توقف التعليم في المدارس في مارس/ أذار 2020، بسبب تفشي وباء كورونا (كوفيد 19) في اليمن. لم يكن طلاب المدارس استكملوا دراسة مناهجهم المقررة للفصل الثاني بعد، وفي 11 يونيو/ حزيران 2020، أصدرت وزارة التربية في حكومة صنعاء، القرار الوزاري رقم (104)، الذي نص على إنهاء العام الدراسي وتنفيذ الاختبارات العامة لشهادتين الأساسية والثانوية ابتداءً من 15 أغسطس/ آب 2020. القرار تضمن أيضاً إعلاناً عن آلية جديدة في الاختبارات وتصحيح الأوراق هذا العام، ما أثار مخاوف الكثير من الطلاب.
في هذا الشأن، قال مدير عام الاختبارات بوزارة التربية، صالح حسين الوادعي، أن الوزارة هذا العام أجرت "تغيير كلي في العملية الاختبارية"، حيث أن ستنفذ بطريقة الحوسبة ثم "الأتمتة"- وهي عملية التصحيح الإلكتروني، معتبراً ذلك انتقالاً من الطريقة المقالية في الاختبارات إلى الطريقة الموضوعية.
وأوضح الوادعي في حديثه لـ"خيوط"، إن إدارته تأخذ بالاعتبار الإجراءات الخاصة بالوقاية من تفشي فيروس كورونا، وأنها "جارية على قدم وساق". وأشار إلى الورشة التدريبية التي عقدتها الوزارة أواخر يوليو/ تموز 2020، لمدراء الاختبارات والتوجيه في صنعاء والمحافظات التابعة لسلطات أنصار الله (الحوثيين).
هذه الورشة جاءت، بحسب الوادعي، في إطار "حوسبة الاختبارات العامة"، وقد تم تدريب مدراء الاختبارات في المحافظات والمديريات "على الآلية الجديدة وكيفية التعامل مع أوراق الإجابة والاسئلة، وكذلك، كيفية تعاملهم مع الطلاب، خاصة في ظل جائحة كورونا والإجراءات الاحترازية".
وحذر الوادعي من أن أي سوء تعامل مع ورقة الإجابة أو من قبل القائمين على الاختبارات، كون ذلك يؤدي إلى تلف الورقة، وعدم تعامل الكمبيوتر معها أثناء عملية التصحيح.
وبحسب مدير عام الاختبارات في صنعاء، فإن عدد طلاب الثانوية المقبلين على الاختبارات لهذا العام، بلغ 195 ألف، بينما لا تزال عملية استكمال وثائق بعض الطلاب جارية، خاصة في بعض المناطق مثل الحديدة. كما أفاد الوادعي بأن هناك طلاب من المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، يرغبون في خوض اختبارات الشهادتين الأساسية والثانوية ضمن المناطق الواقعة تحت سيطرة أنصار الله (الحوثين)، غير أنه تحفظ عن الإدلاء بأية تفاصيل عن الأمر بمبرر "الحفاظ على مصلحة هؤلاء الطلاب".
مخاوف من الطريقة الجديدة
في إفادات جمعتها "خيوط" من بعض الطلبة المقدمين على خوض الاختبارات الوزارية والنقل، في المناطق الواقعة تحت سلطات أنصار الله (الحوثيين)، أبدى الطلبة مخاوف من طريقة الاختبار الجديدة والتصحيح الإلكتروني. ونقلت "خيوط" محتوى هذه المخاوف على مدير عام الاختبارات بصنعاء، صالح الوادعي، فرد بطمأنات للطلاب، وإجراءات وصفها بالشفافة.
وقال الوادعي إن كل طالب/ة "سوف يأخذ حقه"، وأن وزارة التربية أخذت باعتبارها إجراءات إضافية فيما يتعلق بالتصحيح الإلكتروني، بحيث يستطيع كل طالب بعد إعلان النتيجة، الاطلاع على ورقة إجابته وورقة الإجابة النموذجية في الموقع الإلكتروني للوزارة.
وبشأن المناهج الدراسية التي لم يستكمل الطلاب دراستها، قال الوادعي إن "هناك دروس تعويضية في القناة التعليمية وفي المنصة التربوية"، إضافة لدروس "نزلت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لافتاً إلى أنه بالرغم من كل ذلك، سوف يراعي كنترول الوزارة أوضاع الطلبة في ظل الظروف العامة التي تمر بها اليمن.
المدارس بدأت على إثر القرار، بتجهيز ومراجعة كشوفات النتائج لمراحل النقل، وإدخالها إلى "البوابة الإلكترونية"، تمهيداً لإخراج نسخ للمراجعة قبل اعتمادها، وإتاحتها للطلبة وأولياء أمورهم.
