لقد بدأت العمل وأنا لا أملك أي شيء؛ كنت أقوم بتسريح "تزيين" الفتيات من الأدوات التي يجلبنها معهن مقابل مبلغ زهيد، ومع مرور الوقت وازدياد حاجتي للمال كنت أوفر بعض المال وأقوم بإنفاق بقيته في علاج ابني وإعالة نفسي. بعد مرور عام ساعدني والدي على فتح محل صغير، حيث قام بتوفير بعض الأدوات لي وقمنا بتسمية المحل (أشرقت).
إشراق صالح (28 سنة) واحدة من نساء أبين اللاتي قررن أن يُعلن أنفسهن وأسرهن بعد أن قضين حياتهن معتمدات على ذويهن من الرجال. تقول إشراق لـ"خيوط" إنها فكرت في العمل بعد انفصالها عن زوجها منذ عامين، وبدأت عند عودتها إلى منزل أسرتها رفقة طفلين أصغرهم يعاني من فقر في الدم.
عملتْ بجد واجتهاد واستخدمت كل الطرق الممكنة لتحسين مهاراتها في مجال الكوافير حسب حديثها. وبعد مضي عامين فقط أصبحت الآن واحدة من أشهر "المسرحات" أو العاملات في مجال الكوافير في المنطقة.
شهدت محافظة أبين (جنوب اليمن) صراعات وعدم استقرار بدءًا بسيطرة تنظيم القاعدة على أجزاء من المحافظة، وخصوصا عاصمتها زنجبار في العام 2011. وأفضت إلى مواجهات مسلحة مع القوات الحكومية، مرورًا بالحرب التي أعقبت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) عليها في العام 2015، وحتى النزاع الذي يدور حاليًا بين قوات من المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات تابعة للحكومة المعترف بها دوليًا للسيطرة على المدينة.
استطاعت إشراق إعالة نفسها وأطفالها وأسرتها من عملها في "الكوافير"، بينما اتجهت أنيسة للخياطة لتسلك نفس المسار للكفاح وفتح أبواب جديدة لكسب العيش.
كل هذا أدى إلى تدهور مريع في حياة الناس المعيشية، وبات الكثير من سكان أبين يكافحون من أجل الحصول على لقمة العيش، خاصة مع تدهور الوضع الأمني في كل أنحاء البلاد. وفي ظل هذه الظروف تحاول نساء مكافحات فتح أبواب جديدة لكسب العيش، ويرفضن الاستسلام للواقع.
تعتبر مهنة التسريح "الكوافير" من أكثر الأعمال المدرة للدخل. فعلى الرغم من كل الظروف التي تعاني منها البلاد إلا أن النساء لا يستطعن الذهاب إلى أي مناسبة في المنطقة إلا وهن في كامل زينتهن؛ الأمر الذي ساعد على رواج وازدهار هذه المهنة.
تضيف إشراق: "كانت لدي خبرة قليلة في هذا المجال حيث تعلمت الحرفة من تسريح شعر "شقيقاتي" وبعض فتيات المنطقة ممن لا يستطعن الذهاب إلى محلات الكوافير بسبب ارتفاع الأسعار".
في البداية وجدت إشراق منافسة كبيرة من نساء يعملن في ذات المهنة، إذ بدأت العمل وهي لا تمتلك أي شيء. تقول إشراق: "كنت أقوم بتسريح "تزيين" الفتيات من الأدوات التي يجلبنها معهن مقابل مبلغ زهيد، ومع مرور الوقت وازدياد حاجتي للمال كنت أوفر بعض المال وأقوم بإنفاق بقيته في علاج ابني وإعالة نفسي. بعد مرور عام ساعدني والدي على فتح محل صغير، حيث قام بتوفير بعض الأدوات التي تساعدني في عملي".
استطاعت إشراق إعالة نفسها وأطفالها كما تتكفل الآن برعاية والدها وإخوتها. وقد استطاعت جمع مبلغ مناسب من المال لكي تسافر إلى مصر من أجل علاج ابنها المريض، وتخطط بعد العودة من السفر الانتقال إلى محافظة عدن وافتتاح محلها الخاص هناك بعد أن اتفقت مع فتاة تعمل في نقش الحناء على أن تعملا معًا في محل واحد وتوفير جميع احتياجات النساء.
