يعيش رؤوف المعمري (30 سنة)، في قرية الموجع - شرق مديرية الوازعية جنوب غرب اليمن. مات ثلاثة من أقاربه في فترات متقاربة بعد التأكد من إصابتهم بالسرطان من خلال الفحص في مركز الأورام بصنعاء. إذ أصيب شقيقه بسرطان العظام، ثم شقيقته بسرطان الغدد، وبنته الصغرى ذات العام الواحد بسرطان الدم، ليقضوا ثلاثتهم بفعل هذا المرض، منضمين لضحايا آخرين من سكان القرية البالغ عددهم قرابة 600 نسمة.
ليس العامري وحده من فقد مجموعة من أقاربه بسبب داء السرطان في المنطقة خلال فترات متقاربة، فمثله تلقى الدكتور مطيع الظرافي من سكان هذه البلدة، فجيعة فقدان أربعة من أهله، وهم: خاله فجدته فأمه فأبيه.
في حين يبدي السكان تخوفًا من تغول المرض الخبيث بين أهالي القرية دون وجود معالجات حقيقية، عدا ما يتذكرونه من زيارة منظمة "كير" الدولية للمنطقة خلال فترة الحرب، والتي أخذت عينة من العين التي يشرب منها السكان، الذين يعتقدون بوجود مادة مسرطنة فيها، وهي المصدر الوحيد لمياه الشرب لسكان القرية.
وفقًا لسكان المنطقة فإن أول ضحايا هذا المرض كان في العام 1989، وهو الشاب عبدالعزيز عبده سيف الذي توفي في الثلاثينيات من عمره، مخلفًا أربعة أطفال، حيث شخصت وفاته بمرض البلهارسيا، ثم تلته في العام 2000، سلمى العلقمي التي توفيت بعد معاناة مع سرطان المثانة، ثم في العام 2002، توفيت أم رمزي محمد طه بالمرض ذاته الذي توفيت به سلمى، ثم في العام 2005، توفيت مريم الهلمي بسرطان الثدي، وفي العام 2007، أم غانم أحمد حسن بسرطان اللسان، ثم زوجته بسرطان الثدي في العام 2009، وفي العام 2010، توفيت أم مطيع الظرافي بسرطان الغدد اللمفاوية، وفي العام 2013، توفي عبدالله الهلمي بسرطان الرئة، ثم سلطان أحمد حسن بسرطان الكلى، وتوفي بسببه في عام 2014.
في العام 2017، كانت أم أصيل الظرافي ضحية المرض بسبب سرطان الدماغ، ثم في العام 2018، توفي أحمد محمد ذياب متأثرًا بسرطان الكبد، ثم في عام 2019، ماتت سهى رؤوف عن تسعة أشهر تقريبًا.
سجلت قرية "الموجِع" خلال السنوات القليلة الماضية 23 حالة إصابة بأمراض سرطانية، توفي منهم 16 مصابًا من الجنسين، وجميعهم حُددت أسباب وفاتهم بالسرطان
يقول الدكتور سند الهلمي، مدير الوحدة الصحية في المنطقة لـ"خيوط"، إن الحديث حول عدم صلاحية الماء وأن وجود مادة مسرطنة تقف خلف تفشي هذا المرض، ليس حقيقة مطلقة؛ كون منظمة "كير" التي قال إنها قامت بإجراء الفحص للمياه، "أفادت بوجود مادة الزرنيخ المشعة في عين الماء" التي يشرب منها السكان. وحاولتُ التواصل مع منظمة "كير" إلا أني لم أتلقَّ ردًّا بشأن هذا الفحص.
يضيف الهلمي أن الوحدة الصحية رصدت جميع الحالات في المنطقة التي أصيبت، وكانت مرافقة لأغلب الحالات حين يتم تحويلها إلى مركز الأورام بصنعاء لإجراء تحاليل أنسجة من خلال أطباء متخصصين، للتأكد من هذه الإصابة. وأوضح الدكتور الهلمي أن قرية "المَوجِع" "سجلت خلال السنوات القليلة الماضية 23 حالة إصابة"، كأكبر معدل من حيث الإصابات، وأن 16 مصابًا من الجنسين توفوا، بينهم ستة حُدّد سبب وفاتهم بـ"سرطان المثانة"، وحالتان بسبب "سرطان الكبد"، وحالتان بـ"سرطان الرئة"، وحالتان بـ"سرطان الثدي"، وحالتان بـ"سرطان الغدد"، وحالة واحدة بـ"سرطان الغشاء البلوري"، وحالة بـ"سرطان اللسان".
في السياق ذاته، يرى الدكتور ربّاش البوكري، مدير مكتب وزارة الصحة بمديرية الوازعية، أن مكتبه ما زال بانتظار عينة الفحص الأخير الذي قامت به منظمة "كير" مؤخرًا، للتأكد من علاقة إصابة السكان بالمرض بسبب عين الماء. وأضاف البوكري في حديثه لـ"خيوط"، أن دور مكتبه، كجهة مسؤولة في الصحة، أن يقوم بالتثقيف والتوعية حول ضرر هذه المياه، وهو ما قال إنه يقوم به، داعيًا إلى تجنب الشرب واستخدام مياه هذه العين قدر الإمكان، إضافة لغلي الماء للاستخدام قبل الاستخدام في حالة الضرورة، كما دعا الجهات الرسمية الأخرى والمنظمات المحلية والدولية، "لتحمل مسؤولياتها في توفير مياه نقية للأهالي".
وبحسب الطبيب عبدالكريم علي، فإن أسباب الإصابة بالسرطان عادة ما تكون إصابة غير مباشرة، سواءً بسبب الماء أو جراء الإصابة بالطفيليات والبلهارسيا وغيرها. وتابع الدكتور عبدالكريم في حديثه لـ"خيوط"، أن الربط المنطقي [بين عين الماء والإصابة بالسرطان] هو وجود البلهارسيا، التي قال إنها "تسببت بوفيات وإصابات عدة بسرطان المثانة أو الفشل الكلوي، والكثير من الإصابات بالتهابات وتليف الكبد، كنتيجة للإصابة بالبلهارسيا ذاتها، أو كعامل مساعد للإصابة ببعض فيروسات الكبد.
من جانبه يقول علوي الوازعي من سكان قرية "الموجع"، أكثر المتضررين من عين الماء، إن منطقتهم تعد الأولى من حيث كثرة المصابين بهذا الداء في عزلة "الظرّيفة"- ثاني عُزَل المديرية من حيث الكثافة السكانية، وهو ما قال إنه "يثير علامات استفهام كثيرة، ويزيد من مخاوفنا من احتمالية إفناء المرض لسكان المنطقة".