14 أكتوبر

ثورة تحرير سياسيّ واجتماعيّ ووطنيّ
قادري أحمد حيدر
October 13, 2023

14 أكتوبر

ثورة تحرير سياسيّ واجتماعيّ ووطنيّ
قادري أحمد حيدر
October 13, 2023
.

ثورات التحرر الوطني في المنطقة العربية ضدّ الاستعمار، التي قامت ثوراتها بما يؤكّد ويحقّق معنى ومفهوم التحرر السياسي والوطني، عبر القوة المسلحة، من البداية إلى الاستقلال، هما ثورتان: الثورة الجزائرية، والثورة في الجنوب اليمني ضدّ المستعمر البريطاني؛ ثورتان في جوهرهما ذواتا مضمون سياسي تحرري وطني، تنشدان تحرير الأرض، وتحرير الإرادة من القوى الاستعمارية المحتلة للبلد، على عكس الثورة السياسية الاجتماعية (الوطنية العامة)، التي قامت في العديد من الأقطار العربية، إما عبر المفاوضات السياسية مع المستعمر، أو بالجمع بين المفاوضات إلى جانب بعض الأعمال العسكرية المحدودة في هذه المرحلة أو تلك، في سياق ضغوطها على الاستعمار طلبًا للاستقلال وكفاحها من أجله؛ ونماذج ذلك عديدة في المنطقة العربية في ظل الأنظمة الملكية (المغرب نموذجًا)، كما أنّ هناك ثورات سياسية اجتماعية بدأت في شكل انقلاب عسكري ثوري تحرري تحت قيادة تنظيمها العسكري، بخلفيته السياسية الوطنية والحزبية -بهذه الدرجة أو تلك- وهي انقلابات عسكرية ثورية ضد الاستبداد والفساد السياسي (شمال اليمن في ظل الإمامة)، وانقلاب عسكري ثوري في ظل أنظمة واقعة تحت القبضة الاستعمارية (مصر).

وعلى حالة الشبه بين الوضع الاستعماري الاحتلالي لمصر من قبل بريطانيا، والوضع الاستعماري في جنوب البلاد من قبل الاستعمار البريطاني، "وصاية"، و"انتداب"، تديرهما شكليًّا حكومات محلية، تابعة وملحقة بالإرادة الاستعمارية ومنفذة لمصالحها، هناك كذلك الاختلافات النسبية بين الحالتين والتجربتين المصرية واليمنية في جنوب البلاد، وهي اختلافات عائدة لطبيعة التطور السياسي والاقتصادي والحضاري، ومن تمكن وجود وحضور الدولة في كلٍّ من البلدين، (مصر)، ودرجة الاستقلالية النسبية للحكومات المحلية عن الإرادة الاستعمارية، (مصر)، وهي اختلافات في الشكل، مع الحفاظ على الجوهر السياسي للوجود الاستعماري، فقد تشكّل الجيش في مصر باستقلالية نسبية عن الإرادة الاستعمارية، خاصة في المراحل الأخيرة من تشكل الجيش، ١٩٣٥-١٩٣٦م، في الوقت الذي كان فيه الجيش في جنوب البلاد شبه ملحق بالإرادة الاستعمارية البريطانية.

لقد قسم الاستعمار البريطاني جنوب البلاد إلى ثلاث مناطق حكم سياسية منفصلة بعضها عن بعض، هو الوصي عليها، عبر "مندوبه السامي"، تحكمها اسميًّا ما تسمى "حكومة الاتحاد"، دويلة ملحقة بالمستعمر، ومحصورة في المدينة عدن، ضمن منطق "عدن للعدنيين"، إلى جانب دويلات المحميات الشرقية، والمحميات الغربية، ومحاولاته عبر البنية السلاطينية والمشايخية التابعة له، من إدارة هذه المناطق لخدمة مصالحه السياسية والاقتصادية والأمنية الاستراتيجية، وهو ما كان منذ أول لحظة لوصول سفن الاستعمار البريطاني إلى عدن، والذي وُوجِه بمقاومة شعبية عسكرية باسلة، وبأسلحة بسيطة بدائية، مقاومة كانت فيها موازين القوة والقوى العسكرية، لصالح المستعمر، وأعوانه من السلاطين والمشايخ الذين التحقوا بالركب الاستعماري. وفي هذا الطريق عقد الاستعمار معهم "معاهدات" و"اتفاقات" و"استشارات"، توفر مصالح صغيرة للسلاطين والأمراء والمشايخ، حسب أهمية مناطقهم في خدمة مصالح المستعمر، في صورة مرتبات شهرية، وموازنات مالية مختلفة للسلاطين والمشايخ، ضمن استراتيجيته الاستعمارية، وخلال كل هذا الزمن السياسي الاحتلالي لم تتوقف المقاومة الوطنية في جنوب البلاد وفي مختلف المناطق، التي بدأت من عدن/ البحر، وانتقلت تدريجيًّا إلى معظم أرياف البلاد القبَلية الرافضة للوجود الاستعماري ومعلنة مقاومته في أكثر من منطقة قبَلية، ستجدونها مدونة في صفحات التاريخ الوطني لمناطق جنوب البلاد المختلفة.

