تحقيق: نورا الظفيري _ لطيفة الظفيري
منذ بداية موسم الأمطار في شهر يوليو/ تموز 2020، كانت صنعاء القديمة المتضرر الأكبر من السيول والأمطار الغزيرة؛ إذ طالت الانهيارات مباني وأسوار المدينة القديمة التي تُعدّ واحدة من مدن التراث الإنساني الحي، التي يقدر عدد حاراتها بما يقارب 54 حارة، فيها حوالي 12 ألفَ بيتٍ، ما يحتم فرض حالة الطوارئ لإنقاذ المدينة.
زارت "خيوط" عددًا من حارات المدينة القديمة (حارة الجامع الكبير، حارة الدار الجديد ومعاد، حارة المدرسة، حارة القاسمي وبروم، حارة الأبهر، حارة بستان شارب، حارة الفليحي، حارة قبة المهدي، حارة بئر المنصور، حارة الذهب وغيرها). كان حجم الأضرار متفاوتاً ما بين انهيارات كلية وجزئية، إضافةً إلى سقوط الأسقف.
بلغ عدد المباني المتضررة إلى وقت كتابة التحقيق 1000 بيتًا، منها 39 بيتًا انهيار كلي، و102 انهيار جزئي، و256 مبنى تعرض لسقوط مادة التلبيس والملاحة والتشققات، فيما بلغت المباني الآيلة للسقوط 89 مبنى، وتجاوز عدد المباني المغلقة أثناء عملية المسح 984 مبنى
واطلعت "خيوط" على كشوفات رسمية تظهر عدد المباني المتضررة إلى وقت كتابة التحقيق (مطلع أغسطس/ آب 2020)، حيث بلغت 1000 بيتًا، منها 39 بيتًا انهيار كلي، و102 انهيار جزئي، و256 مبنى تعرض لسقوط مادة التلبيس والملاحة والتشققات، فيما بلغت المباني الآيلة للسقوط 89 مبنى، وتجاوز عدد المباني المغلقة أثناء عملية المسح 984 مبنى. وتجدر الإشارة أن الأرقام ما تزال مرشحة للزيادة، بحسب كلٍّ من رئيس الهيئة السابق "خالد الإبراهيمي"، والقائم بأعمال الرئيس حاليًّا المهندس "مجاهد طامش".
وفي 17 أغسطس/ آب 2020، أفادت مصلحة الدفاع المدني في صنعاء بأنها "سجلّت 70 حالة وفاة، وتهدم 462 منزلا جراء سيول الأمطار التي شهدها اليمن" خلال الفترة نفسها.
طامش قال لـ"خيوط" إن "الأمطار الأخيرة أثّرت تأثيرًا كبيرًا على المدينة"، وأن الأضرار تركزت بشكل مباشر على أسقف المنازل، لافتاً إلى أن الهيئة شكلت- خلال موسم الأمطار وإجازة عيد الأضحى المنصرم- لجنةً من المختصين والفنيين لمتابعة الحالات، وحصر ورصد العديد من الحالات.
وعلى صعيد متصل، كان مندوب اليمن لدى اليونسكو، محمد جميح، بعث برسالة للمنظمة في 5 أغسطس/ آب 2020، أشار فيها إلى الدمار الذي طال عددًا من المواقع الأثرية، بالتزامن مع موسم الأمطار، وعلى وجه الخصوص المواقع الثلاثة المسجلة في لائحة اليونسكو (صنعاء القديمة، شبام حضرموت وزبيد). اليونسكو من جهتها عبرت في 11 أغسطس/ آب، عن أسفها للخسائر في الأرواح والممتلكات في عدد من المدن التاريخية، منها زبيد، وشبام حضرموت، وصنعاء القديمة.
وأشار "طامش" إلى أن الهيئة خاطبت عدة جهات حكومية، منها "أمانة العاصمة، ووزارة الثقافة، ورئاسة الجمهورية، هاتفيًّا أو بشكل رسمي"، وأنه "تم على إثر ذلك تشكيل اللجنة العليا للطوارئ، التي قامت بدورها في عمل إحصائيات للأضرار على الأرض، وتحديد الاحتياجات اللازمة، ووضع مقترحات الطوارئ تحسُّبًا لأضرار قادمة مع استمرار هطول الأمطار؛ حيثُ قامت الهيئة بتجهيز الإحصائيات وخطّة الطوارئ".
