الأسرى اليمنيين مأساة من جملة مآسي الحرب اليمنية على كثرتها. والمأساة المؤرقة أن اليمني أسير، والآسر يمني أيضًا. اليمنيون في جبهات الحرب - على امتدادها، وكثرة أطرافها - يأسر بعضهم بعضًا، ويقتل بعضهم بعضًا.
يقتل اليمنيُّ أخاه اليمني، ويأسره كغازٍ أو عدو، والفاجع في هذه الحرب المتطاولة لأكثر من خمسة أعوام، أن الصراع الإقليمي، والاعتداء السعودي الإماراتي أصبح سيد الموقف.
تحولت اليمن كلها إلى ميدان قتال، وأصبح اليمنيون مجرد أدوات في حرب بالوكالة. منذ بضعة أشهر يدور حوار بين أطراف النزاع اليمني في عُمان برعاية أممية: الحكومة المعترف بها دوليًّا من جانب، وأنصار الله (الحوثيين) من جانب آخر. يدور الحوار من حول تبادل 1400 أسير بينهم سودانيون وسعوديون، ورغم إعلان الأمم المتحدة عن اتفاق الجانبين على خطة تفصيلية لإتمام أول عملية تبادل أسرى ومحتجزين، إلا أن المماطلة وتبادل التُّهم أعاقت، ولا تزال تعيق التبادل.
معروف لدى الجميع أن هؤلاء الأسرى في الجانبين ليسوا كلهم أسرى، وفقًا للتعريف الحقيقي للأسير؛ فأسير الحرب - حسب اتفاقيات جنيف - هو أحد "أفراد القوات المسلحة وأعضاء المليشيات والوحدات المتطوعة"، أما المدنيون، فليسوا بحال أطرافًا في الحرب، ولا يجوز تحويلهم إلى أسرى حرب أو رهائن، كما يفعل أطراف الحرب في اليمن.
قبل بضعة أشهر دار حوار حول تبادل الأسرى، وبعد أخذ ورد تعسر الاتفاق، واستُعيض عنه بتبادل الجثامين. والواقع أن المتحاربين في اليمن يتعاملون مع اليمن - كل اليمن - كرهينة، ومع اليمنيين كأسرى حرب، ولا علاقة للطرفين بقول الله تعالى: {فإِمَّا منًّا بَعدُ وَإِمَّا فِدَاء} الآية.
في تقاليد وأعراف الحروب القبلية في اليمن، لا يُعتبر مَنْ أُخذوا في المعارك أسرى، وإنما يعدون مجرد محتجزين، ويعاملون باحترام وكأنهم ضيوف، حتى يسوى الصراع القبلي، ويتم إعادتهم إلى مناطقهم بدون إذلال أو إساءة.
كثيرون من الأسرى في الجانبين إما معتقلون سياسيون، أو مختطفون، أو مدنيون قبض عليهم لسبب أو لآخر. ومع ذلك يحرص أطراف النزاع على تحويلهم إلى أسرى حرب.
لبضعة أيام في جنيف يدور الحوار حول التبادل، وتبذل الأمم المتحدة عبر مبعوثها - مارتن غريفيث -جهودًا مشكورة؛ لتسهيل التبادل. تعسر تبادل الأسرى مؤشر سيِّئ، ومغزاه فاجع؛ لأنه إذا لم يتوافق أطراف الحرب على تبادل الأسرى، فإن الوصول إلى حل لوقف الحرب يكون أكثر تعسُّرًا واستعصاءً، والدلالة الخطيرة تكمن في أن أمر الحرب والسلام وحتى تبادل الأسرى، لم يعد بيد هذه الأطراف، وأن القوى الإقليمية هي من يتحكم بقرار الحرب في اليمن.
