تستمر الحرب الدائرة في اليمن منذ ما يزيد عن خمس سنوات، في ترك المزيد من الآثار السلبية على الوضع الاقتصادي والتدهور المعيشي، الذي أصبح يطال معظم فئات المجتمع، مع توسع الآثار ووصولها إلى مستوى يصل إلى نهب اليمنيين، كما هو حاصل مؤخرًا في الحوالات المالية بين المناطق اليمنية، في ظلّ عملة مجزَّأة بين طرفي الحرب؛ الحكومة المعترف بها دولياً، وأنصار الله (الحوثيين).
ولتحويل -مثلًا- 50 ألف ريال، هناك عمولة مفروضة على التحويل، ارتفعت في الأسبوع الثالث من أغسطس/ آب 2020، إلى 30%؛ لذا سيكون هناك ما يقارب 15 ألف ريال رسوم تحويل، سيتم خصمها من هذا المبلغ المحوّل، سواء من عدن أو أي محافظة في النطاق الجغرافي للحكومة المعترف بها دولياً إلى أي محافظة أو منطقة في نطاق سيطرة حكومة صنعاء.
هذا الارتفاع المتواصل لعمولات الحوالات المالية أنهك اليمنيين، في خضم حرب طاحنة، لم تبقِ لهم شيئًا، بعد ما أخذت منهم أعمالهم ورواتبهم، وبعثرت حياتهم وقلبتها رأسًا على عقب. ومع وصول الأمر إلى الحوالات المالية، وما طال، بسبب ارتفاعها، شريحةً واسعة من العمال والموظفين والتجار ورجال الأعمال، لم يعد بإمكان هؤلاء مساعدة عائلاتهم التي تقطن في المناطق المستقبلة للحوالات المالية. كما أن الموظفين المدنيين المقيمين في مناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيين)، والذين أعادت الحكومة المعترف بها دولياً صرف رواتبهم منذ عام 2018، لم تعد رواتبهم تساوي ربع القيمة الشرائية التي كانت عليها قبل الحرب، أو بالأحرى، قبل انهيار الريال اليمني أمام الدولار والريال السعودي، والعملات الأجنبية الأخرى، وصولاً إلى انهيار الريال أمام نفسه، بين طبعة قديمة وطبعة جديدة تمت طباعتها بدون غطاء.
حسين واصل (50 سنة)، موظف في وزارة الصحة بحكومة صنعاء، وهي إحدى الجهات التي تصرف الحكومة المعترف بها دولياً رواتب موظفيها. يقول حسين لـ"خيوط" إنّ هناك تناقصًا تدريجيًّا للراتب المحوّل من عدن عبر مصرف الكريمي منذ مطلع العام الجاري (2020)، وأن الراتب، حسب وصفه، يصبح شهراً بعد آخر، عبارة عن "ضمان اجتماعي"، بسبب انخفاض قيمة الطبعة الجديدة للريال، وارتفاع التضخم وتدهور الوضع المعيشي.
البنك المركزي اليمنيّ في عدن يحمّل أنصار الله (الحوثيين)؛ بسبب استهدافهم ومصادرتهم ومنعهم تداول العملة الجديدة وشركات الصرافة نتيجة مضاربتهم بالعملة، مسؤوليةَ تدهور الريال وارتفاع عمولة الحوالات المالية
ترصد "خيوط" عملية الارتفاع التدريجيّ في رسوم الحوالات المالية بين المناطق اليمنية الخاضعة لطرفي الحرب منذ مطلع العام 2020، بعد موجة صراع قاسية نشبت بين الطرفين عقب تنفيذ أنصار الله (الحوثيين) قرارًا تم بموجبه إيقاف التعامل بالعملة الجديدة المطبوعة خلال سنوات الحرب، ومصادرتها، الأمر الذي اعتبرته الحكومة المعترف بها دولياً، استهدافًا للعملة الوطنية، يهدف إلى تجزئتها والتسبب بأضرار اقتصادية على المواطنين. إذ انشطرت شظايا هذا الصراع والقرار في توقف رواتب ما تصرفه الحكومة المعترف بها دولياً للموظفين المدنيين في مناطق أنصار الله (الحوثيين) وعودتها فيما بعد لصرفها، مع استمرار تجزِئة العملة الوطنية وتدهور سعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية وارتفاع الفوارق السعرية للعملة، وزيادة تدريجية في الحوالات المالية بالتوازي مع انخفاض سعر صرف الريال.
