فرحة متجددة يعيشها أهالي محافظة حضرموت جنوب شرق اليمن كغيرهم من المسلمين في شتى بقاع الأرض كل عام ليحتفلوا بعيد الأضحى، رغم عديد المنغصات التي يعمل الناس جاهدين على تجاوزها ليعيشوا بهجة هذه المناسبة والفرحة من بين ركام المعاناة.
تعود هذه المناسبة الدينية على المواطنين في محافظة حضرموت في ظل ظروف اقتصادية غاية في الصعوبة، حيث تعاني العملة الوطنية من انهيار متسارع في سعر الصرف أمام العملات الأجنبية؛ الأمر الذي أثر بشكل كبير جدًّا على الوضع المعيشي لدى المواطنين في شتّى مناحي الحياة.
ويعد ارتفاع أسعار الأضاحي أبرز منغصات فرحة العيد ليس فقط في حضرموت بل في أغلب المدن والمناطق اليمنية، إذ وصلت أسعارها إلى نحو 150 ألف ريال، ما يعادل 200 دولار أمريكي، وهو رقم يساوي راتب الموظف العادي ثلاثة أضعاف.
المواطن أحمد بامسيلم يقول لـ"خيوط"، إنه يعمل بالأجر اليومي وبجهد كبير استطاع، حيث توفير مبلغ 45 ألف ريال بينما سعر الأضحية يفوق ثلاث مرات المبلغ المتوفر لديه.
لا تتوقف معضلة الغلاء وارتفاع الأسعار عند حدود الأضاحي، بل تشمل معظم السلع الغذائية والاستهلاكية، وتأتي الملابس في قائمة الاحتياجات التي تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في أسعارها، وهو ما أجبر كثيرًا من المواطنين تخفيض إنفاقهم على الملابس في موسم العيد.
لا تقتصر فرحة العيد في حضرموت على يوم العاشر من ذي الحجة بل تسبقها عادات فرائحية متوارثة منذ القدم مع تميز كل منطقة بعادات وتقاليد عيدية خاصة بها.
الاستيراد يرفع الأسعار
يعود سبب ارتفاع أسعار الأضاحي إلى أن غالبيتها يتم استيرادها من الخارج بالعملة الصعبة، حيث أوضح تاجر المواشي محمد قروان لـ"خيوط" أن حوالي 90% من الأغنام المتواجدة بحضرموت هي مستوردة من دولة الصومال عبر ميناء المكلا، وكلها يتم شراؤها بالدولار. وقد تم هذا العام استيراد نحو 10 آلاف رأس منها، إذ يعتمد غالبية المواطنين في محافظة حضرموت على أكل لحوم الماعز.
وعن أنواع الأغنام المستوردة أوضح قروان أن غالبيتها أنواع تحظى باهتمام كبير من قبل المواطنين. أما بالنسبة للأغنام المحلية التي يطلق عليها في حضرموت بـ"العربي"، وهي ذات جودة عالية ويتم تربيتها في المنازل؛ فغالبية هذه الأغنام يتم تهريبها وفق تأكيدات هذا التاجر إلى دول الخليج العربي بأسعار مرتفعة كون لحومها ذات جودة عالية.
حاول الأهالي التغلب على مشكلة ارتفاع أسعار الأضاحي عن طريق المشاركة في شرائها كما فعل أحمد الدقيل، حيث اشترك مع إخوانه الأربعة لشراء الأضحية وتقسيمها فيما بينهم وبذلك يستطيعون وعوائلهم أكل اللحوم خلال العيد، بينما تتحرك في هذا الجانب عدد من المبادرات التطوعية بالإعلان عن استقبال التبرعات لأضاحي العيد، ويتم بعد ذلك تقسيمها إلى أجزاء وتوزيعها على الأسر المحتاجة التي لا تستطيع شراء اللحوم للعيد.
