حين خرجت "خيوط" من حيز الفكرة إلى صميم الواقع، قبل عامين، كان عدد المنصات الصحفية في اليمن، يقترب من 240 منصة رقمية، أكثر من نصفها كانت وليدة فترة الحرب التي توشك أن تناهز عامها الثامن، وما واكبها من إفرازات وسعت الهامش أمام المحتوى الاستهلاكي والموجّه، كأحد الآثار الجانبية الناجمة عن حالة التضاد السياسي المحتدة في البلاد.
طيلة هذه السنوات، عاش اليمنيون فظاعات الحرب، بعيدًا عن دائرة الاهتمام العالمي، فضلًا عن كون كثير من التغطيات التي كانت تُنقل عن الشأن الإنساني في اليمن، لم تكن تخلو من الاستثمار السياسي لأطراف النزاع المحلية والإقليمية والدولية. ومن ناحية أخرى، أفضى القصور المهني الإعلامي في مواكبة خصوصية مرحلة الحرب، إلى استحواذ وسائل الدعاية الحربية على فضاء المعرفة، بغرض توجيه الرأي العام العالمي بعيدًا عن تفاصيل "أكبر مأساة إنسانية في العالم"، بتوصيف الأمم المتحدة.
من غمرة ذلك الواقع المثقل بأوزار المرحلة، ومثالبها العصيّة على الحصر، ألحَّت الضرورة إلى وجود بادرة إعلامية تسهم في تصويب الاعوجاج الحاصل في الإعلام المحلي، وتقديم صورة أقرب وضوحًا لملامح الواقع، في حمأة التباري الإعلامي غير المسؤول الذي طفح به المشهد.
مرونة تتخطى الهامش
لذات الهدف، جاءت فكرة إطلاق منصة "خيوط"، التي خرجت إلى العلن في 10 مارس/ آذار 2020، على يد نخبة من صحفيين وباحثين ونشطاء مدنيين، كمنصة إلكترونية مستقِلّة تقدّم محتوى إعلاميًّا ومعرفيًّا عن اليمن، في سياقه المحلي وارتباطاته في السياق الإقليمي والدولي، انطلاقًا من حاجة اليمني لنقل صوته من الهامش إلى متن الحياة المتصلة بالمشتركات الإنسانية والحضارية مع كل شعوب العالم.
خلال عامين، قطعت "خيوط"، شوطًا مشهودًا في ترسيخ الأدبيات الموضوعية في العمل الصحفي وسط كومة الفوضى التي انزلقت إليها المؤسسات الصحفية في اليمن، خلال السنوات السبع الماضية
منذئذٍ، تكون "خيوط" قد أمضت عامين في تقديم محتوى صحفي وكتابي وتحليلي مغاير للمحتوى الرائج الذي تغلب عليه اللغة المتشنجة والأحكام الانفعالية المتأثرة بالتوتر الذي أفرزته الحرب والانقسام، وساهمت في نقل صوت الإنسان في اليمن من الهامش إلى متن الحياة المتصلة بالمشترك الإنساني والحضاري مع شعوب العالم.
خلال هذه الفترة نشرت "خيوط"، نحو 1714 مادة صحفية متنوعة، ما بين تقارير وتحقيقات وترجمات ومقالات وقصص إنسانية وحوارات، لامست جميعها تطلعات الرأي العام وأثْرَت اهتماماته في جميع المجالات تقريبًا، بما فيها السياسية والفنية والتاريخية والمجتمعية والثقافية وحتى الرياضية.
تلك المرونة الإيجابية التي اتسمت بها تغطيات "خيوط"، منذ إطلاقها، وفّرَت فُسحةً خصبة للأقلام الصحفية الواعدة في المساهمة في صناعة المحتوى وإثرائه بكل جديد ونادر من الموضوعات والقضايا التي ظلت زمنًا في الهامش وبعيدة عن متناول الإعلام، سعيًا منها لكسر حالة الصمت واحتكار المعلومة، ومقاومة الإحباط، الذي ولدته الحملة الشرسة على الإعلام ووسائل التعبير المدنيّة، من القمع والترهيب والتحريض، ومحاولات توظيفها في سياق الحرب، بمعزل عن الدور الرسالي للكلمة الحرة.