وفي سياق هذه العملية المقاومة، وقفت رموز سياسية سلاطينية ضد السياسات الاستعمارية وفي مواجهتها في أكثر من منطقة قبَلية: حضرموت، يافع، شبوة، أبين، لحج (حتى في قلب السلطنة الكثيرية، والسلطنة القعيطية، كان هناك من يقاوم). تمكن الاستعمار من حصارهم وتطويقهم وقمعهم، وكان السلطان/ علي عبدالكريم نموذجًا سياسيًّا وطنيًّا وقوميًّا في هذا الاتجاه، والذي نُفِيَ إلى مصر.

لقد لعبت فصائل العمل السياسي الوطني في جنوب البلاد: الرابطة، البعث، حركة القوميين العرب، الجبهة الوطنية المتحدة، حزب الشعب الاشتراكي وطلائع الماركسيين، دورًا عظيمًا في الكفاح السياسي والوطني، بَدءًا من تشكيل نقابات العمال، "المؤتمر العمالي"، ومنظمات المرأة في جنوب البلاد، (يمكنكم العودة إلى العديد من الكتابات في هذا السياق، وآخرها الكتاب المتميز للأستاذة/ سعاد عقلان العلس (نساء عدن، تنوير وتحرير)، إلى جانب دور الطلاب والفئات الاجتماعية المختلفة في النضال السياسي والوطني التحرري.

كانت جماهير الشعب الناشدة تحرير الأرض، والإرادة، والسيادة، هي الحاضنة الاجتماعية والوطنية لكفاح الشعب في جنوب اليمن، على طريق صناعة مجد الاستقلال الوطني عبر الأعمال السياسية العفوية والتلقائية، وصولًا للكفاح المسلح المنظم. 

تمكن الاستعمار البريطاني من حصار وقمع معظم الأشكال الثورية المقاومة العفوية والتلقائية، ذلك أنّها كانت مقاومات متفرقة ومشتتة، وفردية، وعفوية، يحكمها منطق رد الفعل غير المنظم، وغير الواعي، وبدون إطار قياديّ موحد ومؤطر لذلك الفعل الشعبي المقاوم، ولذلك قمعها الاستعمار بوحشية لا مثيل لها، وعناوينها ونماذجها عرفتها كل أرض جنوب اليمن.

إنّ هذا التاريخ السياسي العسكري الكفاحي التراكمي في مقاومة الاستعمار، هو ما استندت إليه –لاحقًا– الحركة السياسية الوطنية المنظمة. تاريخ سياسي اجتماعي مقاوم، بقدر ما شكّل ذخيرة وذاكرة كفاحية مادية ومعنوية تراكمية لمعنى المقاومة، على مأساوية النتائج التي وصلت إليها، حفّز المجتمع السياسي للتفكير بطرح خيار بديل، كان الكفاح المسلح عنوانه البارز، وكان لـ"حركة القوميين العرب" في اليمن الدورَ التنظيري الأول والبارز، لطرح وبلورة مفهوم الكفاح المسلح، من خلال الوثيقة النظرية السياسية "اتحاد الإمارات المزيف مؤامرة على الوحدة العربية"، التي تقدّم بها المناضل والمفكر السياسي الوطني قحطان محمد الشعبي.

إنّ أهم وأجمل ما في وثيقة حركة القوميين العرب هو تأكيدها على معنى جدل علاقة الوطني اليمني بعضه ببعض شمالًا وجنوبًا، وبأن مبدأ تحرير الجنوب، يكون من خلال تحرير "القاعدة/ الحاضنة" في الشمال من سلطة الأئمة، كما جاءت الوثيقة لتؤكد وحدة الوطني اليمني، بالقومي العربي، برؤية سياسة ثورية واضحة.

