فوجئ المزارع عماد عبدالقوي من مزارعي محافظة صعدة شمال اليمن، نهاية شهر رمضان الماضي بتجار خضروات يطلبون كميات مضاعفة غير اعتيادية من الليمون الحامض الأخضر، إذ أبدوا استعدادهم وفق تأكيد هذا المزارع لـ"خيوط" دفع خمسة أضعاف في "السلة" الواحدة التي تحتوي على ما يقارب 50 كيلوجرام من الليمون، الأمر الذي دفعهم كمزارعين إلى الاستنفار لحصاد وتجهيز هذا النوع من المحصول الذي تظل كميات منه عادةً في "الأشجار" بدون حصاد طوال الموسم لوفرة المعروض منه في الأسواق ومحدودية الطلب عليه.
تعد زراعة الحمضيات في اليمن من الزراعات السائدة في المناطق الدافئة من المرتفعات الوسطى، وبالذات في الأودية والمنحدرات الطويلة المطلة على سهل تهامة في الحديدة غربًا، وفي "حمام علي" في ذمار (شمال) وكذا في بعض مناطق البيضاء ورداع وسط اليمن، وفي دلتا أبين (جنوب) ومأرب (شمال شرق). فيما تعدّ صعدة من أهم المناطق التي تنتشر فيها زراعة الحمضيات، كالليمون والبرتقال واليوسفي وتجود بكميات إنتاجية عالية خلال مواسم الإثمار، إضافة إلى مختلف أصناف الفواكه اليمنية.
كانت الحمضيات بالأخص صنف الليمون من الثمار التي لا تحظى باهتمام المستهلكين في اليمن؛ إذ اكتفى البعض منهم بما توفره الكافيهات ومحال بيع العصائر و"الكافتيريات" لشربه كعصير عوضًا عن توفيره في المنازل للاستخدامات الأسرية اليومية.
وتقدر بيانات زراعية رسمية إنتاج اليمن من الليمون بنحو 30 ألف طن من مساحة مزروعة تقدر بحوالي (3200) هكتار.
وفي الوقت الذي تسببت فيه الحرب والصراع الدائر في اليمن منذ ما يزيد عن خمس سنوات، وفيما بعد فيروس كورونا بعد تفشيه في اليمن، من فرض حصار شديد على الفواكه اليمنية مع إغلاق مختلف المنافذ أمام تصديرها، دفعها لتتصدر اهتمامات المستهلكين في اليمن بعد تكدس بعض أصنافها خصوصًا تلك التي كان التصدير يخفض تواجدها كثيرًا في الأسواق المحلية؛ إذ ضاعف تفشي فيروس كورونا الطلب على مواد ومنتجات الوقاية وعلى رأسها معظم أنواع وأصناف الفواكه.
تقدر بيانات زراعية رسمية، إنتاج اليمن من الفواكه بنحو 1.5 مليون طن، حصة الحمضيات منها حوالي 146 ألف طن
وقفزت أسعار بعض أصناف الفاكهة مثل البرتقال والجوافة والتفاح والبطيخ، إضافة إلى بعض الحمضيات، مثل الليمون الذي زاد سعره بشكل قياسي في الأسواق اليمنية خلال الفترة الممتدة من منتصف شهر رمضان الماضي إلى نهاية شهر شوال، بفضل الإقبال الشديد من قبل اليمنيين على الأسواق للتزود بالمواد والسلع الوقائية الطبيعية المتوفرة في ظل وضع صحي وطبي متردٍّ، وانقسام وحرب وصراع طاحن، ونفاذ أغلب الأدوية والوسائل المساعدة المستخدمة في الوقاية من الفيروس.
وارتفع سعر الليمون، الذي كان شبه مجاني، يستخدمه تجار وباعة الخضروات "كدعاية مجانية" للزبائن المتعاملون معهم، بنسبة 800%، إذ قفز سعر الكيلوجرام من 200 ريال إلى ألف ريال مع تراجع المعروض من هذه الفاكهة الحمضية التي تتكدس في الأسواق بشكل كبير نظرًا لغزارة إنتاج اليمن منها، بينما ارتفع سعر الكيلوجرام من البرتقال إلى أكثر من 2000 ريال، واختفى "الزنجبيل" لأيام قبل ظهوره بسعر مضاعف بعد أن قفز سعر الكيلوجرام منه من 1500 ريال إلى 5 آلاف ريال.
مع تراجع الطلب مؤخرًا استقرت أسعار معظم هذه الأصناف خصوصًا الحمضيات بعد توفرها أيضًا بكميات كافية لدى باعة الخضروات والفواكه في معظم الأسواق اليمنية.
وتقدر بيانات زراعية رسمية، إنتاج اليمن من الفواكه بنحو 1.5 مليون طن، منها 116 ألف طن الكمية المنتجة من البرتقال.
إحدى وسائل المكافحة
اتجه اليمنيون الذين واجهوا منفردين فيروس كورونا نتيجة غياب السلطات الرسمية والإدارة الصحية لمكافحة الفيروس في معظم المحافظات والمدن التي ينتشر فيها الفيروس بشكل كبير، إلى المواد والوسائل والسلع المتاحة، مثل الخضروات والفواكه وبدرجة رئيسية الحمضيات.
