يعيش اليمن وضعا اقتصاديا وصحيا هشاً ومأساويا تنعكس سلبياته على العملية التعليمية، خاصة طلبة المرحلتين النهائيتين من التعليم الأساسي والثانوي.
قبل تسجيل أول إصابة بفيروس (كوفيد 19) في اليمن، أقرت الحكومة المعترف بها دولياً، والتي تتخذ من عدن عاصمة لها، تعليق الدراسة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، وذلك على إثر تفشي عدد من الأعراض الوبائية التي حصدت أرواح العشرات من سكان المدينة. كان ذلك عبر قرار رسمي صدر عن وزارة التربية والتعليم التابعة لحكومة عدن، في مارس /آذار 2020. فعلت وزارة التربية في حكومة صنعاء الأمر نفسه بشأن تعليق الدراسة.
غير أن مخاوف حكومة عدن من عودة تفشي الفيروس (كوفيد 19) بموجة جديدة، كانت كافية لوزارة التربية التابعة لها، لتعلن في يونيو/ حزيران 2020، إنهاء العام الدراسي 2019/2020، دون إجراء الاختبارات النهائية لطلبة المدارس، بما في ذلك الاختبارات الوزارية للشهادتين الأساسية والثانوية العامة. ولتحديد نسب نجاح طلبة الثانوية العامة، اعتمدت الوزارة، طريقة جمع إجمالي درجاتهم في الصفين الأول والثاني الثانوي، إضافة لدرجاتهم في اختبار الفصل الأول من السنة المنصرمة، وقسمة إجمالي الدرجات على ثلاثة. وهكذا تكون نتيجة القسمة هي نسبة نجاح الطالب.
هذه الطريقة أحدثت جدلاً في أوساط الطلاب بين معترض ومرحّب. يقول محمد قاسم لـ"خيوط"، وهو طالب ثانوية في عدن، إن قرار "إلغاء اختبارات الثانوية العامة، ليس منصفاً، لأنه يهمش قدراتنا واجتهادنا في آخر سنة من المدرسة".
وفي السياق نفسه، يقول الطالب محمد أنور إن "اعتماد المعدل التحصيلي كحل بديل للاختبارات، يعني أن أغلب الطلاب لن يحصلوا على نسب نجاح ممتازة"، معتبراً أن هذا الإجراء "يغيب فرص الكفاءة رغم إمكانية تطبيق خطط أخرى لتجاوز خطورة الفيروس".
أما الطلاب الذين رحبوا بإلغاء الاختبارات النهائية، فقد فضلوا عدم ذكر أسمائهم، لتفادي النظرة المجتمعية السلبية لهم، حد قولهم. لكنهم استحسنوا المبرر الذي بنت السلطات التربوية في عدن قرار إلغاء الاختبارات عليه؛ وهو "الوضع الصحي"، والمخاوف من انتشار جائحة كورونا مرة أخرى، وبسبب "الوضع السياسي والعسكري المتوتر"- حسب تعبير أحدهم.
تحذير تربوي من قرار الإلغاء
بالمقابل، عبّر عدد من المدرسين في أحاديث لـ"خيوط"، عن وجهة نظرهم إزاء قرار إلغاء الاختبارات الوزارية للثانوية العامة، معتبرين أن طريقة احتساب النتائج المشار إليها "ليست مجدية"، حسب مدرس الفيزياء هشام.
"وأضاف هشام: "قرار إلغاء الاختبارات تسبب في تفشي الكسل واللامبالاة لدى الطلاب، وتدني اهتماماتهم بالدراسة بنسبة لا تقل عن 60%، وهذا خطر يعود عليهم وعلى المجتمع، لأن ما يحدث خطوة من خطوات تدمير المستقبل"
وفي الشأن ذاته، أشار مدرس اللغة العربية أمين باوزير، إلى إضراب نقابة المعلمين في عدن، للمطالبة بمستحقاتهم منذ العام الماضي. وهو الإضراب الذي تزامن مع بداية الفصل الدراسي الثاني، أي بالتزامن مع إيقاف الدراسة ضمن الاجراءات الاحترازية من تفشي فيروس (كوفيد 19). وأضاف: "قرار إلفاء الاختبارات ليس له علاقة بالوضع الصحي، بل بالإضراب".
لم يأت قرار وزارة التربية من فراغ، حتى أن جائحة كورونا جاءت كرقعة على شتات عام من التدريس اتخذتها الوزارة ذريعة لتجاوز فشل إجراء الامتحانات، وخاصة في ظل قرار النقابات بالإضراب الشامل قبل ظهور الفيروس
ويرى باوزير أن مشكلة ضعف التعليم "تؤثر بشكل كبير على الطلاب المقبلين على امتحانات القبول الجامعية كونها مرتبطة بدروس الثانوية العامة".