أسباب الانهيارات داخل المدينة
عن أسباب هذه الأضرار والانهيارات الفادحة التي تعرضت لها مباني صنعاء القديمة، تحدث المهندس المعماري ياسين غالب لـ"خيوط"، مورداً عدة أسباب منها "الإهمال والتراخي من قبل السلطات منذ دخول المدينة قائمة التراث العالمي العام 1986". وأضاف: ما تزال المدينة تفتقر إلى أبسط الأشياء؛ أولُها من الناحية المنهجية مخططُ الحفاظ على المدينة، المخطّط الذي يعدّ حجر الزاوية في الحفاظ على المدينة، باعتباره يحمل شقّين؛ شقّ قانونيّ تشريعيّ ملزم، والشقّ الثاني مقرون بتشريع فنيّ للحفاظ على المدينة، ناهيك عن بند الصيانة الموجود في قانون الحفاظ على المدن التاريخية، الذي ينص على صيانةٍ دوريةٍ للمدينة.
فيما يرى "طامش" أن أسباب تفاقم الأضرار متعلقٌ باتكالية المواطنين الكليّ على الدولة، حتى في أشياء أساسية كان بإمكان المواطن إصلاحها بمبالغ زهيدة وتفادي تفاقم الخطر، أسوةً بما كان سائدًا منذ زمن كعرف لدى الأهالي ابتداءً بـ: تفقد الأسطح وتسوية تربته، وتفاقد مجاري مياه الأمطار (الميازيب)، كل عام.
وبالرجوع إلى نصوص قانون رقم (16) لسنة 2013، بشأن المحافظة على المدن والمناطق والمعالم التاريخية والتراث الثقافي والعمراني اليمنيّ، نصَّ البند رقم 15 على أن الحفاظ هو "مجموعة من الأعمال الدورية التي تهدف إلى منع تدهور المبنى أو المَعلَم التاريخي دون المساس بملامحه وخصائصه المعمارية أو التاريخية المتميزة أو إحداث أي إضافات أخرى عليه أو تغيير وظيفته إلا وَفقًا للحالات والشروط التي تحددها اللائحة".
وعبرت "سماح تلها" مديرة المجلس الأعلى للشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث والتعاون الدولي، لـ"خيوط" أن ضعف الأساسات، وتأثرها بالضربات الجوية، وانهيارات التربة، وبقاء آثار السيول، أهمُّ العوامل التي تسببت بهذه الأضرار.
وكان "خالد الإبراهيمي" رئيس الهيئة العامة للمحافظة على المدن والمعالم التاريخية السابق، قد تحدث عن تأثير الضربات الجوية التي طالت طوق المدينة؛ مجمع الدفاع "العُرضِي" من الجنوب، وحي القاسمي وبروم من الشرق، وحي الفليحي في الوسط، وهيئة الأركان غرب المدينة، وكذلك الضربات الجوية التي استهدفت جبل نقم؛ إذ تسببت بأضرار مباشرة، خاصةً مع مرور فترات طويلة على المدينة دون ترميم وصيانة واهتمام.
المتضررون وخطة الطوارئ
أثناء تجول "خيوط" في عدد من حارات المدينة القديمة، التقت بعدد من أصحاب البيوت المتضررة منهم "نورية عبدالله الضيقي"، أحد سكان حارة الدار الجديد، قالت إن الأمطار الشديدة قد تسببت في تساقط سقف بيتها، قبلَ عيد الأضحى، وانهار جزءٌ منه؛ حيثُ قامت بعد سقوط السقف، بتصوير الأضرار التي لحقت بالبيت، وإرسالها للمهندس "طارق حاتم" مهندس في الهيئة، وبدوره رد بعدم استطاعته عمل شيء، لأن اسم منزلها ليس في لائحة الترميم الآن.
