يعاني اليمن وضعًا مأساويًّا بسبب الفيضانات والسيول التي اجتاحته منذ منتصف إبريل/ نيسان 2020، بينما تفاقم الحرب المتواصلة منذ أكثر من خمس سنوات ضررها في عموم البلاد.
منذ أكثر من خمسة أشهر على التوالي، تجتاح العاصمة صنعاء وغيرها من المحافظات اليمنية سيول وفيضانات مدمرة، أحدثت أضرارًا بشرية ومادية كبيرة على البنية التحتية والشوارع والأنفاق والممتلكات الخاصة. إذ أغرقت السيول العديد من اليمنيين وجرفت أراضيَ زراعيةً شاسعة، مُحدِثة أضرارًا بالغة في قنوات الصرف الصحي والشوارع والطرقات التي تحول معظمها إلى حُفر أشبه بالمستنقعات.
خسائر فادحة
السيول التي وصلت الخميسَ 5 أغسطس/ آب 2020، إلى أحياء كثيرة في صنعاء القديمة، تسببت بخسائر كبيرة، لا سيما في الأحياء التي توجد فيها الأسواق الشعبية، مثل "باب اليمن" و"باب السلام" وغيرها من المناطق.
حسين عبدالله، صاحب محل لبيع الأدوات الكهربائية، تفاجأ بتدفق مياه السيول إلى داخل محلّه بشكل كبير حتى أنها أتلفت بعض مواد الكهرباء المخزنة فيه. يقول حسين لـ"خيوط"، إن المياه التي تدفقت إلى محله جاءت من الشارع بعد أن فاضت قنوات الصرف الصحي، الأمر الذي جعله يخسر الكثير من بضاعته، ويضطر لنقل ما تبقى منها إلى مكان آمن خارج المحل.
وفي ذات السياق، يقول محمد الحبيشي، صاحب بسطة خضار في حي "باب السلام"، إن السيول جرفت بسطته وكل ما عليها من خضار، كما جرفت بسطات كثيرة في الحيّ، وتسببت بأضرار فادحة لمحلات أخرى، حيث اعتاد ملاكها على كسب عيشهم منها كمصدر رئيسي للدخل.
وفي أبريل/ نيسان 2020، جرفت السيول مناطقَ مختلفة في حي "الحثيلي" و"الخفجي" و"سوق شميلة" الشعبي، جنوب العاصمة صنعاء، وأدّت إلى خسائر كبيرة في الممتلكات، الأمر الذي يجعل مواقع الأسواق الشعبية في تحدٍّ مستمر مع السيول، وإهمال واضح من قبل الجهات الرسمية المعنية.
وكانت سيول هذا الموسم (2020)، تسببت بتوقف الحركة في بعض الشوارع والأنفاق في صنعاء، بسبب عدم وجود تصريف آمن للمياه بعيدًا عن الأحياء السكنية، بحسب مختصين، الأمر الذي زاد من معاناة سكان هذه المناطق، وحولها إلى مناطق غير آمنة على الأرواح والممتلكات.
وكان مختصون وعاملون في أعمال الإنشاءات، حذّروا في أغسطس/ آب 2020 من انهيار جسر مذبح بسبب الأمطار، وهو من أكبر الجسور في صنعاء؛ حيث كانت المياه تسربت إلى قواعد الجسر الرئيسية، والتي تسببت بظهور تشققات أفاد المختصون بأنها قد تتسبب بكارثة كبرى، إذا لم يتم التدخل لإصلاحها قبل فوات الأوان.
تدفقت السيول من منطقة "السائلة" إلى بعض أسوار صنعاء والمناطق القريبة باتجاه صنعاء القديمة، إذ فاض مجرى السيل وارتفع إلى ما فوق الرصيف الذي يصل طوله حوالي مترين ونصف
تخطيط عشوائي
عبدالله الغيلي، أمين عام نقابة المهندسين بصنعاء، أرجع سبب الخراب الذي طال عدد من أحياء صنعاء خلال موسم الأمطار الأخيرة، إلى "عشوائية التخطيط". وقال لـ"خيوط" إن "التخطيط القديم للشوارع والأنفاق والجسور كان عشوائيًا"، منوّهًا إلى أن فداحة الضرر الذي تسببت به الأمطار والسيول كان سببه الرئيسي "لا مسؤولية الجهات المنفذة لمثل هكذا مشاريع" حين إنشائها.
وأشار الغيلي إلى أن "تنفيذ مشروع السائلة سابقًا"، كان في الأساس حلّاً "لتصريف السيول القادمة من خارج صنعاء، لكن أثبتت الأيام أن "السائلة" أصبحت مكانًا لتجميع المياه من المناطق خارج صنعاء ومن شوارع وأحياء صنعاء، حتى أصبحت تمتلئ وتفيض وتصل إلى المنازل المجاورة لها، وعلى رأسها حارات صنعاء القديمة المُطِلّة على السائلة". ويؤكد الغيلي على أن "البناء العشوائي للمنازل في مدينة صنعاء، وتحديدًا على مجرى السيول، سبب مشاكل لملاّك هذه المنازل وسكان الحارات بسبب تغير مجرى السيل".