كانت حركة القوميين العرب هي المبادرة في تأكيدها على الضرورة السياسية والوطنية والتاريخية لطرح نهج الكفاح المسلح، وهو الخيار الذي كان قد بدأه الأستاذ/ محمد عبده نعمان، في صورة أعمال فدائية/ عسكرية، مع مجموعة من الرموز السياسية المشيخية/ القبَلية الوطنية، في جنوب الوطن، من خلال ما سُمّي حينها "تنظيم العاصفة"، في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي، وجاءت وثيقة حركة القوميين العرب المذكورة، في العام 1959م، لترى في "الاتحاد الفيدرالي" محاولة لتحسين الوجه القبيح للاستعمار، ولشرعنة استمرار وجوده في جنوب البلاد، وهي استمرار لسياسة تقسيم البلاد إلى ثلاث "كانتونات"/ مناطق، أو إدارات، كلٌّ منها دويلة في داخلها دويلات صغيرة مستقلة شكليًّا وخاضعة فعليًّا وسياسيًّا وعسكريًّا وأمنيًّا للاستعمار البريطاني، كبّلت بمعاهدات واتفاقات واستشارات، تؤكد اندماجها بالمشروع الاستعماري، ضمن صيغة أو مسمى "الأنجلو سلاطينية"، التي حكمت علاقة المستعمر بأعوانه من لحظة وجوده حتى لحظة رحيله، عبر المقاومة المسلحة، وفي هذا الخيار تضافر استخدام كافة أشكال ووسائل الكفاح السياسي المدني والديمقراطي، ونماذجها وعناوينها عرفتها كل أرض جنوب البلاد.

إنّ هذا التاريخ السياسي والعسكري التراكمي في مقاومة الاستعمار في جنوب البلاد شكّل ذخيرة وذاكرة تراكمية لمعنى المقاومة، وكان تأسيس "الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل"، في مدينة صنعاء تتويجًا لذلك النضال السياسي والعسكري، ونقلةً نوعية في الفكر وفي الممارسة، لطرح خيار الكفاح المسلح، كخيار سياسي أساسي، بعد بدء محاولة الاستعمار اللعب على ورقة المفاوضات الناقصة "المؤتمرات الدستورية/ تحت الإدارة البريطانية"، فبدأت بطرح نفسها على البلاد اليمنية شمالًا وجنوبًا، كعنوان للتسويات السياسية الناقصة.

إنّ أهم وأجمل ما في وثيقة حركة القوميين العرب هو تأكيدها على معنى جدل علاقة الوطني اليمني بعضه ببعض شمالًا وجنوبًا، وبأن مبدأ تحرير الجنوب، يكون من خلال تحرير "القاعدة/ الحاضنة" في الشمال من سلطة الأئمة، كما جاءت الوثيقة لتؤكد وحدة الوطني اليمني، بالقومي العربي، برؤية سياسة ثورية واضحة.

 إنّ تسميه "الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل" هي أول وثيقة سياسية حزبية تؤكد على الهوية الوطنية اليمنية للجبهة وللشعب في جنوب البلاد، بعد أن كانت بعض الوثائق السياسية الحزبية "الجبهوية" التي ظهرت من العام ١٩٦٥م، تتحدث عن "تحرير الجنوب" دون ذكر اليمن، بعد أن أكّدت الحركة السياسية الديمقراطية اليمنية منذ منتصف الخمسينيات على الهوية اليمنية لجنوب البلاد: البعث، الجبهة الوطنية المتحدة، حركة القوميين العرب، حزب الشعب الاشتراكي، طلائع الماركسيين.

كانت "الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل" هي الفصيل السياسي والجماهيري الذي أعلن ممارسة الكفاح المسلح، ولم تتوقف عن ممارسة كافة أشكال النضال السياسي والثقافي والجماهيري والإعلامي السلمي، وصولًا إلى الأمم المتحدة، مع كافة فصائل العمل الوطني في جنوب البلاد.