بدأ الأمر بخصم 10% مطلع العام 2020، على أي مبلغ محوّل، ومن ثَمّ زاد في فبراير/ شباط، ومارس/ آذار إلى 12% ثَمّ 15%، ووصل في إبريل/ نيسان ومايو/ أيار إلى 17%، وفي يونيو/ حزيران، ويوليو/ تموز، قفزت رسوم الحوالات المالية إلى 25%، وارتفعت في منتصف أغسطس/ آب (الجاري) إلى 30%، مع تدهور سعر صرف الريال في عدن ومناطق الحكومة المعترف بها، وتراجعه من 750 إلى 785 ريال مقابل الدولار الواحد.
وفي حديث لـ"خيوط"، حمل مسؤول في البنك المركزي اليمني في عدن -فضّل عدم ذكر اسمه- أنصارَ الله (الحوثيين) المسؤولية الرئيسية فيما تشهده العملة من تدهور في الصرف وفي ارتفاع عمولة الحوالات المالية؛ ووصف هذا المسؤول "تصرفات" مسؤولي جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بالفوضوية والعشوائية، وبأنهم "يضربون عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية واتفاق ستوكهولم ورفضهم توريد المبالغ المالية المحصلة من استيراد المشتقات النفطية، لصرف رواتب الموظفين المدنيين، إضافة إلى تبديدهم الاحتياطي من النقد الأجنبي واستخدام العملة الورقية التالفة، التي لم تعد صالحة للاستخدام."
وقال إن إجراءات أنصار الله (الحوثيين) في منع ومصادرة العملة الوطنية المطبوعة تسببت بفرض قيود على تحويل مرتبات موظفي الدولة وإعاقة دفعها في المناطق الخاضعة لسيطرتها، علاوة على الإضرار بالمنظومة المصرفية والتداولات النقدية بشكل عام في البلاد. ولم يستثنِ هذا المسؤول شركات الصرافة والحوالات المالية من المضاربة بالعملة في سياقات متعددة، سواء في عدن أو صنعاء ومختلف المناطق اليمنية.
وكان البنك المركزي في عدن، أصدر مؤخرًا قرارًا يقضي بإيقاف شركات الصرافة العاملة في الحوالات المالية، مشترطًا ربط عملياتها بالأنظمة المالية والمحاسبية للبنك في عدن، إضافة إلى تنفيذ حملة واسعة على شركات ومحال الصرافة العاملة بدون ترخيص، التي تتهمها الحكومة المعترف بها جولياً، بالمضاربة بالعملة في عدن ومحافظات أخرى تحت سيطرة الحكومة نفسها.
شح السيولة وفوارق التحويل
الصراع الأخير على العملة المطبوعة بعد قرار مصادرتها من قبل حكومة صنعاء ومنع تداولها في مناطقهم، كان بمثابة القنبلة التي فجرت هذا الصراع الذي فاقم التدهور الاقتصادي والمعيشي، وتسارع انخفاض العملة الوطنية وتوسع فوارق صرفها وتحويلها؛ إذ وصل سعر الريال اليمني في عدن إلى 785 ريال مقابل الدولار الواحد، وسط توقعات باستمرار تدهوره وتجاوزه حاجز 800 ريال، الذي وصل إليه نهاية العام 2018، بينما في صنعاء يستمر سعر الصرف بالثبات، منذ أكثر من سنة، عند 600 ريال للدولار، كما لم يطرأ أي تغيير في رسوم الحوالات الصادرة منها، وبقية المناطق الخاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين).