وتجدر الإشارة إلى أنه تم رصف "السائلة"، وهي القناة الرئيسية لتصريف السيول المتدفقة على العاصمة صنعاء من الجبال المحيطة بها في تسعينات القرن العشرين، وتمر هذه القناة، التي تستخدم أيضاً لتخفيف الاختناقات المرورية، بمحيط صنعاء القديمة من جهات متعددة. ومؤخرًا أصبح مرور السيارات من "السائلة" يشكل تهديدًا حقيقيًّا على سلامة المواطنين أثناء تدفق السيول منها.
وكانت سيول موسم العام 2020، تدفقت مراراً عبر "السائلة" باتجاه بعض أسوار صنعاء القديمة والأحياء القريبة منها، إذ فاض مجرى السيل وارتفع إلى ما فوق الرصيف الذي يصل طوله إلى حوالي مترين ونصف.
تراث مهدد بالغرق
تسببت الأمطار بانهيار عدة منازل على رؤوس ساكنيها في صنعاء القديمة، آخرها منزل الشاعر الكبير عبدالله البردّوني، بالتزامن مع شكاوى المواطنين بخصوص ظهور تشققات في منازلهم، تبعها تسريبات للمياه من الأسطح.
علي صالح، أحد سكان حارة "السائلة" بصنعاء القديمة، قال لـ"خيوط"، إنه اضطر إلى الخروج من منزله الذي تدفقت مياه الأمطار إلى داخله، والبحث عن منزل آخر لإيواء عائلته. ويضيف صالح أنه يخشى سقوط المنزل فوق أسرته في أي وقت؛ بسبب تهالك المنزل وعدم قدرته على تحمل المياه المتدفقة عليه.
ووَفقًا للمهندس قائد البشيري، فإن عدم قدرة مباني مدينة صنعاء القديمة على تحمل مياه الأمطار، يعود إلى عمرها الطويل، بالإضافة إلى بنائها بطريقة بدائية غير مقاومة للفيضانات والأمطار الغزيرة المحتملة، والاعتماد على مواد طبيعية في بنائها.
ويحمِّل البشيري في حديث لـ"خيوط"، "الجهاتِ المعنية" مسؤوليةَ التقصير في حماية مباني المدينة وسكانها، بسبب عدم وجود مصارف مناسبة للسيول داخل المدينة، لافتاً إلى أن "ما كانت تقوم به الحكومات المتعاقبة من ترميم وإصلاحات كانت عشوائية، وهذا ما أوصل المدينة إلى هذا الحال".
في السياق ذاته، كانت الهيئة العامة للمحافظة على المدن والمعالم التاريخية أصدرت نداءات للمنظمات العالمية الخاصة بالحفاظ على التراث العالمي، على رأسها منظمة "اليونسكو"، مشيرة في تلك النداءات إلى وقوع "انهيار جزئي لجدار الدعم والأسقف في سور صنعاء القديمة بالإضافة إلى انهيار بعض المباني".
حلول منتظرة
في المقابل، ينتظر الناس في صنعاء تجاوُبَ "الجهات المعنية" وإصلاح أضرار السيول، أو على الأقل، إيجاد حلول تخفف من معاناتهم، لاسيما الأماكن الأكثر خطرًا وقربًا من مجرى السيول.
ويقترح المهندس عبدالله الغيلي، أن يتم دراسة الوضع جغرافيًّا لتحديد مجرى السيول القادمة من خارج صنعاء بشكل خاص، ومن ثم عمل دراسة لتحديد اتجاه السيل، بالإضافة إلى فتح قنوات خاصة للمياه في الشوارع وتصريفها إلى خارج المدينة، مع الاستفادة من المياه المتدفقة في إنشاء بحيرات تستوعب المياه المتدفقة. وفي حين يضيف الغيلي أنه يتوجب "إعادة توجيه السيول القادمة من خارج صنعاء إلى أماكن أخرى"، يشدد على "ضرورة إيقاف عمليات البيع والشراء العشوائي للأراضي المحاذية لمجرى السيول".
وتسببت الأمطار الغزيرة والسيول في هذا الموسم، بأضرار فادحة في الأرواح والممتلكات في عدة مناطق أخرى في اليمن، ومنها مدينة زبيد التاريخية، ومنطقة ريمة الزراعية، ومحافظتي مأرب وعمران، وقبل ذلك مدينة عدن، التي تسببت تجمعات المياه في شوارعها بتفشي عدة أوبئة كما ساعدت في تفشي وباء كورونا.
وكان المجلس السياسي الأعلى لجماعة أنصار الله (الحوثيين) برئاسة مهدي المشاط، أقر الجمعة 6 أغسطس/ آب 2020، تشكيل لجنة طوارئ بأمانة العاصمة والمحافظات المتضررة من السيول، ووجّه بنزول اللجنة لـ"رصد الأماكن المتضررة والمعرضة للانهيار، ومعالجة ما يمكن معالجته، ورفع التقارير اللازمة بهذا الشأن".