خيوط الفجر..
قال هيكل ذات مقال: إذا أردت أن تعرف ما يدور في العالم، فضع الخارطة أمامك وستجد الجواب. أستشهد بما قاله الصحفي العربي الأكبر من جديد، كونها صالحة للقياس على الدوام.
لو وضعنا الخارطة أمامنا وتطلعنا فقط، إلى بؤر تفشي "كوفيد 19"، سنرى البؤرة الأكبر أمريكا. تنقل نظرك على التالي والذي يليه، ستجد العالم كله يئن، و بعضه يكابر، ومعظمه يحوّل الجائحة إلى تجارة رابحة، وهنا يبرز دور الإعلام في إبقائها -الجائحة- حاضرة بالتهويل غير المعقول، ولا يعني إشارتنا للتهويل أن الفيروس غادر وانتهى كما تقول دواوين "القات" هنا، بل هو حاضر وأتوقع موجة جديدة، ولكن العالم قد عرف كيف يسيطر.
على الخارطة يبدو الصراع ممتد على طولها وعرضها، وهي موجات "تسونامي" من بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واختلال توازن الردع، لتظهر الصين معادل قوي لا تتحمله أمريكا، ولذلك ترى ترمب- هذا الأهوج- يترنح يميناً وشمالاً ملوحاً بسيف العقوبات الذي لم يحرك للتنين الأصفر شعرة رأس واحدة.
السؤال الأهم وهو سؤال اللحظة: هل يعود ترامب؟ أتوقع أن يعود لأن يمين العالم كله يتحد، من "الليكود" إلى رؤوس أُسَر الخليج، إلى الديكتاتوريات التي وجدت فيه ضالتها من أجل الاستمرار؛ حيث هو التاجر الجشع الذي يريد أن يبيع كل شيء وأي شيء وبالسعر الذي يحدده، وحيث دول الثروات الهائلة لا أحد يحاسب أُسَرَها، فهم يشترون بسخاء وهو يعتبر نفسه حقق استراتيجية أمريكية قائمة على الجشع، وهذا أمر يصب في صالح الصين التي تدري ما تفعل.
على العالم أن يستعد لأربع سنوات عجاف في ظل الليبراليين الجدد كما وصفهم فوكوياما، ولذلك سترى بؤر الصراع تكبر، واللهاث على الغاز يزداد، وعالم يرتب أوراقه لما بعد "كوفيد ترامب".
لن نكون أفضل من غيرنا، فـ"التحالف العربي" يريد الشواطئ والجزر إلى بحر العرب، وشبح "طريق الحرير" يلوح في الأفق أكثر وأكثر، والأطراف المحلية لن تستطيع حسم الأمر لصالح أي منها
خلال القادمات من السنين تظل النار مشتعلة على سطح الخارطة؛ فمصانع السلاح وجدت من يروّج لبضاعتها، وعالم يعيد ترتيب أوراقه ومصالحه، فليس من الغريب أن تنفجر حروب جديدة إضافة إلى ما نرى ونشاهد. ولذلك لا أتوقع انفراجاً لأزمات المنطقة والعالم. فالعالم الأول لازال بحاجة إلى ميدان للرماية، إلا إذا تغلّب طرف من أطراف الصراعات المحلية، وهذا غير مسموح به، رغم كل الشعارات وما تردده وسائل الإعلام من أهداف الحروب التي تشتعل الآن، وتلك المقدّر لها أن تندلع. خذ باب المندب والبحر الأحمر نموذجاً، وعلى شواطئ المتوسط يتحفز الجميع على وقع رائحة الغاز التي تغري الشيطان الرجيم في قاع البحار، وقد نرى حرباً تندلع هناك، وإن كانت أوروبا تضع يدها على قلبها خوفاً من موجات المهاجرين المتحفزين للعبور.
إذا أتى "بايدن" إلى كرسي البيت الأبيض، فسأكون مستغربا، وسأثق بأن هناك ديمقراطية من نوع ما سمحت للشارع أن يأتي بمن يريد، أو أن "لوبيات" اليمين نفسه ترى في ترامب خطراً حقيقياً على مصالحها، بجموح الذي لم نرَ له مثيلاً في قمة أمريكا، على الأقل في السنوات من بداية الستينات.
هنا، لن نكون أفضل من غيرنا، فـ"التحالف العربي" يريد الشواطئ والجزر إلى بحر العرب، وشبح "طريق الحرير" يلوح في الأفق أكثر وأكثر، والأطراف المحلية لن تستطيع حسم الأمر لصالح أي منها.
دعونا إذاً ننتظر نوفمبر لنرى.