شراكة زوجية
أنيسة هي الأخرى اتخذت نفس هذا الطريق بعد أن قامت باستعارة ماكينة الخياطة التي بحوزتها ولم تعد تستخدمها بسبب كبر سنها، وبدأت بالعمل عليها، حيث لم تمر فترة قصيرة حتى استعادت مهارتها ونشاطها في خياطة ملابس الأطفال والكبار على حد سواء، وعقدت العزم على أن تصبح هذه المهنة مصدر رزقها الأساسي هي وأطفالها.
عانت أنيسة من ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة ولم تجد من حل سوى العودة لهوايتها القديمة، ولكن هذه المرة لتجعل منها مصدر دخل يعينها وزوجها على تحمل مشاق الحياة التي صعّبتها الحرب.
أنيسة محمد (33 سنة) قررت أن تواجه الحياة رفقة زوجها، وبدأت تعمل في مجال الخياطة من أجل توفير مصدر دخل إضافي لها ولأطفالها الثلاثة، بعد أن صار راتب زوجها لا يكفي مصاريفهم الشهرية.
تقول أنيسة لـ “خيوط" إنها تعلمت هذه الحرفة من والدتها، وقد حان الوقت لأن تقطع خطوات أكثر جدية في عملها، حيث لم تعد الخياطة وسيلة لتمضية الوقت كما كانت عليه قبل سنوات.
تستدرك أنيسة: "كانت أمي دائمًا تحاول تعليمي الخياطة، فقد كانت خيّاطة ماهرة وتقوم بخياطة العديد من الملابس لنا ولنساء المنطقة، إلا أني لم أكن أهتمّ كثيرًا بالأمر؛ إذ لم أكن أعي في ذلك الوقت أن الخياطة المنزلية تعتبر مصدرًا من مصادر الدخل التي ستغير مجرى حياتي في المستقبل".
تزوجت أنيسة منذ 7 سنوات ولديها 3 فتيات، وبسبب الحرب تدهورت أوضاع أسرتها المعيشية. وعلى الرغم من كل مساعي زوجها لتوفير احتياجات المنزل، إلا أن الأسعار مستمرة في الارتفاع بينما مرتبه لا يتعدى خمسين ألف ريال يمني (82 دولارًا أمريكيًّا).
تواصل أنيسة: "في السنوات الأخيرة ازدادت الفجوة بين ما نحتاجه من مال لكي نعيش وبين ما يكسبه زوجي، لهذا قررت البدء في البحث عن عمل، ولكن الأمر لم يكن سهلًا مثلما توقعت، فلدي ثلاث بنات أكبرهن عمرها 6 سنوات وأصغرهن عمرها سنتان؛ لهذا وجب عليّ أن أجد عملًا أقوم به من المنزل بحيث أستطيع التوفيق بينه وبين أعمالي المنزلية. وقررت أن "أجرب حظي" في الخياطة، الحرفة الوحيدة التي أجيدها".
تفجر بداخل أنيسة حماس لم تعهده من قبل؛ فقد قامت خلال وقت قصير بخياطة وتصميم الملابس وأغطية الأسِرّة والستائر والجلابيات النسائية وفقًا للموضة السائدة، الأمر الذي دفع ببعض ملاك المحال النسائية توفير المواد الخام بينما تقوم هي بخياطتها، ومن ثم عرضها للبيع.
كما أن تقوم بخياطة العباءات التي تتطلب خبرة وعناية كبيرة حسب أنيسة؛ فأي خلل قد يؤدي إلى تلف القماش أو إعادة خياطته مرة أخرى وهذا قد يكلف مبلغًا من المال.
لذا تلتزم الحرص دومًا والدقة في العمل كما تؤكد، حتى أنها في بعض الأحيان تنتظر أطفالها ليخلدوا للنوم لكي تستطيع ممارسة عملها بدقة، فبعض العباءات تحتاج لإضافة النقوش على الحافات أو نهايات العباءات، وذلك يتطلب إتقانًا وتركيزًا وفقا للموضة وذوق العملاء.
وقد أثمر جهد أنيسة أسرع مما توقعت، حيث حصلت على مبلغ من المال حسّن وضع أسرتها كما أنها استطاعت شراء ماكينة خياطة جديدة.