لم يكن أمام الطفل عبدالله وهو في الرابعة عشر من عمره، حلًا سوى ترك المدرسة والذهاب للعمل لمواجهة الفقر الذي يهدد أسرته منذ العام 2016. اضطر لذلك بعد انقطاع راتب والده المدرّس، والذي كان يعتبر مصدر الدخل الوحيد للعائلة.
اعتاد عبدالله الذهاب صبيحة كل يوم، متحديًا كل الظروف القاهرة التي تقف في طريقه بعد خروجه إلى حراج العمال، حيث يتجمعون كل صباح، من أجل العثور على عمل.
يقول عبدالله لـ"لخيوط" إن والده عمل في السنوات السابقة جاهدًا، لتوفير مصاريف المنزل، لكنه منذ سنتين، دخل في حالة اكتئاب حادة، الأمر الذي دفع بالفتى ليبادر إلى تحمل مسؤولية إخوته الأربعة، بالإضافة إلى والديه. وهو يجني من عمله ثلاثة آلاف ريال في اليوم (ما يعادل خمسة دولار أمريكي).
إحصائيات مخيفة
ارتفعت نسبة التسرب من التعليم في اليمن بشكلٍ كبير، لاسيما خلال سنوات الحرب؛ فبحسب منظمة اليونيسيف، فإن هناك مليوني طفل خارج المدارس، بما في ذلك ما يقارب نصف مليون طفل تسربوا من الدراسة منذ تصاعد النزاع في مارس/ أذار 2015. وتشير إحصائية سابقة للمنظمة ذاتها إلى أن هناك مليون ونصف طفل كانوا خارج المدارس قبل الحرب في اليمن، معتبرة أن قطاع التعليم باليمن بات على حافة الانهيار.
وبسبب الظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها اليمن والاقتصاد المتدني في البلاد، لجأت بعض العائلات إلى الدفع بأبنائها إلى سوق العمل خوفًا من الفقر، حسب حديث لوكيلة مدرسة ابن خلدون في صنعاء، سمير المقطري لـ"خيوط".
بالإضافة إلى ما قد يتعرض له الأطفال العاملين من انتهاكات جسيمة بحق طفولتهم قبل كل شيء، فإن الكثير من الأسر لا تهتم لما قد يتعرض له أبناؤه، رغم أن القانون اليمني يجرم عمل الأطفال، وانخراطهم في بعض الأعمال الشاقة، مثل رفع الأثقال، والأعمال التي تعرضهم لأمراض خطيرة مثل جمع النفايات وغيرها من الأعمال التي لا تتناسب مع سن الطفولة.
فقدان الرغبة بالتعلم
يرفض الطفل أحمد (13 سنة) الذهاب إلى المدرسة، ويعتقد أن التعليم أصبح لا فائدة منه، إذ أنه يرى أن المدارس أصبحت لا فائدة منها سوى تضييع الوقت، فمعظم الحصص فارغة يملؤها اللعب والفوضى مثلها كالشوارع والمنتزهات، وأن المعلمين لم يعد لديهم رغبة بتعليم الطلاب- حسب تفكيره. كان أحمد طفل يحب المدرسة ومستواه الذهني جيد- حسب حديث والدته لـ"خيوط". إنها شديدة الخوف والقلق على مستقبل طفلها، وليس بمقدورها تعليمه في مدرسة خاصة كونها لا تستطيع تحمل نفقاتها الباهضة.
ومنذ انقطاع المرتبات ترك بعض المدرّسين وظائف التعليم، ولجأوا إلى أعمال أخرى، يقتاتون منها. هذا أثر على العملية التعليمية بشكلٍ كبير، وأدى إلى تراجعها بشكل ملحوظ، فيما استبدلت مدارس حكومية كثيرة، المعلمين الذين تركوا وظائفهم، بمتطوعين من خريجي الثانوية العامة، ليس لهم خبرة مسبقة في التعليم، بالإضافة إلى عدم كفاءتهم العلمية. كما شمل هذا الاستبدال، معلمين من خريجي الجامعات غير الموظفين رسمياً.
الأطفال أكثر طاقة وحماس من غيرهم، وإذا لم يخرج الطفل طاقته في التعليم حتماً سيلجأ إلى أشياء أخرى، كعمالة الأطفال والتي تعد أكثر خطورة على نفسية الطفل لتحمله مالا يتناسب مع سنّه
وبسبب الوضع الكارثي الذي وصل إليه حال الطلبة والتعليم بشكلٍ عام في اليمن، تفيد منظمة اليونيسيف بأن ما يقارب 3.7 مليون طالب في اليمن يواجهون مستقبل مجهول في التعليم، وباتوا على المحك، بسبب سوء الوضع وعدم صرف مرتبات مدرسيهم.
وفي نفس السياق يقول مقبل غالب، (موجه تربوي)، إن معظم المدرسين لجأوا إلى وظائف أخرى بحثًا عن لقمة العيش، الأمر الذي جعل حالة من الفراغ تسود في المدارس، وجعل الطلاب يشعرون بفقدانهم للرغبة في التعليم.
آثار نفسية
سحر شرف، مختصة في علم النفس بمنظمة "أطباء بلا حدود"، قالت "لخيوط"، إن توقف الأطفال عن التعليم يؤثر عليهم سلباً وعلى شخصياتهم مستقبلاً، إذ يكونوا أكثر عرضة لعدم التركيز والإصابة بالتبلد بسبب عدم نشاط خلاياهم الذهنية.
وتؤكد سحر على أن الأطفال أكثر طاقة وحماساً من غيرهم، وإذا لم يخرج الطفل طاقته في التعليم حتماً سيلجأ إلى أشياء أخرى، كعمالة الأطفال والتي تعد أكثر خطورة على نفسية الطفل لتحمله ما لا يتناسب مع سنّه، وكل ذلك يفقده الشعور بالسلام ويدفعه لقوقعة العدوانية والقلق، لشعوره بأن الحياة لم تكن منصفة في حقه، والكثير من الآثار النفسية التي تصيب الأطفال العاملين. وتشدد الأخصائية النفسانية على ضرورة التعامل مع الأطفال فاقدي الرغبة بالتعليم، بحذر وتغيير فكرتهم السلبية عن المدرسة، وربط التعليم بأحلامهم وشغفهم المراد الوصول إليه، كون التعليم هو الطريق الذي سيوصلهم لذلك.
سميرة المقطري تستمر في حديثها عن وجوب مواكبة المدراس للتطورات في جميع مناحي الحياة، واتخاذ طرق وأساليب حديثة، بالإضافة إلى صرف مستحقات المعلمين وتشجيعهم على أساس احتواء الطلاب، وتقديم أساليب تعليمية جديدة تجذب الطلاب؛ "فدور المدرسة مهم بالنسبة للطلاب من حيث زرع رغبة تعليمية قوية في نفوس الأطفال"- حسب تعبيرها.
وبات طلاب اليمن بين واقع مرير ومستقبل مجهول ينتظرهم بسبب الحرب وتدني مستوى التعليم وعدم صرف مستحقات غالبية المعلمين حتى الآن. كل هذا جعل الطالب يفر من المدرسة ويبحث عن أي بديل يشغل به فراغه، بينما ينتظر الكثير من الطلاب حلولا سريعة تسهم في توفير أجواء مناسبة من أجل تصحيح ما وصلوا إليه وإعادتهم إلى الوضع الطبيعي والذي يفترض أن يكونوا فيه.