وتتحدث "نورية" أنه في حال عدم حصولها على دعم لترميم البيت، فالأمر سيتفاقم وستكون الجهات المعنية هي المسؤولة عن ذلك، خاصةً بعد تقديمها البلاغ.
من جهته تحدث "ماجد عداعد"، الذي تسكن عائلته المكونة من ستة أشخاص في سمسرة في حارة الدار الجديدة، لـ"خيوط" عن سقوط جزء من سقف السمسرة، وتشقُّق ما تبقى بسبب الأمطار، وقال إنه قام بشراء طربال لسقف البيت للوقاية من تساقط الأمطار فوق عائلته، مشيرًا إلى أن عدم معرفته بأحد من العاملين داخل الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية، حال دون قيامه بالإبلاغ عن الأضرار الحاصلة في السماسرة.
كما اطلعت "خيوط" على حجم الأضرار في عدد من بيوت حارة القاسمي؛ إذ تحدث "أحمد عبدالله مسعود"، أحد سكان الحارة المتضررين، أن الحصول على طربال للاحتماء به من الأمطار يحتاج لتسجيل اسمه لدى العاقل ثم الانتظار إلى أن يتم منحه الطربال.
وقد التقت "خيوط" بأحد المتضررين من حارة بستان شارب، الذي أشار إلى الأضرار التي لحقت بمنزلهم نتيجة انهيار جزء من السور الجنوبي للمدينة، وقال "تيسير محمد شداد": "انهار جزءٌ من السور الجنوبي في منتصف الليل بتاريخ 3 أغسطس/ آب، فوق منزلنا، ما أدّى إلى أضرار بالغة خصوصًا في المخزن والمطابخ ، الواقعة خارج البيت (بجانب السور)، مضيفًا أن التراب غطّى مدخل البيت، الأمر الذي استدعى حضور عددٍ من أعضاء الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية، منهم "أمة الرزاق جحاف" وكيل الهيئة العامة، في اليوم التالي للاطلاع على الوضع عن كثب.
ومن جهة أخرى، تحدّثت "اليونسكو" عن الحاجة إلى المزيد من الجهود المشتركة مع الجهات المحلية لتجنب خسائر أكبر في المدينة، وذلك لضمان تمكّن السكان من الاستمرار في العيش والحفاظ على تراثهم، كما فعلوا لعدة قرون.
وعلل "طامش" أسباب عدم الاستجابة حتى الآن إلى أنه لا يوجد للهيئة ميزانية مخصصة للطوارئ، رغم أنه من المرجح أن تصل عدد المباني المتضررة إلى أكثر من 500 منزل، ومع ذلك ما تزال الهيئة عاجزة عن القيام بما يجب بسبب عدم توافر ميزانية طوارئ.
انهار جزء من السور الداخلي لمدينة صنعاء في المنطقة الواقعة في بستان شارب، بسبب البناء إلى ظهر السور في مساحة الممر المائي، الذي يبلغ عرضه ثلاثة أمتار، من قبل المواطنين؛ ما أدّى بدوره إلى حبس المياه
من جانبه أوضح المهندس "عقيل النصاري" نائب رئيس الهيئة للمحافظة على المدن التاريخية، لـ"خيوط" أن الهيئة تسعى إلى اتخاذ بعض الأعمال الإنقاذية، من خلال حصولها على "طرابيل" من بعض رجال الأعمال حتى يتم تكميم الأسطح؛ إذ تمت الاستجابة تقريبًا بتوفير 2000 طربال من مجموعة "هايل سعيد أنعم".
وأشار "النصاري" في حديثه إلى أن جزءًا من السور الذي يقع في بستان شارب انهار في الجهة الداخلية، بسبب البناء إلى ظهر السور في مساحة الممر المائي، الذي يبلغ عرضه ثلاثة أمتار، من قبل المواطنين، ما أدّى بدوره إلى حبس المياه، منوّهًا بأنه يتم العمل على إعادته في أسرع وقت ممكن، موضحًا أن الهيئة هي هيئة فنية واستشارية بحتة، تعاني من ظروف اقتصادية، كان للحرب الدور الأبرز في تردّيها، ما يحتم أن يضطلع المواطن بدوره في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها الوطن.
