ستة أعوام والحرب الأهلية الإقليمية والدولية تتصاعد وتمتد في الأرض اليمنية كلها، ونتائجها الكارثية تفوق التصور؛ فالقتلى أكثر من مئتي ألف، والمشردون أكثر من ثلاثة ملايين، حسب تقارير دولية، والجرحى والمعوقون آلاف مؤلفة. القرى والأحياء السكنية والمدارس والمستشفيات التي تم تدميرها بالمئات. باختصار بلد فقير محدود الإمكانيات، ضعيف النمو يتعرض لدمار راعب، تتشارك فيه مليشيات كاثرة، وقوى إقليمية تمتلك من الأسلحة الفتاكة والتفوق العسكري والدعم الدولي ما يمكنها من إلحاق أكبر تدمير باليمن المحروب والمفكك.
ليست كارثة الحرب المتسلسلة والمتناسلة وحدها من ألحقت أفدح الأضرار باليمن، وإنما كوارث تبدأ ولا تنتهي؛ فالأوبئة الخطرة والفتاكة منتشرة في اليمن طولًا وعرضًا، وبالأخص في المناطق الحارة كالملاريا، وحمى الضنك، والتيفود، والكوليرا، وأخيرًا الكورونا، بالإضافة إلى المجاعة التي تجتاح اليمن كلها، وتطال - حسب التقارير الدولية - أكثر من 80 %، وتأتي الأمطار والسيول الجارفة لتهدم المدن التاريخية، وتخرب الطرقات المتهالكة، وتجتاح القرى، وتجرف المنازل والعشش والثروة الحيوانية في مديريات تهامة كـ"الزُّهرة" و"اللحية" و"القناوص"، وقد مات بسببها ما يزيد عن مئة شخص، وتعرضت المدن التاريخية: تريم، وشبام، وصنعاء، وزبيد ومنازلها العامرة والتاريخية للهدم.
التقاتل سمة عامة ومشتركة، فالمليشيات المتقاتلة ضد بعضها تتقاتل مع نفسها؛ وكل طرف من أطراف الحرب داخله أطراف؛ هي "حرب الكل ضد الكل"، والمأزق أن كل أطراف الحرب تدرك عدم القدرة على الحسم العسكري، فيجنح كل طرف للسيطرة على منطقة وجوده مع بقاء التطلع والطمع للتمدد أكثر فأكثر، ويسود التصارع الضاري على اقتسام غنائم الحرب قبل أن تحسم المعركة، والحلفاء الذين دخلوا الحرب لإعادة الشرعية ونصرتها يعملون على إضعافها وخروجها من اللعبة، ويبسط التحالف وجوده في مناطق لم تكن مناطق قتال؛ للاستيلاء عليها ولتملكها، وبناء تواجد عسكري لصالحها، وربما لصالح قوى أجنبية ليس بعيدة عن الحرب.
تسيد السياسيون مع بدء الحرب التي كانوا يعتقدون القدرة على حسمها في شهور وربما في أسابيع، ولكن طول أمد الحرب أخرجها من أيديهم إلى قادة المليشيات وتجار الحروب، وكلما طالت الحرب واتسعت تخرج من أيدي الجميع، ويصبح البندق هو سيد الموقف.
بعد مضي خمسة أعوام من الحرب الإجرامية المركبة من الأهلي والإقليمي والدولي، يخرج الأمر من يد اليمني إلى الإقليمي، ويصبح الإقليمي هو الآخر لعبة للإرادة الدولية، أو بالأحرى للأطراف الدولية الداعمة للحرب والمتجرة منها؛ فالأطراف الإقليمية وارطة في الحرب ورطة المقاتلين المحليين، ويصبح الحل بيد الأطراف الأكثر استفادة من الحرب، وتكون شعوب الأمة العربية هي الخاسر الأكبر.
في العام 2003، شنّت، أو بالأحرى قادت الولايات المتحدة الأمريكية تحالفًا ثلاثينيًّا للحرب على العراق شاركت فيه السعودية وسوريا ومصر، فَدُمِّر الكيان العراقي والقوة العراقية، ووقفت إسرائيل بعيدًا عن التحالف بطلب أمريكي، بينما وقفت إيران - العدو اللدود للنظام العراقي - بالانتظار. انتهت الحرب بتحرير الكويت، وهو أمر مهم ومطلوب أيضًا، وسقط الدكتاتور ونظامه المستبد، ولكن مطلب الاحتلال الأمريكي والهدف الإسرائيلي والبريطاني كان أبعد وأهم من تحرير الكويت، أو إسقاط نظام "صدام" أو حتى قتله. لقد كان الهدف الحقيقي تدمير القوة العراقية والكيان العراقي، وتمزيق وحدته، وكان المستفيد بالأساس أمريكا وإسرائيل والاستعمار الأوروبي. والسؤال: ماذا استفادت مصر وسوريا بتدمير العراق وتمزيق وحدته المهددة حتى اليوم؟
تطبيع الإمارات مع إسرائيل ليس آخر المطاف، فالعين على السعودية التي يواجه النظام فيها تحديات المكان، والانقسامات داخل الأسرة من حول خلافة الرجل الشائخ، كذلك تحديات المحيط، والصراع الإقليمي، وحرب اليمن، والعلاقة مع العالم الإسلامي- كلها عوائق أمام الحكم الموغل في دعم التطبيع
سوريا تواجه المصير نفسه اليوم بتدمير قوتها، وتمزيق وحدتها. وأهم من يعتقد أن المطلوب من الحرب على سوريا رأس بشار أو إسقاط النظام؛ فوحدة سوريا هي المستهدفة، أما مصر فمحاصرة، وتمزيقها مطلوب إن لم يكن أكثر من ذلك.
كردٍّ على ثورة الربيع العربي يجري تدمير الكيانات العربية الحضارية والقوية في العراق وسوريا والجزائر والسودان وليبيا واليمن، وتمول دول النفط هذا الاتجاه الاستعماري الذي تقوده أمريكا لفرض صفقة القرن بتمويل من دول الخليج، ويكون تصفية القضية الفلسطينية هدف مشترك لأمريكا وإسرائيل وبعض الدول الخليجية.
تطبيع الإمارات مع إسرائيل ليس آخر المطاف، فالعين على السعودية التي يواجه النظام فيها تحديات المكان، والانقسامات داخل الأسرة من حول خلافة الرجل الشائخ، كذلك تحديات المحيط، والصراع الإقليمي، وحرب اليمن، والعلاقة مع العالم الإسلامي- كلها عوائق أمام الحكم الموغل في دعم التطبيع، وعدم القدرة على الإعلان.
استعيض مؤقتًا عن تعثر صفقة القرن بإعلان الإمارات التطبيع، وربما تتبع دول أخرى، ويبقى استمرار الحرب في سوريا وليبيا واليمن والسودان غايته التفكيك، وفرض التطبيع، وتسيد إسرائيل.