سبق التوقيع على بيان طرابلس في 28 نوفمبر 1972، بين شطري اليمن (وقّعه الرئيسان القاضي عبدالرحمن الإرياني- رئيس المجلس الجمهوري، وسالم ربيع علي- رئيس مجلس الرئاسة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، برعاية الرئيس الليبيّ معمر القذافي)- توقيعٌ آخر على اتفاقية القاهرة التي رعتها الجامعة العربية -وقّعها رئيسَا وزراء الشطرين؛ محسن العيني، وعلي ناصر محمد، في 28 أكتوبر 1972- بعد حرب دامية في المناطق الحدودية بين الشطرين. "ففي الأول من أكتوبر 1972، سقطت مدينة (قعطبة) الحدودية الشمالية بيد قوات الشطر الجنوبي بعد أشهر طويلة من الاحتكاكات والمناوشات، التي ابتدأت في أبريل من العام نفسه، بعد مقتل مجموعة من مشايخ قبيلة خولان الملكيين (منهم الغادر والهيال وحنتش)، في منطقة بيحان، بحادث تلغيم خيمة كانوا يستضافون فيها بعد وصولهم للتنسيق مع القيادة الجنوبية ضدّ نظام القاضي الإرياني في فبراير 1972. لم تخفِ القيادة الجنوبية تصفيتهم بعد وصفهم بالتآمر على النظام الجمهوري. بعد هذه الحادثة عمل بقية المشايخ -من المحسوبين على الجمهورية- على التحشيد لمحاربة الجنوب، فاحتشد مقاتلون قبَليّون (الجيش الشعبي) بعد معركة قعطبة في منطقة (الراهدة) القريبة من الحدود الشطرية في تعز، وخاضوا معركةً أخرى، لكنّهم انكسروا من جديد، وتشتّت الجيش الشعبي الذي قاده هؤلاء المشايخ"(1).
يقول القاضي عبدالرحمن الإرياني، رئيس المجلس الجمهوري وقتَها:
"وفي 19 منه [أكتوبر 1972] تغيّرَ مجرى الحرب، فجاءت برقية من العميد مجاهد [أبو شوارب] تقول إنّ القصف بدأ بشدة جوًّا وبرًّا، وقد طلب وصول الشيخ عبدالله الأحمر، لأنّ الجيش الشعبي قد تفرّق شذرًا مذرًا ولم يعد يصغي للأوامر، وقد استدعينا الشيخ عبدالله فجاء على طائرة خاصة، واتّجه من المطار إلى الراهدة، حيث وجد أنّ القبائل قد تبعثر جمعها، فحاول إرجاع من بقِيَت فيه بقية من نجدة وشجاعة، وسمح بسفر الباقين، لأنّ نفوسهم كانت في حالة سيئة من الهزيمة، ومعنويّاتهم كانت تحت الصفر، بعد أن عرفوا أنّ عدن بعيدة عن متناول أيديهم".
وترتّب على تلك الأحداث، لقاءاتٌ فوقية بعد وساطات عربية متعددة، أثمرت عن اتفاقية القاهرة في 28 أكتوبر 1972، ثم بيان طرابلس في 28 نوفمبر 1972، وعلى نتائجهما بدأت الخطوات الوحدوية الباكرة بين الشطرين، وتمخّضت بعد سنوات، عن مسوّدة دستور دولة الوحدة، الذي استُفتي عليه بعد قرابة عشرين عامًا من تلك الأحداث (15-16 مايو 1991).
بيان طرابلس
في الفترة من 21 شوال 1392هـ، الموافق 26 نوفمبر 1972م، إلى 23 شوال 1392هـ، الموافق 28 نوفمبر 1972م.
وفاءً لنضال الشعب اليمنيّ وشهدائه لبناء يَمَنٍ موحّد مستقلّ، وحرصًا على إزالة كلِّ العراقيل التي تقف عقبة في طريق وحدة اليمن، وشعورًا بالمسؤولية التاريخية تجاه الأمة العربية، وعملًا بأحكام المادة (4) من اتفاقية الوحدة، وتلبيةً للدعوة الكريمة التي وجّهها الأخ العقيد معمّر القذافي لرئيسَي دولتي اليمن.
اجتمع الأخ/ القاضي عبدالرحمن الإرياني، رئيس المجلس الجمهوري بالجمهورية العربية اليمنية، والأخ/ سالم ربيع علي، رئيس مجلس الرئاسة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في طرابلس، في الفترة من 21 شوال 1392هـ، الموافق 26 نوفمبر 1972م، إلى 23 شوال 1392هـ، الموافق 28 نوفمبر 1972م.