في ظرف الطوارئ هذا، تساهم الإجراءات الروتينية للمنظمات الدولية المعنية وتواضعها، في مفاقمة الوضع بسبب بطء الاستجابة التي قد تتراوح بين سنة إلى ثلاث، علاوةً أنه لا يصل للهيئة مباشرة، نتيجة انقسام البنك بين صنعاء وعدن؛ إذ لا يتعامل الأخير مع الهيئة، بحسب "النصاري"، مضيفًا أن التمويلات التي تأتي إلى صنعاء فقط، تخضع للإشراف من قبل الهيئة وجهات أخرى، كالصندوق الاجتماعي للتنمية ومشروع الأشغال العامة.
ويقول "طامش" إن الترميم جارٍ لـ40 بيتًا، من ضمنها بيت "الحميدي" المنهار والواقع في حارة صلاح الدين، إذ تم الشروع في عملية الترميم منذ شهر رمضان، لكن العمل توقف بسبب تدخل الأمن القومي الذي طالب بعمل ترخيص ترميم.
من جهتها تحدثت لـ"خيوط"، "سماح علي تلها" مديرة المجلس الأعلى للشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث والتعاون الدولي، قائلةً: "إن المجلس يستقبل البلاغات بالحالات المتضررة، ليتم بعدها معاينة الحالة وتعبئة الاستمارة الخاصة بذلك، بالبيانات الموجودة عن الحالة، ثم رفع تقارير الحالات للمجلس الأعلى، وبدورهم يقومون برفعها للجهات الداعمة سواء داخلية أم خارجية".
وأشارت "تلها" أنه يتم توعية أصحاب البيوت القريبة من السائلة بعمل إجراءات احترازية، مثل بناء سواتر على باب البيت بارتفاع متر، وإخلاء الأدوار الأولى، تحسبًا لفيضان مياه الأمطار.
وتتابع "تلها" حديثها، بأن المجلس يقتصر دوره على التوعية والرصد والتنسيق والإغاثة الطارئة فقط.
في هذا الصدد كان "الإبراهيمي" قد تحدث عن خطة للطوارئ لإنقاذ المدن التاريخية، بلغت ميزانيتها في زبيد 196 مليونًا، إثر انهيار أكثر من 67 منزلًا، وقد تم تشكيل اللجنة من مدير فرع الهيئة في زبيد ومجموعة من المهندسين، مشيرًا إلى أن صنعاء القديمة تحتاج ما يقارب 180 مليونًا، حيث إن المباني المتضررة مرشحة أن تصل إلى أكثر من 500 منزل، وذلك بحسب البيانات والدراسات، منوّهًا بأن هذه المبالغ محددة لتلبية الاحتياجات الطارئة من ترميم أسقف وجدران وتوفير طرابيل.
تم مناشدة الجهات المختصة منذ زمن لتحويل بيت الشاعر الكبير عبدالله البردوني إلى متحف خاص يُعنى بسيرة البردّوني، ويجمع كل ما يتعلق بآثاره ومآثره غير أن الأمر تعثر نتيجة صراع الورثة وتردد وزارة الثقافة إلى أن انهار مؤخّرًا
انهيار بيت شاعر اليمن عبدالله البردوني
رغم رمزية بيت شاعر اليمن الكبير "عبدالله البردّوني"، إلا أن هذه الرمزية لم تشفع للاهتمام والحفاظ عليه من الانهيار جراء الأمطار الأخيرة. فقد كان البيت مغلقاً لفترة تتجاوز الـ15 سنة، نتيجة خلافات بين الورثة، بحسب حديث علي السلطان، الساكن في البيت المجاور لبيت "البردّوني". وقال السلطان لـ"خيوط"، إن "الجيران قاموا بإبلاغ الجهات المعنية عن وجود ميلان في الجدار قبل سقوط الأمطار".
واعتبر "طامش" أن مشاكل الورثة عاملٌ رئيسٌ في تضرر المباني التاريخية، ومنها بيت "البردّونيّ" وبيت "المهدي" المهجور منذ أكثر من 30 عامًا.
