حركة (13 يونيو)

من التصحيح إلى الاغتيال!
خيوط
June 13, 2023

حركة (13 يونيو)

من التصحيح إلى الاغتيال!
خيوط
June 13, 2023

الانقلاب الأبيض الذي قاده المقدم إبراهيم محمد الحمدي ومجموعة من الضباط في 13 يونيو 1974، على حكم القاضي عبدالرحمن الإرياني، كان بعد أن عصفت بالبلاد الفوضى وصارت تدار عبر مراكز قوى قبَلية وعسكرية أنتجتها مرحلة ما بعد انقلاب الخامس من نوفمبر 1967.

لم يستمر حلم بناء الدولة وتصحيح هياكلها الذي تبنته الحركة غير 16 شهرًا فقط، وانتهى بتخلص مراكز القوى من رأس الحركة: إبراهيم الحمدي، وأخيه، في 11 أكتوبر 1977، في حادثة الغداء الشهيرة.

يرد في كتاب (وقفات على سفوح المجد)(*):

الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية التي كانت فيها الدولة، وصلت إلى حالة شلل تام، فمؤسسة الرئاسة فقدت هيبتها في ظل انقسام الجيش، وتعدد ولائه، وغياب القانون، وظهور أكثر من طرف يتحكم بالمشهد السياسي، رغم المحاولات المتعددة لمعالجة هذه الاختلالات، ومنها مشروع الإصلاح المالي والإداري الذي تقدمت به القوات المسلحة في العام 1972. 

كانت مجمل تلك التناقضات قد وقفت عائقًا أمام أيّ محاولة تطوير أو تجاوز لمرحلة التخلف، بل إنّ الوضع نفسه قد انعكس على السياسة الخارجية؛ إذ فقدت الدولة ثقة الأصدقاء والأشقاء بها، وتم إهمالها وعدم التعامل الجدي معها. 

مع نهاية عام 1973، وبداية عام 1974، وصل الخلاف بين قيادة الدولة إلى أوجه، وخاصة بين القاضي عبدالرحمن الإرياني- رئيس المجلس الجمهوري، والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر- رئيس مجلس الشورى، وكان لكل منهما أنصاره؛ حيث يشير "سنان أبو لحوم" [في مذكراته] إلى قيامه وآخرون بجهود فردية، ووساطة بين أطراف السلطة من أجل حل الخلافات، والحفاظ على وحدة الصف، وكذلك جهود جماعية أيضًا، بقوله: "حاولنا بذل جهود جماعية بغرض وحدة الصف، فشكّلنا لجنة شبه سرية في بداية عام 1973، من مجموعة متجانسة، ومتقاربة في الأفكار تجمعها الثقة، ولها علاقة جيدة مع القوى المختلفة، وكان قوامها 15 عضوًا، منهم: سنان أبو لحوم، إبراهيم الحمدي، محمد سالم سندوة، حسين المسوري، وعبدالله الأصنج، وأحمد المطري، وأحمد دهمش، وقد اختير الأصنج لرئاسة المجموعة".

وفي ظلّ استمرار تلك الخلافات، يضيف أبو لحوم: "علمنا أنّ قبيلة حاشد وجهت رسالة للإرياني تهدّده بأنه إذا لم يقدّم استقالته، فستهاجم صنعاء"، وفي هذا إشارة واضحة تكشف دور مراكز القوى القبلية في زعزعة نظام الحكم، وأنها كانت وراء إجبار الرئيس الإرياني على تقديم استقالته، وهو ما يؤكّده أبو لحوم ذاته بالقول: "فشلت الوساطة التي قمت بها أنا، والأستاذ أحمد محمد نعمان، بين الإرياني والشيخ عبدالله الأحمر الذي صمم على استقالة الإرياني، وبمجرد أن رجعنا من عند الشيخ عبدالله، والتقينا بالإرياني، واقتنع الأخير بتقديم استقالته، واتصل الإرياني بإبراهيم الحمدي، فوصل إلى القصر الجمهوري، وقال الحمدي للإرياني: "لا يمكن القبول بالاستقالة، ونحن جنودك، ولا نريد أن نفرض عليك أي شيء، وفيك الخير والبركة". فقال له الإرياني: "لا أرضى أن يسفك دم طائر دجاج من أجلي، وهذه استقالتي". 