القرار الوزاري مناسب وحسب التوقعات
الاستاذة غنى أبو هادي مديرة مدرسة الشيماء للبنات في صنعاء، ترى في أن القرار الوزاري رقم (104)" "مناسب جداً"، بالنظر إلى الأوضاع التي تعيشها اليمن، والظروف الصحية التي يمر بها العالم بسبب تفشي فيروس كورونا. كما اعتبرت إنهاء العام الدراسي 2019/2020، بدون اختبارات للشهادتين الأساسية والثانوية، "يخلّ" بالمستوى التعليمي للطلاب في مراحل التعليم العالي.
وأوضحت أبو هادي أن المدارس بدأت على إثر القرار، بتجهيز ومراجعة كشوفات النتائج لمراحل النقل، وإدخالها إلى "البوابة الإلكترونية"، تمهيداً لإخراج نسخ للمراجعة قبل اعتمادها، وإتاحتها للطلبة وأولياء أمورهم.
إيمان عبادي مديرة مدرسة في صنعاء، قالت لـ"خيوط" إن إدارة مدرستها تواصلت مع الطلاب وأولياء أمورهم خلال يوليو/ تموز 2020، لـ"إيجاد حلقة تواصل بين معلمي المواد والطلاب لتلافي أي عوائق أو قصور في استيعاب المقرر الدراسي".
وقالت عبادي إنها تشعر بالمسؤولية تجاه الطلاب "بسبب فترة الركود التي مروا بها بسبب جائحة كورونا، وما يترتب عليه من ضعف بالمستوى التعليمي للطلاب".
وفي حين ترى إيمان الملاحي، وهي معلمة في مدرسة خاصة، أن القرار الوزاري "كان صائباً بسبب انتشار الوباء"، وسيطرة الخوف على أولياء أمور الطلاب بشأن سلامة صحة أبنائهم، إلا أن رشا السعيدي، وهي مدرسة في مدرسة خاصة أخرى، أن قرار وزارة التربية "لم يكن مدروساً بعناية"، معتبرة أنه كان الأنسب للطلبة، أن يكملوا دراسة المقررات قبل إجراء الاختبارات، مبررة رأيها هذا بأن المناهج الدراسية "مرتبطة بالأعوام الدراسية القادمة للطلبة".
غير أن المدرس أمين شاكر، نوه في حديثه لـ"خيوط"، إلى صعوبة إكمال الدراسة في الوقت الذي لا تزال فيه المخاوف قائمة من تفشي الجائحة. أما على المستوى التعليمي، فيبرر شاكر صعوبة إكمال الدراسة قبل الاختبارات، بأن "معظم الطلاب لم يكن لديهم الاهتمام والالتزام بالدراسة واستكمال المناهج عن بُعد (أون لاين).
سلبيات تخطي استكمال المناهج
بحسب المدرسة رشا السعيدي، فإن عدم استكمال المناهج الدراسية، سيسبب "فجوة كبيرة بين ما سيدرسه الطلاب في الأعوام القادمة، وبين المناهج التي لم تستكمل دراستها"، واصفة اختبارات الصف الثالث الثانوي في ظل الوضع الدراسي الراهن، بالكارثية. وأضافت أن "المحذوف لم يشمل كافة الدروس والوحدات التي لم تؤخذ"، وأن لهذا أثر سلبي على نفسية الطالب.
أما المدرس أمين شاكر، فيؤكد عدم وجود أي مشكلة تعليمية في إجراء الاختبارات حسب القرار الوزاري، مكتفياً بما سماها "دروس التقوية" للطلاب، التي تم إعطاءها للطلبة إلكترونياً عبر مجموعات الواتساب وتطبيقات أخرى، لشرح الدروس المتبقية. غير أن المعلمة إيمان الملاحي، قالت ضمن إفادتها إنه رغم شرح الكثير من الدروس للطلبة عبر مجموعات مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن كثير من الدروس لم تستكمل.
كيف يفكر ويشعر الطلبة قبل الاختبارات
استمعت "خيوط" لآراء عدد من الطلبة، حول كيفية استعدادهم للاختبارات وما عناه لهم القرار الوزاري بتحديد موعد الاختبارات. ليلى محمد الربع، طالبة في الصف الثاني الثانوي، قالت إن تحديد موعد الاختبارات كان "صدمة غير متوقعة" لها ولكثير من زميلاتها، وذلك بعد أن سرت شائعات قبل إصدار القرار بأن الوزارة سوف تنهي العام الدراسي باعتماد نتيجة اختبارات نصف السنة. وتابعت: "لسنا مستعدات للاختبارات ولا نستطيع التركيز والمذاكرة، وقد نسينا المنهج، وإعادة السنة أهون علينا". ورغم إقرارها بجهود بعض المدرسات في استكمال المناهج الدراسية عن بعد، إلا أنها تقر أيضاً بضعف عزيمتها للمذاكرة وخوض الاختبارات، لافتة إلى أنها لم تعتد على التعليم الإلكتروني، وأن عائلتها تساندها لتجاوز هذه الانتكاسة النفسية.