إلى ذلك عبّر أكاديميون وكتاب ومثقفون يمنيون عن استيائهم إزاء تخاذل الجهات المسؤولة عن الحفاظ على صنعاء القديمة، ومنها بيت الشاعر "البردّوني"؛ إذ قال الكاتب "عبدالرحمن بجاش": "صعب عليّ قول أي شيء، خاصة وقد عرفت البيت. ما وراء الباب كان يضجّ بالبردوني، بالحرف الشاعر، بالكلمة المتوهجة... الآن على كل يمنيّ حرّ ويدري ماذا يعني "البردّوني" أن يذهب إلى مكان البيت ويعلن موتنا جميعًا...".
وفي السياق نفسه عبّر الدكتور "عبدالرحمن الصعفاني" أستاذ الأدب والنقد بجامعة صنعاء، عن حزنه لانهيار بيت الشاعر الكبير "عبدالله البردّوني"، منوهًا بأن اليمن كلها تغرق بفعل الأمطار الغزيرة، لتأتي على ما تبقى في هذا البلد المنسي.
وأشار "الصعفاني" أنه تم مناشدة الجهات المختصة منذ زمن بعيد لتحويل البيت إلى متحف خاصّ يُعنى بسيرة "البردّوني"، ويجمع كل ما يتعلق بآثاره ومآثره، غير أن الأمر تعثّر؛ نتيجة صراع الورثة، وتردّد وزارة الثقافة إلى أن انهار مؤخرًا.
ملف الجامع الكبير
في حارة الجامع الكبير، ما يزال الملف المرفوع للهيئة بأضرار تلك المنطقة حبيس الأدراج منذ 2002؛ إذ بدأت التشققات تظهر في 2004؛ بسبب شبكة المجاري الخاصة بالجامع الكبير. بيت "عَصْدة" أحد هذه البيوت المتضررة، الذي انهار في 5 أغسطس/ آب بفعل الأمطار، "يحيى عصدة" صاحب المنزل المنهار قال لـ"خيوط"، إن الأضرار بدأت بتشققات في الدور الثاني لبيته عقب إنشاء شبكة الصرف التابعة للجامع الكبير بصنعاء.
واستمعت "خيوط" لإفادات عددٍ من مُلّاك المنازل في حارة الجامع الكبير، منهم "طارق غمضان"، أحد سكان حارة الجامع الكبير، حيث قال لـ"خيوط"، إن إهمال الجهات المعنية أدّى إلى تفاقم الوضع وانهيار العديد من البيوت، من بينها بيت "عصدة"، الذي وثّق حادثة سقوطه.
في هذا الصدد كانت "خيوط" قد اطلعت على إشعار إخلاء بيت "عصدة" من أجل الترميم بتاريخ 24/ 1/ 2009؛ حيث إن الإشعار ينصّ على أن أعمال الترميم ستتم مباشرة بعد الإخلاء، وهو ما لم تقم به الجهات المعنية.
وتتابع "أم هيثم" شقيقة "يحيى عصدة"، أنه في 2012، تم إجبارهم على الخروج من البيت، بعد سجن أخيها "يحيى"، من أجل تنفيذ أمر إخلاء البيت، لأجل ترميم البيت مباشرة، بعد وعدهم بإعطائهم إيجارات، وقد تم دفع إيجارات حوالي السنة، لينقطع الدفع بعدها.
وتُحمِّل "أم هيثم" الجهات المختصة مسؤوليةَ تخريب البيت، وتطالب الدولة بفتح ملف تحقيق، ليحاسب كل من تسبب في هدم البيت؛ حيث اطلعت خيوط على بعض تلك الوثائق التي تدل على مراجعة عائلة "عَصْدة" للجهات المسؤولة.
وفي السياق ذاته أكّد "غمضان" لـ"خيوط" أن قيام الجهات المعنية بإخراج أصحاب البيوت من بيوتهم، ساهم في إهمالها وتضررها، وأدّى إلى زيادة الأضرار وتهديدها بالسقوط، ويشير إلى وجود فساد كبير في ملف حارة الجامع الكبير، منوّهًا بأنه بدلًا من دفع الإيجارات لأصحاب البيوت، الذين تم إخراجهم منها، كان الأولى ترميم تلك البيوت بهذه الإيجارات عوضًا عن دفعها كإيجارات، مضيفًا أنه تم إعادة بناء جدار أحد البيوت بقيمة 45 مليونًا. وتساءل بقوله: "هل بناء جدار فقط يكلف هذا المبلغ؟!".