وفي هذا السياق، يرى نصر طه مصطفى أنه بعد أن أدرك رئيس المجلس الجمهوري القاضي عبدالرحمن الإرياني أنّ مشروع البناء المؤسسي للدولة قد تم إجهاضه فعليًّا؛ بسبب ذلك النفوذ الخارج عن القانون، ولذلك فمن الخير له أن يترك السلطة، وعلى مجلس الشورى المنتخب أن يختار مجلسًا جمهوريًّا جديدًا، وهنا حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد تم اختراق نصوص الدستور الدائم ومخالفتها كليًّا، فبدلًا من أن يدعو رئيس مجلس الشورى الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر إلى جلسة استثنائية للمجلس لانتخاب مجلس جمهوري جديد، قام بتوجيه استقالته من منصبه كرئيس للمجلس إلى العقيد إبراهيم الحمدي- نائب القائد العام للقوات المسلحة، حيث كان قادة الجيش الموالين للشيخين عبدالله الأحمر، وسنان أبو لحوم، على أهبة الاستعداد لتشكيل مجلس قيادة عسكري لتولي زمام السلطة برئاسة الحمدي الذي تم اختياره بعناية من قبل ذلك التحالف رهانًا منهم على ضعف شخصيته، وقدرتهم على تحريكه كما يريدون باعتباره مجرد واجهة لحكمهم. 

لكن رياح الحمدي أتت بما لم تكن تشتهيه، ولا تتوقعه سفن التحالف المشيخي العسكري؛ فكان الندم الشديد الذي أبداه الشيخان في مذكراتهما لاحقًا على تآمرهما ضد شخص وحكم القاضي عبدالرحمن الإرياني". 

وقد ترجما ندمهما بثورة مضادّة خرجا بها على الحمدي بهدف إسقاط نظامه، وتصفية المشروع الذي حمله لليمن، وكانت من ضمن مطالبهم التي تذرعوا بها عودة العمل بدستور 1970، الذي خرقوه بأنفسهم، ولم تكن مطالبتهم بعودته إلّا من أجل الاحتفاظ بالامتيازات التي ضمنها لهم، ومنها الوصاية على قرارات المجلس الجمهوري حينها. 

وبعد أن قدم الإرياني استقالته كلف إبراهيم الحمدي بالقيام بأعمال الرئاسة، وأرسلت الاستقالة إلى الشيخ عبدالله الذي بدوره، وباسم مجلس الشورى، أيّد تكليف الحمدي بأعمال الرئاسة.

لقد تمت بالفعل الاستقالة التي قدّمها القاضي الإرياني إلى رئيس مجلس الشورى الشيخ عبدالله الأحمر الذي هو الآخر قدم استقالته للعقيد إبراهيم الحمدي الذي كان موجودًا في القصر الجمهوري؛ بناءً على طلب الإرياني له، وتم تقديم الاستقالتين بمذكرة خطية، أهم ما جاء فيها: 

"ونحملكم مسؤولية الحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد، والسير بها نحو الأفضل"، في إشارة لاختيار الحمدي لقيادة البلاد ورئاسة الجمهورية، بعد أن كان الحمدي قد تقدم بمشروع القوات المسلحة للتصحيح المالي والإداري إلى المجلس الجمهوري عام 1972. 

_____________

(*) وقفات على سفوح المجد؛ الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي: حياته وتجربته في الحكم، عبدالغني الكناني، عبدالسلام الحمودي، ط1، 2013م، (بدون ذكر دار النشر)، ص (132-141). 

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English