مدرسة مهنية
خلال عامين قطعت "خيوط"، شوطًا مشهودًا في ترسيخ الأدبيات الموضوعية في العمل الصحفي وسط كومة الفوضى التي انزلقت إليها المؤسسات الصحفية في اليمن، خلال السنوات السبع الماضية، وخلقت انطباعًا متفائلًا بإمكانية استدراك حالة الوهن والتردي التي طفح به غالب المحتوى الإعلامي في اليمن، على نحوٍ ساهم في إعادة تقديم الصحافة اليمنية بملامح أكثر قبولًا، كما يقول جمهورها.
من واقع تجربته الشخصية مع "خيوط"، يذكر الكاتب عبدالرحمن بجاش، في معرض حديثه عن ذات الفكرة: "عندما طُلب مني أو حدثوني عن "خيوط" قبل أن تطلق، أتذكر بعد كلام مفعم مليء بالشغف، أنني قلت: سأكتب، فقد ملأني إحساس بالنية المتوافرة في سبيل صحافة حقيقية تحترم نفسها وتحترم عقول الناس، كل ذلك والمهنية في التعامل معك ككاتب تغريك مهنيًّا بأن تكون ضمن الفريق المتميز. لذلك من هنا أتمنى أن يعمل الفريق على أن تتحول "خيوط"، مع المدى الذي فيه يقطع الحبل الحجر، إلى أن تكون مدرسة مهنية بأدواتها رفيعة المستوى".
يعرّج بجَّاش على التأكيد على الحظ الوافر من المهنية والكفاءة لدى طاقم المنصة، التي بلور فحواها في التزامه بالمعايير الموضوعية التي اتسمت بها "خيوط" منذ إطلاقها، "هنا مهنية تحترمها وتتعلم منها. هنا في "خيوط"، ثمة فريق مهني حقيقي، ثمة فريق تحرير مهني بحق وحقيق. وهناك وراءهم جميعًا من يدرك ماذا تعني الصحافة، وما عليك أن تفعله وأنت وراءهم".
يضيف: "خلال عام وأنا أكتب وأتابع وأستفيد وأنهل من "خيوط"، إذ إن الأقلام التي تكتب فيها عالية المستوى حرفًا وكلمة، ومادة "خيوط" تسبك كما يفعل صائغ الذهب؛ أخبار، تقارير، تحقيقات، كل فنون التحرير الصحفي ذات مستوى متميز".
المصلحة العامة أولًا
من الأدبيات الصميمية في الأداء المهني لدى "خيوط" وكادرها، يمثّل ميثاق الشرف الإطار القيمي الملزم لإدارة ومحرّري وكتاب منصة "خيوط"، والضابط لمختلف منتجات "خيوط" المقروءة والمرئية والمسموعة. وهو ميثاق يستطيع الجمهور تقييم التزام المنصة بناءً عليه؛ إذ تلتزم "خيوط" بإنفاذ مبادئ هذا الميثاق وإعداد مختلف سياساتها وإجراءاتها وعملياتها بما يتواءم مع ما ورد فيه.
وتعتمد "خيوط" مبدأ الشفافية بشأن مصادر تمويل أنشطتها، علمًا أنها تأسست وانطلقت بمساهمات مالية من هيئة التأسيس، فهي لا تقبل أيّ مال سياسي ولا أي دعم مشروط بشكل صريح أو ضمني. فيما عدا ذلك، تنفتح المنصة على تلقي الدعم غير المشروط، وعقد شراكات مع مؤسسات أو منظمات تؤمن بنفس التوجه والقيم، مع التأكيد على عدم تعارض هذا الدعم مع استقلالية المنصة وقيمها، ومهنية محتواها وموضوعيّته.
وبالتزامن مع الذكرى الثانية لإطلاق "خيوط"، تجدد تأكيدها الاستمرار في حرصها على تغليب المصلحة العامة، على أية مصالح أخرى، كما تؤكد التزامها بالعمل وفق ميثاق شرف لا يقبل التأويل، ومستمد من أخلاقيات مهنة الإعلام والعمل المعرفي الخلاق، ومن حق الناس في وصول أصواتهم إلى كل العالم.