وانعكس هذا الفرق على رسوم الحوالات بين عدن وصنعاء، بسبب شركات الصرافة والحوالات المالية، التي تنسب قيمة التحويل إلى الفرق في سعر صرف الدولار والريال السعودي، فكلما زاد الفرق بين سعر الدولار بين عدن وصنعاء تضاعفت عمولة التحويل، الأمر الذي كبد المواطنين خسائر كبيرة، وأضرّ بعمليات التبادل التجاري، وألقى بأثره على الاستقرار الاقتصادي، بعد أن تحول إلى نوع من الجباية الضريبية، خاصة مع بطء التدخلات الرسمية لإيقاف هذا الانخفاض المتواصل منذ مطلع يناير/ كانون الثاني 2020.
ملّاك شركات ومؤسسات صرافة أرجعوا في أحاديث لـ"خيوط"، السببَ في توسع رسوم الحوالات إلى تدهور العملة في عدن مع ثباتها في صنعاء؛ إذ تقوم شركات الصرافة بتحويل العملة من الريال اليمني إلى ما يوازيها بالريال السعودي، مع وجود فوارق صرف تزيد على 150 ريال بين هذه المناطق.
الريال في السوق السوداء
معاناة اليمنيين لا توصف، منذ نهاية العام 2019، مع اتخاذ الصراع الراهن على العملة المجزأة في اليمن، منحنيات وأشكالًا متعددة، أضرّت كثيرًا بعملية تداول العملة الوطنية المنهارة، وضاعفت المعاناة الإنسانية للمواطنين اليمنيين؛ إذ حدّت من عملية التنقل بين المدن والمناطق اليمنية.
وتشهد اليمن توسُّعًا لافتًا لشركات ومؤسسات الصرافة والحوالات المالية، التي يلاحظ ظهورها بين وقت وآخر، في صنعاء وعدن ومختلف المناطق اليمنية، وسط تضخم هائل للسوق المصرفية، التي أصبحت تتحكم في إدارة السياسة النقدية، بعد أن فقد البنك المركزي، المنقسم بين طرفي الصراع، قدراته وأدواته في الإدارة النقدية، في ظل ما تعانيه البلاد من تدهور اقتصاديّ وماليّ، ونفاذ الاحتياطي من الدولار الذي كان في البنك المركزي قبل الحرب، والمقدّر بنحو 5 مليارات دولار؛ إذ تتهم الحكومةُ المعترف بها دولياً، سلطةَ أنصار الله (الحوثيين) بـ"نهب وتبديد" هذا الاحتياطي وتدمير العملة، بمقابل اتهامات مضادة للحكومة المعترف بها دولياً بضخّ كميات كبيرة من العملة بطرق غير مدروسة للعملة الجديدة المطبوعة كان لها أثرٌ في تدهور وانخفاض العملة الوطنية.
وتنسب شركات ومحال الصرافة العاملة في هذا الجانب قيمة التحويل إلى الفرق في سعر صرف الريال السعودي والدولار الأمريكي، وهذا هو واقع الحال الذي تحاول أن تفرضه هذه الإجراءات، ما تسبب في عملية المضاربة بالعملة لصالح السوق السوداء، التي انضمت إليها مؤخرًا شركات ومحال صرافة متخصصة بالتحويلات.
ووفق تأكيدات مصرفيين، فقد أحدثت هذه الأزمة والصراع، توسُّعًا غير مباشر في سعر الصرف بين مناطق الحكومة المعترف بها ومناطق أنصار الله (الحوثيين).
وحسب الخبير المصرفي أحمد سيف، فإن تداول العملة في مناطق حكومة صنعاء يتم في ظل ندرة السيولة النقدية، لكن هذا الفرق، وَفق تحليله لـ"خيوط"، انعكس على رسوم التحويلات، الذي ارتفع بشكل غير معقول، تعاني منه غالبية شرائح المجتمع في اليمن.