يمكنني القول إنه مع إعلان الجبهة القومية الكفاح المسلح، كان الانتقال السياسي والعملي في تنظيم وتأطير إرادة الناس (الشعب)، ضمن حركة سياسية مقاومة ملتزمة بالعنف الثوري المسلح في مواجهة الاستعمار، في وقت كان البعض يرى في ذلك "لعبة دراويش"، وتطرفًا سياسيًّا لا معنى له، و"إضاعة للوقت"، خاصة بعد أن بدأت وعود الاستعمار بالإعلان عن رحيله المرتقب، وبتسليم السلطة سلميًّا من خلال "المفاوضات الدستورية/ أي عبر المؤتمرات الدستورية" المقرر انعقادها في لندن، والتي أكّدت فشلها، ومن أنها في الواقع هي اللعبة السياسية، وليس خيار الكفاح المسلح. وفي هذا السياق، برزت تنظيمات مسلحة بدعمٍ من مصر: "منظمة تحرير الجنوب المحتل" وبعدها "التنظيم الشعبي"، وكلها كان لها دورها –اللاحق– في الكفاح المسلح وتحديدًا منذ أواخر العام ٦٥-1966م.

إنّ ثورة 14 أكتوبر 1963م، هي ثورة تحرير سياسيّ واجتماعيّ ووطنيّ، ثورة انطلقت من جبال ردفان وشاركت فيها جميع فصائل العمل الوطني، ولتصل إلى كل أرض جنوب البلاد، بما فيها المدينة عدن. وليس احتلال كريتر (المؤقت)، في 20 يونيو ١٩٦٧م، سوى خلاصة وبروفة أولى لمعنى التحرير والاستقلال المنشود.

لم يكن ممكنًا أن يحدث التغيير في اليمن الجنوبي، في ظل الظروف الموضوعية والذاتية، إلا عبر الثورة المسلحة؛ لأن المنطقة كانت مجزّأة، والقوات المسلحة التي كان يمكن أن تقوم بحركة إصلاحية تقليدية تستفيد منها أوسع الجماهير، بشكل أو بآخر، لم تكن مهيَّأة لهذا الدور الذي عرفته بعض حركات التحرر الأخرى؛ لأن القوات المسلحة كانت أداة قمع بيد الاستعمار والسلاطين.

إنّ جدل الوطني اليمني، بين ثورة 14 أكتوبر 1963م وثورة 26 سبتمبر 1962م، قد تجلَّى بشكل سياسي وملموس في تحول شمال البلاد إلى قاعدة ونقطة انطلاق، ليس لدعم الثورة فقط، بل ولتسهيل حركتها وانطلاقها، وليس بالمصادفة أن يكون الاجتماع التأسيسي لإعلان الجبهة القومية من المدينة، صنعاء؛ وكانت تعز، هي مركز وموقع التدريب الأول للفدائيين وللإمداد بالسلاح القادم من ثورة 26 سبتمبر 1962م، ومن الدعم العسكري لمصر عبدالناصر.

وفي هذا السياق، يمكننا اقتطاف أسطر قصيرة معبرة من وثيقة حركة القوميين العرب 1959م، حول جدل الوطني اليمني، في ثورة 14 أكتوبر 1963م، فقد جاء في الوثيقة التالي: "إنّ معركة التحرير في الجنوب ليس من السهل أن تؤدي إلى نتيجة حاسمة فاصلة، ما لم تدعم وتغذَّ من شمال اليمن، ذلك أنّ انحصار اليمن المحتل ما بين البحر جنوبًا، ومملكة اليمن شمالًا، يجعل من الصعب قيام أيه ثورة مسلحة تنتهي بالنصر الأكيد إذا لم تجد متنفسًا وسندًا لها في الشمال يتيح لها نوعًا من المرونة العسكرية والتقدم والتقهقر والتموين وغيرها من العناصر الأساسية في أية ثورة"(١).

وهنا تكمن قيمة الوثيقة الفكرية والسياسية والوطنية التحررية. وحول هذا المعنى، وفي هذا السياق يقول د. أحمد عطية المصري: "لم يكن ممكنًا أن يحدث التغيير في اليمن الجنوبي، في ظل الظروف الموضوعية والذاتية، إلا عبر الثورة المسلحة؛ لأنّ المنطقة كانت مجزّأة، والقوات المسلحة التي كان يمكن أن تقوم بحركة إصلاحية تقليدية تستفيد منها أوسع الجماهير، بشكل أو بآخر، لم تكن مهيَّأة لهذا الدور الذي عرفته بعض حركات التحرر الأخرى؛ لأن القوات المسلحة كانت أداة قمع بيد الاستعمار والسلاطين، أحسنوا بناءها لمصلحتهم، وأحسنوا استخدام الثغرات القبَلية لتأمين أي تلاحم يقوم داخلها"(٢)، دون نسيان أو تجاهل أنّ الإمامة، والإمام أحمد تحديدًا، كان "يرفض وصول أسلحة أرسلها الرئيس جمال عبدالناصر عبر السعودية لدعم ثورة جنوب اليمن، وبقي السلاح محجوزًا في السعودية"(٣)، إلى ما بعد قيام ثورة ٢٦ سبتمبر 1962م.