وعاشت عدن ومدن أخرى ضمن نطاق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، عاماً دراسياً متأزماً وإضراباً بين الحين والآخر للمعلمين، بغية الحصول على تسويات وظيفية ومستحقات، ومطالب أخرى.
يقول عبد الحكيم جبران، رئيس شعبة المناهج والتوجيه بمحافظة لحج، لـ"خيوط":
"لم يأت قرار وزارة التربية من فراغ، حتى أن جائحة كورونا جاءت كرقعة على شتات عام من التدريس اتخذتها الوزارة ذريعة لتجاوز فشل إجراء الامتحانات، وخاصة في ظل قرار النقابات بالإضراب الشامل قبل ظهور الفيروس، وبعد فشل المعنيين بتلبية مطالب النقابة". وأضاف: "هذا خلافاً للوضع النفسي الذي يعيشه الطلاب كونهم لم يدرسوا فصلا كاملا".
أما عن تعقيدات الملف الصحي المتعلق بقرار وزارة التربية في حكومة عدن بشأن اختبارات الثانوية العامة، فقد تحدث لـ"خيوط"، الدكتور فكري دريب، باحث وخبير في الصحة العامة الدولية- جامعة هايدلبرج وجامعة أكون للعلوم التطبيقية بألمانيا، ورئيس مجموعة الصحة العامة في مبادرة أطباء المهجر.
" ويرى الدكتور فكري دريب بأن قرار إلغاء امتحانات الثانوية العامة ليس له علاقة بجوانب صحية، وتحديداً، بـ(كوفيد-19)"، وتابع: "جميعنا نعلم أن هناك أسباب كثيرة سياسية واقتصادية ولوجستية أعاقت عملية الامتحانات، حيث تم إلغاء امتحانات الصف التاسع، وبالتالي فإن فكرة إلغاء امتحانات الثانوية كانت مطروحة من قبل، لكن (كوفيد- 19) كان بمثابة غطاء لتمرير القرار".
ويضيف الدكتور فكري، إنه "بالنسبة للصحة العامة وما يتعلق بجائحة (كوفيد 19)، فهناك العديد من الحلول التي يمكن أن تطرح لكي يتم تنفيذ الامتحانات. كان هناك إجراءات وقائية كثيرة لإنجاح عملية الامتحانات، كما أن هناك تجارب كثيرة من أجل استمرار التعليم، لجأت إليها بلدان العالم".
ردود أفعال
وقوبل قرار وزارة التربية والتعليم في حكومة عدن، استياءً على مستوى طلاب وأولياء أمور ونشطاء، الأمر الذي دفع بنشطاء وصحفيين إلى انتقاد وزارة التربية والتعليم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ناهيك عن انتقادها في الصحف والمواقع الإخبارية.
وقال الصحفي صلاح الحقب لـ"خيوط"، إن "قرار إلغاء الامتحانات سعي لتجهيل هذا الجيل، وليس من أجل دواعي صحية كما يقال".
الصحفي خالد عباد، أشار بدوره إلى تدهور التعليم في اليمن، معتبراً أن قرار وزارة التربية في عدن، بإلغاء الاختبارات النهائية للطلاب، "سيعود بالسلب مستقبلاً على الطالب في دراسته الجامعية أو حياته المهنية".
ويرى خالد أن إلغاء الاختبارات "يعني نجاح الطلاب دون عناء، وهذا أمر سلبي، فكلما اجتهد الطالب وثابر وذاكر، أصبح لديه رؤية لمواصلة التعليم ودافع أكبر للاستمرارية فيه".
مها المسني، إحدى التربويات اللاتي انتقدن قرار إلغاء الاختبارات. تقول لـ"خيوط": "صحيح عشنا وضعاً صعباً بالتزامن مع جائحة كورونا وحتى من قبلها، لكن هذا ليس سبباً يجعل الوزارة تلغي الامتحانات". وتضيف: "هكذا سيحصل الطلاب، الصالح مع الطالح، على معدلات قوية دون أي مجهود".
أولياء الأمور
عبدالواحد الحذيفي وعبدالسلام محمد، عبّرا عن رؤيتهما لقرار إلغاء الاختبارات، خاصة اختبارات الثانوية العامة، باعتبارهم من أولياء أمور الطلاب. ففي حين يرى الأول، أن "تفوق جميع الطلاب في مرحلة صعبة كهذه، قتل روح المنافسة بينهم، وجعلهم يتساهلون بأهمية التعليم"، قال عبدالسلام، إن "بعض الطلبة لم يستوعبوا نتائجهم، فكيف بأولياء أمورهم، خاصة أولئك المتابعين لمستويات أولادهم الدراسية".
ويتعرض التعليم في اليمن لتدهور مستمر منذ سنوات، كما أن الحرب والانقسامات داخل المؤسسة العسكرية والسياسية، إلى جانب هشاشة النظام الصحي، فاقمت تدهور الوضع التعليمي في البلاد.
تحرير "خيوط"