خيوط الفجر
لا أجد اللغة التي أستطيع بها تبيان مشاعري تجاه فاجعة بيروت، فاجعة الشارع العربي، أما الطبقات الحاكمة فقد تعودت صناعة الكوارث، وأجادت دائمًا اختيار أكباش الفداء والخروج من المسؤولية كالشعرة التي تستطيع تخليص نفسها من العجين!
اقتنعت واقتنع الشارع العربي بأن شحنة "نترات الأمونيوم" هي من انفجرت، ولكن يظل السؤال الأكبر: من؟ خاصة وقد قال جنبلاط: إن الصاعق ضروري لإحداث الانفجار. إذن من وضع الصاعق؟ ولماذا؟ ولِم في هذا التوقيت؟
وعلى السؤال الأخير، فشيء بديهي أن الانفجار الهائل الذي لا أستطيع تخيله، ووصل صوته إلى قبرص "240" خلط كل الأوراق، ليس الأوراق الداخلية اللبنانية فتلك مخلوطة بفعل صراع كل أطراف الإقليم ومن يديرون الملفات من موسكو إلى واشنطن مرورًا بكل عواصم المنطقة، بل خلط أوراق المتصارعين.
هذه المرة لن يكون للمؤامرة وجود حتى في كتابات الكتاب، فالصورة واضحة وضوح الشمس وعلى رائحة الغاز المتصاعدة من أعماق المتوسط، وما مظاهر الحشد العسكري إلا استخدام الأوراق الضاغطة للوصول إلى أعمق نقطة عند الحفر للتنقيب عن النفط والغاز! ولبنان قبل أسابيع أعلن بدء التنقيب وإن كانت المؤشرات الأولى خيبت الأمل، لكن التفجير كمن يرسل رسالة مفادها: يكفي، ويكفي لأطراف كثر.
نأتي للأمر المهم وهو أنه آن الأوان للطبقة السياسية اللبنانية أن تغادر المشهد، صلاحيتها بسبب إدمان الفساد انتهت.
بالطبع هذا الكلام عبارة عن حلم يبدده حقائق الواقع الذي فيه يجدد الفساد نفسه فيه طوال الوقت...، والفساد الرسمي والسياسي اللبناني له ارتباطاته الإقليمية، الذي بسببه لن يستطيع الشارع أن يأتي بقواه إلى صدارة المشهد؛ لذلك لابد للشارع أن يعيد الضغط بعد أن احتوت نفس الطبقة وامتداداتها الفعل الشعبي، ليخرج بمولود ضعيف البنية "حكومة دياب" ل احول لها ولا قوة في ظل الاستقطاب الحاد لكل القوى السياسية المرتهنة لمن يدفع المصروف...! لا بد للشارع، ولا غيره، من الضغط وبكل قوة؛ لتغيير قواعد اللعبة بعد أن بيّن الانفجار إلى أي مدى وصل الإهمال والاستهتار لتصل اليد التي وصلت وتفجر المشهد كله.
رب ضارة ــ ولو هي قاسية جدًّا ــ نافعة؛ فالأمر هذه اللحظة مناط بالشارع اللبناني الذي ظهر في المظاهرات الأخيرة لبنانيًّا صِرفًا تحت راية لبنان، وليس رايات الأحزاب والمرتهنين للخارج .
لعل صحوة الشارع اللبناني تؤثر في نوم الشارع العربي؛ ليخرج ويغير قواعد اللعبة إلى قواعد تتناسب واللحظة الراهنة.