"فقد أوردت "رابطة أبناء الجنوب العربي"، حول التمردات القبَلية المسلحة لآل أبوبكر في العوالق ضد الاستعمار، موقفَ الإمامة السلبي، بل والداعم للاستعمار البريطاني في حصار التمرد القبَلي في العوالق ومنع دخول السلاح إليها، ومنع استخدام الأراضي المتوكلية ضد الإنجليز، باتفاق بين" ترافسكس" ومندوب الإمام ومستشاره القاضي محمد بن عبدالله الشامي، عبر صفقة عقدها هذا المندوب، مع ترافسكس"(٤).

باختصار، ثورة 14 أكتوبر 1963م، هي ثورة سياسية اجتماعية وطنية تحررية بامتياز.

حين أتحدث عن الهوية الوطنية اليمنية لثورة 14 أكتوبر 1963م، لا أتحدث عنها بالمنطق الأيديولوجي الذي كانت تلوكه وتروج له "دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة" لنظام علي عبدالله صالح وأزلامه، من الشمال والجنوب، ولا أتحدث عن الهُوية اليمنية لجنوب اليمن التاريخي/ بعقلية الإمامة والقبيلة، التي تنظر للوحدة بروح التغلب والغلبة "الضم والإلحاق" وبأن الجنوب "فرع" من الشمال وليس من اليمن، لتحويل جنوب اليمن إلى حالة فيد وغنيمة حرب، كما تم في جريمة حرب 1994م.

إنّني أفهم القضية الوطنية اليمنية الجنوبية باعتبارها كيانًا سياسيًّا، لها تاريخها، المنفصل والمتصل بالتاريخ السياسي اليمني "وحدة وتجزئة" على قاعدة الوحدة، في التعدد والتنوع والحق في الاختلاف؛ ولذلك كنت وما أزال مع القضية الجنوبية الوطنية اليمنية، في دولة اتحادية واحدة، أو في كيانين سياسيين، وفقًا لما تقرره الإرادة السياسية والشعبية والدستورية الحرة للناس، وليس تنفيذًا للإملاءات الخارجية، كما أنني كنتُ وما أزال، ضدّ مفهوم "واحدية الثورة"، الذي حاول نظام علي عبدالله فرضه كشعار سياسي، الهدف منه طمس التاريخ السياسي والاجتماعي والوطني لثورة 14 أكتوبر 1963م، وتحويلها إلى غنيمة اقتصادية، وفيد أيديولوجي للتاريخ، بما فيه -طبعًا- تاريخ ثورة 14 أكتوبر 1963م، الذي من المهم اليوم أن يعاد قراءته وصياغته بروحية سياسية وثقافية وطنية، بعيدًا عن شعار أيديولوجية "واحدية الثورة"، الذي يتناسى أن لكل ثورة خصوصياتها السياسية والاجتماعية والوطنية، ومهماتها البرنامجية والتاريخية المختلفة، وطابعها السياسي الوطني الخاص بها. 

 المجد لأكتوبر؛ الثورة والتحرير والاستقلال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- د. محمد جمال باروت: حركة القوميين العرب؛ النشأة - التطور - المصائر، المركز العربي للدراسات الاستراتيجية، ط(1)، 1997م، توزيع دار المدى للثقافة والنشر – دمشق، ص535.

2- د. أحمد عطية المصري: تجربة اليمن الديمقراطية (1970-1972م)، ط(1)، 1974م، مطبعة مدني/ القاهرة.

3- قادري أحمد حيدر: الأحزاب القومية؛ النشأة - التطور - المصائر، ط(2)، 2013، ص252،253.

٤- قادري أحمد حيدر: الأحزاب القومية، ص٢٥٣. فلم تكن الإمامة المتوكلية الحميدية، على أدنى استعداد، لدعم أي تحركات سياسية، أو عسكرية، مناهضة للاستعمار، كما تم الإشارة في متن المقال.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English