أمام الأمر الواقع
أحمد عدنان الجحدري، طالب ثالث ثانوي، قال إن المشكلة الرئيسية بشأن الاختبارات، يواجهها طلبة الشهادتين الأساسية والثانوية، كون اختبارهم وزارياً، ويقلل من المشكلة التي يواجهها طلبة صفوف النقل.
ويعتقد أحمد أن الحل لمشكلة عدم قدرة الطلبة على الاستعداد المناسب للاختبارات، يكمن في أن تقوم الوزارة بحذف "وحدة" من كل مقرر، أو أن تقوم بوضع درجات تراكمية، "أسوة ببقية دول العالم". غير أنه في نهاية المطاف، يرى بأنه وغيره من طلبة المرحلتين الوزاريتين، أمام أمر واقع، وأنه ليس أمامهم سوى التعامل معه كيفما كان.
أحمد قال إن مدرسته لجأت لتطبيق الزوم (live)، من أجل استكمال المناهج، "لكن الشرح إلكترونياً ليس مثل الحصة في المدرسة. نسبة الفهم كانت 50%"- حسب قوله. ومن حسن حظ أحمد، أن عائلته تدعمه أيضاً، وتحاول مساندته نفسياً لخوض الاختبارات.
عدم الاستعداد للامتحان
أفنان أحمد عبدالوهاب، طالبة ثاني ثانوي علمي، في محافظة الحديدة، قالت إنها ليست مستعدة للاختبارات بسبب عدم استكمال المنهج الدراسي. عقب تحديد موعد الاختبارات بالقرار الوزاري، أصبحت أفنان تفكر بشكل مكثف بكيف ستخوض الاختبارات بعد انقطاع ثلاثة أشهر كان يفترض أن تدرس خلالها بقية المنهج الدراسي. هي لا تتذكر شيئاً مما درسته، وقبل تحديد موعد الاختبارات، كانت تفكر بأنه سيتم إلغاء الاختبارات النهائية واعتماد نتيجة الفصل الأول. "تركنا دروسنا ولم نعد نذاكر." قالت، مؤكدة أن قلقها لا يتوقف بكيف ستخوض اختباراً في دروس لم تأخذها، وفوق ذلك، بطريقة جديدة للاختبار. وفي حين قالت إن عائلتها تدعمها "بين الحين والآخر"، قالت إنها تريد إيصال رسالة لـ"الجهات المعنية"، بأن "قرارها غير صائب بسبب عدم استكمال دراسة المنهج".
الطالب أحمد عطية، ثالث ثانوي، قال أيضاً إنه لم يستعد للاختبارات بسبب عدم إكمال المناهج الدراسية، وبسبب صعوبة مذاكرة مادة الرياضيات. أما بقية المواد بالنسبة له، فقد قام بمذاكرتها، على الرغم من أن هناك دروس كثيرة لم يدرسها في المدرسة.
ويتابع عطية أنه أخذ دروساً من المقررات التي لم تستكمل دراستها، عبر تطبيق الواتساب، من قبل المدرسين، وتحديداً الوحدة الخامسة في مادة الكيمياء، والوحدة الرابعة في الفيزياء، و"بعض الدروس في الرياضيات". أما الهندية ورياضة الاحتمالات، فلم يتلق وزملاءه أية دروس فيها. ومثل غيره من الطلبة، لا ينسى أحمد عطية المطالبة بحذف المزيد من الدروس من قبل وزارة التربية.
خوف ورعب وقلق
تقول رنا نبيل البهلولي، ثالث ثانوي أدبي، إنها لم تشعر بالقلق قبل تحديد موعد الاختبارات، أما بعد ذلك، فقد تجاوزت الشعور بالقلق إلى الشعور بالخوف والرهاب، وتشاطرها في هذا الإحساس توأمتها- رغد، التي تدرس معها في نفس الصف، وأن أكثر قلقهما من الطريقة الجديدة للاختبار.
تحليلات المختصين
عرضت "خيوط" الإفادات السابقة للطلبة، على اختصاصيين في علم النفس.
