خيوط الفجر
لكي تفهم ما يدور هذه اللحظة في العالم، ضع الخارطة أمامك، وأسقط عليها الصراعات وأسبابها، وعلاقات القوى المتصارعة، وأسقط حوادث التاريخ الكبرى عليها؛ ستجد مؤشرات المستقبل أمامك، عليك فقط أن تكون قارئًا جيدًا لخطوط الطول والعرض، وحدد ماذا تريد؟ وكيف؟ ستجد في النهاية مكانك.
يعتمد الأمر على قوتك على الأرض وحسن إدارتك للعلاقات مع من حولك.
خارطة العالم تبدو هذه اللحظة مشتتة ومجزأة: حروب، وصراعات، وتنافس اقتصادي مريع؛ الحروب تعبير واضح عنه.
يبدو أن " كوفيد 19" استبطأ العالم في إعادة ترتيب الخارطة من جديد كتعبير عن دورة زمنية جديدة، فتدخّل ليسارع بما نراه الآن محاولات حثيثة لإعادة ترتيب أحجار الدومينو ليَظهر عالم جديد بشروط جديدة، تغيب قوى وتبرز أخرى، تكبر دول وتصغر أخرى، وجوه جديدة تتسيد المشهد، تختفي وجوه فقدت مبررات بقائها، فلم تفهم وتدرك كما هو في العالم الجاهل والمتخلف، لينفجر القِدر- بكسر القاف – ويدمر ما حوله من وجوه وأجساد. ولذلك ترى الحروب صغيرة الأهداف هنا، وحروبهم الكبيرة تدور وراء الكواليس. وعندما يختلفون يتقاتلون في أرض ليست أرضهم كما هو حاصل في اليمن، والعراق، وليبيا، والسودان، ومحاولة زجّ مصر في صراع مع إثيوبيا.
لن تعاد الخارطة إلى الجدران سريعا، حتى يحسم العالم الأول أمره ويتفق على مصالحه؛ أين تبدأ وأين تنتهي. وستلحق المتصارعين الإقليميين أو توزعها بين القوى التي ستهيمن على الخارطة، ليبدأ العالم جولة زمنية جديدة تستمر حتى تفقد مبررات بقائها.
في العالم الجاهل والمتخلف لا أحد يرصد ويقرأ الشارع بذكاء وبشكل مستمر ودؤوب، ولذلك القدور تتفجر هنا وهناك، ولأن هذا العالم يمتلك الثروات في باطن أراضيها فيجعلونه يظل يلهث فقط وراء ضمانات استمرار الحكم والحاكم. ولأن منظومات الحكم لا تنظر إلى الأفق، لخوفها من يهيئون أنفسهم للانقلاب عليها؛ فتراها لا تنشغل بالغد إلا من منظور الاستيلاء على الحكم.
هنا سنرى خارطة جديدة يتقاسمها المتصارعون الكبار للأسف، وتظل بلدان الجهل والتخلف بدون استثناء في ذيلها حتى يقضي الله أمره.