة "المعوز" لا تزال تحظى بمن يتمسّك بها ويحاول الصمود أمام المنافسة العالمية. ويشير سالم إلى أنه رغم ظهور الماكينة الحديثة في سوق الحياكة، إلا أنه ما زال مستمرًا في العمل بذلك الشغف الذي تعلمها به، كما يقول.
ارتداء المعاوز ثقافة شعبية
يعتبر ارتداء "المعاوز" موروثًا شعبيًّا وثقافيًّا لدى اليمنيين في محافظات الوسط والغرب والجنوب والشرق، لا سيما عند ارتدائها في الأعراس والمناسبات الاجتماعية، فيما يتخذها كثير من السكان في هذه المناطق، ملبسًا دائمًا لهم في كل الأماكن.
يقول نائف الوافي، وهو أحد المهتمين بارتداء "المعوز"، في حديثه لـ"خيوط": "يعني لي "المعوز" الكثير من الفن والجمال الذي يميز ملبسي، فأنا ألبسه في الأعراس والمناسبات التي لها علاقة بالأرض والإنسان اليمني وثقافته". ويضيف: "أحب أن يكون مظهري متكاملًا بلبس المعوز، وقطعة "الدِّسْمال التعزّي" على رأسي والمشقر المغروس في وسطه. يعجبني كثيرًا أن يكون مظهري خليطًا من الثقافة اليمنية المتنوعة بأزيائها المختلفة، لذلك ملابسي يمكنها أن تجمع الزّيّ التعزي والتهامي والحضرمي والشبواني"، حد تعبيره.
غياب الدعم الحكومي
أهملت الحكومة الحرفيين، خاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشونها، ولم تقدم لهم أي دعم يساندهم على الصمود أمام عوامل اندثار صناعاتهم. وفي السياق ذاته، اقتصر بعض الدعم على الجمعيات الخيرية التابعة للأحزاب، كما يقول أمين اتحاد الحرفيين بمحافظة تعز، محمد الحكيمي.
يضيف الحكيمي، في حديثه لـ"خيوط": "الحكومة لم تقدم أي دعم، ولم تهتم إطلاقًا بالمهن والحرف اليدوية، واهتمام المسؤولين يقتصر على الجمعيات الحزبية، وهناك من ينفذ دورات تدريبية لدراسة السوق ومخرجاته وفق الحاجة، لكن لا يستفيد المتدرب بقدر استفادة القائمين على التدريب".
في هذا الخصوص، يوضح أحمد المجاهد، مدير مكتب الصناعة والتجارة بمحافظة تعز، في حديثه لـ"خيوط"، أن المنظمات التي كانت تهتم بالحرفيين لم تعد موجودة، لكن يستدرك بالقول: "بإمكاننا أن نقوم نحن بتسويق الدعم لهم، وذلك من خلال وجود الجمعية الخاصة بهم، وكذلك تحليل الاحتياجات".
ويؤكد المجاهد أن دعم الجمعيات الحرَفية كان متوفرًا قبل الحرب من خلال إقامة دورات تدريبية عن طريق اتحاد الحرفيين اليمنيين، لكن بسبب الوضع الراهن في اليمن عمومًا، حتى الدعم بالتدريب لم يعد ذلك متاحًا.
*تحرير "خيوط"