الدكتورة جيهان النزيلي، أخصائية نفسية، قالت إن إفادات الطلبة "كانت ما بين إجابات نفسية ,ومعرفية سلوكية". وأخذت نموذج إجابة الطالبة ليلى نموذجاً لتحليله، حيث يدل شعورها بالصدمة النفسية عقب تحديد موعد للاختبار، على أن الطلبة "أصبحت نفسياتهم هشة، ومع الأحداث الأخيرة وجد لديهم ما يسمى باضطرابات ما بعد الصدمة... وهذا معناه أنه ليس هناك استعداد نفسي لديهم لأي طارئ".
وتتابع النزيلي في تحليلها للردود قائله: أنه "من خلال تنوع الإجابات يظهر حجم التوقعات, ويظهر أن هناك توجه نحو التوقع السلبي والأسوأ، نظراً لما يسمعونه من الآخرين. كذلك ظهرت توقعات الفشل، حيث لا يوجد اتجاه إيجابي، ولا حتى إجابة واحدة توحي بأنه الوضع سيتحسن، وأن الدراسة ستعود لسيرها الطبيعي".
وتلاحظ النزيلى من خلال الإفادات أن "الهم الأكبر للطلبة هو النجاح فقط، وهنا تظهر أثر البيئة المجتمعية على أفكار الطلبة، حيث أن التعليم مجرد وسيلة وليس غاية، وأن التنشئة الاجتماعية في المجتمع اليمني لا تعطي أهمية لقدسية التعليم والتعلم".
وتتابع: "كذلك تظهر مظاهر العجز والتشاؤم، والحلول غير المجدية... الحذف من المقرر".
وترى النزيلي أن وضع التوقف الإجباري للدراسة، "أظهر إيجابية لوسائل التواصل الاجتماعي، ومنها برامج الزوم وغيرها، وكذلك أهمية التعليم الإلكتروني، وأهمية تفعيلها والاهتمام بتثقيف المجتمع بتلك البرامج الإيجابية وكيفية استثمارها في وضع الطوارئ".
كما لاحظت النزيلي أن الإفادات "أظهرت خللاً في إعداد المناهج، وإعداد المعلم، وإعداد البيئة التعليمية، وهنا ظهرت أهمية أن تكون هناك مناهج بديلة للطوارئ".
من جانبه أفاد صخر طه الشدادي، أخصائي نفسي في مركز إسناد لطب النفسي والمركز الطبي الخيري، أن "الوضع الذي مر به الطلاب في اليمن، وضع مقلق بسبب الصراع الذي تعيشه البلاد، وكان قد شكل ضغوطاً نفسية على الطالب اليمني"، وأن ما زاد الوضع سوءاً هو "انتشار فيروس كورونا في الدول الكبرى وعجزها عن التصدي لهذا الفيروس برغم الوسائل التي تمتلكها".
وأشار الشدادي أن شعور العائلات بالخوف الشديد والقلق المستمر، يعود سلباً على الطالب، ما أدى إلى إهمال دروسهم وعدم شعورهم بالاستقرار، رغم وجودهم في البيت ومتابعتهم للبرامج التعليمية مثل برنامج زووم، وعدم القدرة على الفهم والمراجعة لدروسهم، مما جعلهم يتحولون عن الجانب التعليمي، ويحاولون تحمل الضغوط النفسية التي حلت عليهم".
وأوضح الشدادي أن "القرار الوزاري جاء بالنسبة لهم صدمة غير متوقعة ولا يقدر الطالب على تقبلها نفسياً، وهذا ما يزيد لضغوط النفسية عليه، ويجعله يهمل المذاكرة، ولا يستطيع القيام بمراجعة دروسه، لأنه غير متقبل لقرار الامتحانات، ويعيش في حالة خوف من أسلوب الاختبارات، خاصة الاختبارات الوزارية، والسبب في ذلك، عدم تعودهم على هذا النوع من الاختبارات من قبل".
وأضاف الشدادي أن طريقة رد الطلاب على الأسئلة المطروحة عليهم، اتسمت بالاختصار نتيجة شعورهم بالخوف، وعدم قدرتهم على البوح بما يشعرون به بشكل واضح.
ودعا الشدادي عائلات الطلبة للوقوف مع أبنائها وتهيئة الجو المناسب لهم للمذاكرة وفترة الاختبارات، كما حثّ الطلبة على تنظيم أوقاتهم خلال ما تبقى من الأيام القليلة القادمة قبل الاختبارات. كما دعا الجهات المعنية في وزارة التربية والتعليم، إلى تهيئة الفصول للاختبارات الطلبة "بعيداً عن الضجيج الذي يسبب التوتر النفسي للطلبة".
* تحرير خيوط