ويأتي الليمون في طليعة الوسائل الدفاعية التي لجؤوا إليها؛ إذ أصبحت هذه الفاكهة الحمضية منذ منتصف رمضان سندهم الأول في مواجهة ومكافحة فيروس كورونا، كما يقول المواطن أشرف عبدالله من سكان صنعاء، بعد اختفاء معظم السلع والمواد والوسائل الوقائية ونفاذ كثير منها من الأسواق أو احتفاظ التجار ببعض الأصناف الدوائية أو الغذائية، إما لتهدئة الأسواق بسبب الإقبال الشديد عليها حسب حديث هذا المواطن لـ"خيوط"، أو لاستغلال هذا الإقبال وسحبها من الأسواق وإعادتها بأسعار مضاعفة.
ولا حظت "خيوط" مؤخرًا، اختفاء بعض الأدوية والسلع الغذائية من الأسواق ، وانخفاض المعروض الخضروات والفواكه، إلى جانب أزمة غذائية في الخبز وأقراص "الروتي" نتيجة إغلاق نحو 70% من المخابز والأفران بسبب توقف العمل للإجازة مع حلول عيد الأضحى، مع بدء عودتها تدريجيًّا مع انقضاء الأيام الأولى للعيد وبقاء ترسبات أزمة الوقود الراهنة عالقة في بعض هذه القطاعات التي تعاني في توفير المشتقات النفطية.
في السياق، يروي المواطن نبيل محمد حكايته مع الليمون الحمضي الأخضر خلال فترة ارتفاع الطلب عليه بشكل مضاعف بالتزامن مع فترة عيد الفطر وما شهده من توسع انتشار فيروس كورونا نتيجة انخفاض الحركة التجارية ومحدودية الباعة خلال تلك الفترة من العيد.
توجه شهاب إلى بايع الخضرة الذي يتعامل معه في حارته ليفاجئه بالقول أنه قد نفذ لديه وأنه شبه معدوم من الأسواق، الأمر الذي جعله يبذل جهدًا شاقًّا، كما يوضح لـ"خيوط" للعثور عليه لدى أحد الباعة في منطقة أخرى يبعيه لمن يدفع أكثر، رفض هذا المواطن ذلك وظل يبحث عن بائع خضروات إلى أن وجده بعد أن طاف 50% من مساحة المدينة التي يقطنها.
صعدة الموطن الرئيسي
رغم انحساره بشكل كبير إلا أن بعض المدن اليمنية ما تزال تعاني من ظهور حالات إصابة بفيروس كورونا في ظل أوضاع اقتصادية صعبة وتردٍّ معيشي كبير وتدهور في الخدمات العامة وانخفاض المعروض من مختلف السلع الغذائية والاستهلاكية والأدوية، وارتفاع أسعار بعض السلع والخضروات والفواكه بصورة تفوق قدرات اليمنيين رغم كون أغلبها منتجات زراعية محلية.
وتعد محافظة صعدة من أهم المحافظات التي تهتم بزراعة الحمضيات التي توسعت كثيرًا مؤخرًا، ويعزى ذلك التوسع لتوافر العديد من المزارع الاستثمارية الكبير بالإضافة إلى المزارع الصغيرة التي استقدمت الشتلات المزروعة من بعض الدول ومن المشاتل الداخلية المتوافرة في إطار محافظات يمنية؛ إذ بدأت الزراعة فيها في نهاية السبعينيات من القرن الماضي وتوسعت بشكل كبير في الثمانينات والتسعينيات، ويعزى ذلك التوسع لتوافر العديد من المزارع الاستثمارية الكبير بالإضافة إلى المزارع الصغيرة التي استقدمت الشتلات المزروعة من دول خارجية، مثل تركيا وكندا وغيرها، ومن المشاتل الداخلية المتوافرة في إطار محافظات مأرب وصعدة نفسها إضافة إلى المشاتل الحكومية في المحافظات الأخرى.
وساعدت الظروفُ المناخية المتوفرة في اليمن محاصيلَ الحمضيات على توافرها بقوة في إطار مناطق متفرقة ومساحات زراعية لا باس بها، وبأصناف متعددة تعود بمجملها إلى ثلاثة أصول رئيسية أثبتت ملاءمتها للظروف المحلية والمتمثلة بالليمون (الغرفش) المزروع في مساحات صغيرة، والترنج (البرتقال المر) وهذا النوع أكثر توسعًا في المناطق الزراعية، إضافة إلى البرتقال ثلاثي الأوراق.
حسب تقرير صادر عن الإرشاد الزراعي، فإن البرتقال بمختلف أنواعه من أكثر محاصيل الحمضيات انتشارًا وتوسعًا في الجانب الزراعي والإنتاجي، والشاهد على ذلك تلك المزارع الواسعة المنتشرة في مناطق المرتفعات الوسطى ونظرًا للظروف المناخية السائدة في تلك المناطق المتغيرة يومًا بعد يوم جعل الثمار لا تكتسب لونها الطبيعي عند وصولها طور النضج الكامل.
وتُقطف الثمرة، كما ذكر الإرشاد الزراعي، خضراءَ مائلة للاصفرار الأمر الذي جعلها تفقد قيمتها التسويقية على الصعيد الخارجي، واقتصرت فرص تسويقها على الصعيد المحلي فقط. بينما "اليوسفي" أحسن حالًا من البرتقال كون هذا المحصول أكثر امتلاكًا للمقومات الغذائية والتسويقية، ويتم تسويقه إلى مختلف محافظات الجمهورية، ويغطي الأسواق بشكل كامل خلال موسم الإنتاج.