وشارك لقاء القمة اليمني الزعيم العربي الكبير الأخ/ معمر القذافي، رئيس مجلس قيادة الثورة في الجمهورية العربية الليبية. وقد بحث الرئيسان في اللقاء التاريخي العظيم، أوضاعَ اليمن بصفة عامة، والاقتتال الأخير على وجه الخصوص، وقد أكّد الرئيسان على ضرورة الإسراع في تنفيذ اتفاقية الوحدة، ببيان رئيسَي الوزراء في شطري اليمن نصًّا وروحًا، وتوفير كلّ الظروف الملائمة لبناء اليمن الموحد، في ظل المحافظة على منجزات ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، وتوفير مناخٍ ديمقراطيّ كامل، وذلك حرصًا على استقلال اليمن وبناء مجتمعٍ متطور يسير في طريق التقدّم والاشتراكية.
وأكّدا على ضرورة العمل من أجل القضاء على مخلّفات نظام الإمامة والنظام الاستعماري في اليمن، وحكم السلاطين الإقطاعي، كطريق وحيد لحل معضلات الإنسان اليمني.
وحرصًا من الرئيسين اليمنيين على خلق الظروف الملائمة لسرعة إنجاز أعمال اللجان المشتركة، اتفقا على الأسس التالية:
إنّ الرئيسين يؤكِّدان حقَّ الإنسان اليمنيّ في أن يحيا على أرضه حرًّا كريمًا يتفيّأ ظلال العدالة والمساواة، تحقيقًا لمضامين الدين الإسلامي التقدُّمية والإنسانية، ويعتبران هذه المضامين التي ترفض استغلال الإنسان لأخيه الإنسان بكل أشكاله، أساسًا لأيّ تقدُّم حضاريّ في الوطن العربي. ولقد ناقش الرئيسان الوضعَ العربي، وأعربَا عن دعمهما التامّ لنضال الشعب الفلسطينيّ من أجل استعادة أراضيه. كما يعتبران وحدة المقاومة والكفاح المسلح الفلسطيني ضرورةً حتمية لمواجهة العدوّ الصهيوني ولمواجهة المؤامرات الاستعمارية والرجعية التي تتعرّض لها القضية الفلسطينية والقضية العربية. كما أعربَا عن دعمهما التامّ للبلدان العربية المحتلّة أراضيها من قبل العدوّ الصهيونيّ في نضالها من أجل تحرير هذه الأراضي. علاوة على ذلك فقد أكّد الرئيسان على أنّ تحقيق الوحدة اليمنية وإقامة الدولة اليمنية التقدمية الواحدة سيشكِّل دعمًا قويًّا لنضال الشعب العربيّ الفلسطينيّ ولنضال البلدان العربية من أجل تحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة، وسيقوى النضال العربي التحرّري ضدّ الاستعمار والصهيونيّة. ولقد استعرض الرئيسان الوضع في الخليج العربي، وأعربَا عن تأييدهما لشعب الخليج العربي وكفاحه من أجل حريته ووحدة أراضيه، ومن أجل حماية عروبته من كلِّ المطامع الاستعمارية. وقد اتفق الرئيسان على محاربة النشاط الإسرائيليّ المحموم في البحر الأحمر، وعلى اتّخاذ جميع الوسائل الكفيلة لحماية الجزر اليمنية الواقعة في هذا البلد العربي. كما عبّرا عن إيمانهما بضرورة قيام الحركة العربية التقدّمية الواحدة كأساس لتحقيق الوحدة العربية التقدّمية الشاملة، وعند استعراضهما للوضع الدولي أكّدا مساندتهما وتأييدها لكفاح الشعوب في أفريقيا وآسيا وأمريكا. كما أدانا سياسة الاستعمار الجديد والتمييز العنصري.
هذا، وقد اتفق الرئيسان أيضًا على ما يلي:
تنفيذًا للمادة السادسة من الاتفاق المعقود بين حكومتي الشطرين تشكّل لجان فنية مشتركة، على النحو التالي:
- لجنة الشؤون الدستورية: حسين الحبيشي - محمد أنعم غالب - محمد أحمد السياغي - إسماعيل الوزير - أحمد علي المطري - عبدالسلام خالد - عبدالملك الطيب - محمد عبدالله الفسيل - عبدالله الخامري - الدكتور عبدالرحمن عبدالله - الدكتور محمد جعفر - عمر الجاوي - طه علي صالح - ناجي بريك - أحمد سعيد باخبيرة - عثمان مهدي.
- لجنة الشؤون الخارجية والتمثيل الديبلوماسي والقنصلي: غالب علي جميل- أحمد الإرياني- علي محسن حميد- محمد صالح عولقي- مطلق عبدالله- سالم باجميل.
- اللجنة الاقتصادية والمالية: عبدالله الأصنج - عبدالكريم الإرياني - عبدالوهاب محمود - أحمد عبده سعيد - محمد الخادم الوجيه - عبدالعزيز عبد الغني - علي لطف الثور - محمد سعيد عبد الرحمن - محمد عبدالوهاب جباري - عبدالله حمود الحسيني - محمود عبدالله عشيش - فرج بن غانم - نصر ناصر علي - فاروق ناصر - صالح أحمد النينو - عبدالله حسن - محمد صالح الوالي - عفيف عبدالله - عبدالرحمن البصري - صالح بادغيسان.