وبدورها طرحت "خيوط" هذا الملف على مسؤولي الهيئة للرد، حيث أكد "طامش" أن الانهيارات التي حدثت في مباني حارة الجامع الكبير، تأثرت بالفعل بسبب المجاري الخاصة بالجامع الكبير عام 2002، وأنها كانت بعهدة أمانة العاصمة ومؤسسة المياه والمجاري، حيث لجأت هاتين الجهتين إلى معالجات جزئية، توقفت لاحقًا تمامًا. مؤكدًا أن ترميم البيوت المتأثرة بحارة الجامع الكبير، التي يبلغ عددها 11 بيتًا، سيتم في إطار واحد، مشيرًا إلى قيامهم بتوثيق الأضرار وعمل دراسات متكاملة ومخططات لتلك البيوت بالكامل، وهي بحاجة للتمويل من قبل الجهات الداعمة وعلى رأسها "اليونسكو".
وتابع "طامش" حديثه أنه تم سابقًا عمل دراسات لمنطقة الجامع الكبير، وتم رفعها للجهات الداعمة، وعلى رأسها "اليونسكو".
تجدر الإشارة إلى أن سكان حارة الجامع الكبير (الجهة الغربية)، كانوا طالبوا بفتح تحقيق فيما حدث ويحدث للحارة، ومن المتسبب فيما حدث، وأَثَر ذلك على تاريخ مدينة صنعاء القديمة وعليهم كقاطنين فيها.
ويضمّ المهندس "غالب" صوته لجموع مناشدات المواطنين ساكني منطقه الجامع الكبير، وقال: "التدخل الذي تم في هذه البيوت كان تدخّلًا جزئيًّا، وإلى اليوم تلك البيوت أصبحت منهارة أو على وشك، والسبب في ذلك هي الاختلالات في البنية التحتية".
مسؤولية من؟
أكّد المهندس "غالب" أن المسؤولية تقع على عاتق الدولة؛ كونها قيّدت الملكية على المواطن، الذي يتم تغييبه في صنع القرار، بالإضافة إلى افتقاره للوعي والثقافة الوطنية بأهمية التراث الذي بين يديه.
مشيرًا إلى أن تضارب الاختصاصات واحدة من أسباب تفاقم مشاكل المدن التاريخية، وعلى رأسها صنعاء. موضّحًا أن الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية لا تمت بصلة للبناء المؤسسي وللكيفية العلمية للتعامل مع المدن التاريخية، موكّدًا أن التعيينات داخلها فيها نوعٌ من المحاباة والمحسوبية.
من جهتها تقول "دعاء الواسعي" رئيس مؤسسة عرش بلقيس للتنمية التراثية: "إن عجز الهيئة عن تنفيذ أعمال الصيانة منذ بداية الحرب له أسباب كثيرة، منها خلل في النظام المالي والإداري والقانوني، إضافة إلى شحة ميزانية الهيئة، كما تردد دائمًا".
فيما يشير "طامش" إلى أهمية تكامل جهود جميع الجهات ذات العلاقة والمعنية بالحفاظ على صنعاء القديمة، متطرّقًا إلى الإيرادات الكبيرة التي تحظى بها مديرية صنعاء القديمة، التي تُبدَّد في مصارف ليس من بينها الحفاظ عليها والترميم والصيانة، مُبديًا عتبه على الجهات العليا في الدولة الذي يتهمها بأنها تركت الهيئة وحيدة بلا دعم ولا ميزانية طوارئ، داعيًا الجميع للتكاتف من أجل الحفاظ على تاريخ وهُوية بلد بأكمله، ممثَّلًا بصنعاء القديمة وغيرها من حواضر الحضارة اليمنية العظيمة.
- الصور ل: علي السنيدار