استمرار أكثر من 10 آلاف أسير في الأسر - كما يقولون - شاهد على أن أطراف الحرب لا يهمها معاناة اليمنيين، ولا تقدر الحالة الراعبة التي وصل إليها أهلهم في اليمن؛ فهؤلاء الأسرى وراءهم أسر وأمهات وآباء وأولاد وإخوان وأهل، والتفاوض لأشهر وسنوات، يعني فيما يعني، عدم احترام المتحاربين لكرامة الإنسان وحقوق المواطنة وحقوق الإنسان التي كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي، واتفاقيات جنيف الأربع، وقبل ذلك وبعده النص الإلهي: {فإِمَّا منًّا بَعدُ وَإِمَّا فِدَاء}، وكذلك الأعراف والقيم، والتقاليد الشعبية والإنسانية.
في الماضي جرى التواصل بين قبائل ومناطق وجهات لتبادل الأسرى، وحقق التواصل نتائج طيبة. الاستمرار في هذا الأسلوب الناجع مهمّ؛ لأنه البديل الأمثل لتصلّب المتحاورين الذين لا يعيرون الاهتمام لأسوأ كارثة على وجه الأرض، التي كانوا سببًا في صنعها، وهم بذلك لا يحترمون حقوق الإنسان وحياة أبناء شعبهم وسلامة وطنهم.
أسر المدنيين في حالة الحرب جريمة، وتعسّر تبادل الأسرى يشهد على إصرار الأطراف على إطالة أمد الحرب التي دمرت اليمن، وأهدرت وحدتها، ومزقت نسيجها المجتمعي.
فشل تبادل الأسرى والمعتقلين - لا سمح الله - يعني استمرار الحرب، والمزيد من العذاب، ويعني فيما يعني، أنه إذا كان المتحاربون لا يتوافقون على تبادل الأسرى؛ فإنهم أبعد ما يكون عن التفكير في وقف الحرب.
الضغط الأممي على الفريقين لا بد أن يترافق مع مطالبات وضغوط شعبية، وجهود من المنظمات المدنية والأهلية، ومنظمات العفو الدولية وحقوق الإنسان، للإفراج عن أسرى، العديد منهم معتقلون سياسيون، ومخفيون قسريًّا، ولا علاقة لهم بالحرب.
في الماضي غير البعيد، وبعد تفاوض مُضنٍ وعسير، استعاض المتحاربون بتبادل جثامين قتلاهم، أما هذه المرة، وبعد تفاوض بضعة أشهر، وتحت إشراف الأمم المتحدة، فإن عدم الاتفاق على تبادل الأسرى يمثل جرمًا وكارثة لا تقل عن كارثة الحرب نفسها، وليس هناك من مبرر على الإطلاق للاستمرار في تبادل وكيل كلّ طرف التُّهم، وإلقائه المسؤولية على الآخر؛ فما يجري من تكرار تبادل القوائم، وغربلتها، وإعادة غربلتها لا يعني إلا التعسف وعدم المبالاة بعذاب المئات والآلاف من أفراد الشعب اليمني.
مئات وآلاف الأسماء المسجلين في القوائم هي مجرد أرقام وأسماء لا يعرف المتفاوضون عنها شيئًا، ولا يدركون أو يحسون بالعذاب الذي يلقاه الأسرى في اقتلاعهم من مناطقهم وأُسَرِهم، والتعامل معهم كمجرمين؛ بحيث لا يتوفر لهم الحد الأدنى من التعامل الإنساني، وصون الكرامة. غير أن هناك تفاؤلًا حذرًا عن تبادل جديد للقوائم قد يتم القبول به؛ ففشل التبادل - لا سمح الله - يعني استمرار الحرب، والمزيد من العذاب، ويعني فيما يعني، أنه إذا كان المتحاربون لا يتوافقون على تبادل الأسرى؛ فإنهم أبعد ما يكون عن التفكير في وقف الحرب.
بدون التقليل من أهمية ومغزى نجاح التبادل الذي ينتظره آلاف وملايين الأسر؛ فإنه مؤشر على انفراجه، ووجود نوايا طيبة، وإمكانية للتفاوض على الأمر الأهم، وهو وقف الحرب.