- لجنة الشؤون التشريعية والقضائية: غالب راجح - عبدالله عوض - محمد علي المطاع - محمد بن محمد الشامي - عبدالقادر مكرم - محمد أحمد الجرافي - أسعد طاهر - طه علي صالح - الشيخ عبدالله محمد حاتم - علي عوض أحمد - عمر البار - حميدة زكريا - علي سليمان - عبدالواسع سلام.
- لجنة شؤون التربية والثقافة والإعلام: أحمد جابر عفيف - محمد اليريمي - عبدالله عطية - محمد الربادي - عبدالعزيز اليوسفي - عبدالودود سيف - علي الرزاقي - أحمد محمد هاجي - علي حمود عفيف - محمود الكتري - أحمد عبدالله عبدالإله - سعيد النوبان - عبدالله فاضل فارع - دكتور جعفر الظفاري - سلطان عبده ناجي - فوزية محمد جعفر - راشد محمد ثابت - عبدالله الملاحي - عبدالله شرف - علي أسعد عبدالخالق.
- لجنة الشؤون العسكرية: علي الضبعي - حمود بيدر - محمد خميس - عبدالوهاب الشامي - علي أبو لحوم - عبدالله الحمدي - عبدالواحد السياغي - محمد صالح مطيع - ملازم أول هادي أحمد ناصر - رائد أحمد صالح عبده - رائد أحمد سالم عبيد - رائد أحمد صالح حاجب - نقيب محمد عبدالله البطاني - ملازم أول أحمد محمد حاجب.
- لجنة الشؤون الصحية: محمد عبدالودود - عبدالله الجنداري - عبدالرحمن إسحاق – د.عبدالعزيز الدالي - توفيق حاتي - عبدالله أحمد.
- لجنة الإدارة والمرافق العامة: عبدالله الكرشمي - حسين المقبلي - يحيى البشاري - أحمد الويسي - أحمد الرعيني - علي أبو الرجال - محمد الحيمي - أحمد شجاع الدين - مصطفى عبدالخالق - فارس سالم - علي حسين موسى - خالد فضل منصور - محمد صالح القطيشي - محمد بن محمد عبادي - أمين صالح - محمد غالب.
أولًا: يطلب الرئيسان إلى الأخ/ معمر القذافي رئيس مجلس قيادة الثورة في الجمهورية العربية الليبية، تعيينَ ممثِّلٍ شخصيّ له يشارك في أعمال الممثلين الشخصيين للرئيسين.
ثانيًا: يطلب الرئيسان إلى أمين عام جامعة الدول العربية أن يُعيِّن مندوبًا عن الجامعة في كلِّ لجنةٍ من اللجان الفنية الواردة أعلاه، وأن يعيّن ممثِّلًا شخصيًّا له مقيمًا في اليمن، لمساعدة الممثلين الشخصيين للرؤساء الثلاثة في عملهم.
ثالثًا: على لجنة الدستور أن تفرغ من إعداده في أقرب وقت ممكن.
ويعبّر الرئيسان عن شكرهما العميق للأخ/ العقيد معمر القذافي، رئيس مجلس قيادة الثورة، الذي شارك مشكورًا في إنجاح الإجراءات الفورية لتنفيذ اتفاقية الوحدة، وللإخوة أعضاء مجلس قيادة الثورة في الجمهورية العربية الليبية، وللشعب الليبي الشقيق على حسن الاستقبال وكرم الضيافة وعلى مشاعرهم الأخوية الصادقة تجاه الشعب العربيّ اليمنيّ. كما يعبران عن شكرهما للجهود التي بذلَتها لجنةُ التوفيق العربية من أجل إنهاء حالة التوتُّر والاقتتال التي كانت سائدة في اليمن وللجهود التي بذلها رئيسَا جمهورية مصر العربية والجمهورية العراقية، وومثِّلاهما الشخصيّان من أجل حقن الدماء اليمنية وإنجاح اتفاقية الوحدة.
وبالله التوفيق
التوقيع:
عن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية: سالم ربيع علي
عن الجمهورية العربية اليمنية: القاضي عبدالرحمن الإرياني
المصادر:
(1) يُنظر https://belqees.net/articles/ أكتوبر شهر أحداث اليمنيين المفصلية!
(2) مذكرات الرئيس القاضي عبدالرحمن بن يحيى الإرياني، الجزء الثالث 1967-1972، الطبعة الأولى 2022، ص738.
(3) المعرفة – النص موجود على الرابط التالي: https://www.marefa.org/%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86_%D8%B7%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D9%84%D8%B3_1972