عادات فرائحية
لا تقتصر فرحة العيد في حضرموت على يوم العاشر من ذي الحجة بل تسبقها عادات فرائحية متوارثة منذ القدم وخاصة في مناطق وادي حضرموت، حيث تشتهر مناطق شبام والحزم وما جاورها بعادة تسمى "عيد الصغيرين.. وفي هذه العادة التي تصادف اليوم السابع من شهر ذوي الحجة يقوم عدد من الشباب في الصباح الباكر بتجهيز أواني الطبخ ومعداته كلٌّ حسب المهمة الموكلة إليه.
المواطن محمد صوبان قال لـ"خيوط" إنه يتم تحضير الشربة التي تتكون من القمح المجروش ولحم الأغنام في إناء كبير جداً. وبينما يقوم الشباب بالطبخ يتجمع الأطفال حول الإناء ويرددون بعض الأهازيج مع ضرب الدفوف حتى تجهز وجبة الشربة ليتم توزيعها على كافة المنازل في المنطقة قبل أذان مغرب نفس اليوم.
وتعود عادة طبخ الشربة في قدور كبيرة وتوزيعها على البيوت إلى الحرب العالمية الأولى وفي تلك الفترة ضربت خلالها المجاعة حضرموت. وبما أن المجتمع في حضرموت يُعرف عنه تكاتفه وتعاونه، فقد كانت بعض الأسر المقتدرة تقوم بطبخ وجبة الشربة في قدور كبيرة جداً. ويشارك في الطبخ والتوزيع أبناء الحي نفسه، وتوزع فيما بعد على كافة بيوت الحي أو المنطقة التي يتم الطبخ فيها، كما يتم إطعام المارة. واستمر إحياء هذه العادة السنوية التي تجسد معاني اللحمة الاجتماعية حتى في أحلك الظروف.
مطلع الحطب
كانت تمارس في المناطق الشرقية لوادي حضرموت، وبالتحديد في تريم وما حولها من المناطق، عادة متوارثة تسمى "مطلع الحطب" وتقام في اليوم السابع من شهر ذي الحجة.
حول هذه العادة وعملية إحيائها يتحدث الخبير بالموروثات الشعبية عبد الكريم الخطيب لـ"خيوط"، أن "مطلع الحطب" هو يوم يجتمع فيه الأهالي والأسر للنزهة، ويتبادلون الزيارات العائلية في العيد. وقديما، يضيف الخطيب، كان يتم جلب بعض الحطب من الجبال إلى المنازل ليكفي أيام العيد، وتخرج بعض الأسر من بيوتها لتجتمع في مكان واحد، يتوزعون بعد ذلك إلى ثلاثة أقسام: للنساء والرجال والأطفال، فيكونون طوال اليوم في نزهة فريدة. وقديما كانت لا تقتصر نزهة بعض الأسر على يوم العيد، بل تبدأ من يوم الخامس أو السادس من ذو الحجة.
كان احتفال الأطفال يبدأ قبل دخول الشهر بأسبوعين، حيث تجوب شوارع تريم قديما الفرقُ الإنشادية بالألحان الشجية، مثل "حنة" (الطويس البهية) نوع من الإيقاعات الحضرمية وأشعار يتخللها الدعاء والتكبير، منها "لا بد من فرج الله والهموم تنجلي" حيث يصطف الأولاد في صفوف منتظمة، رافعين أصواتهم بالإنشاد، يتقدمهم الصف الأول ضاربًا بالطبول والدفوف.
وتمر هذه الفرق على معظم الأحياء والمنازل للإنشاد عند أبوابها، منشدين : "لا بد من فرج الله والهموم تنجلي"، و"وابشروا بالخير باب مولانا مفتوح"، و"يا سادة لا تقطعون العادة"، وغيرها. وكلها دعاء بالفرج من المكاره، وبشارة بانجلاء الهموم، ثم يسلمون على الأهالي في المنازل كلٍّ باسمه، كمثال "مساك الله بالخير يا عبد الله بالسعادة والعيادة بالقلوب"، ويقدم بعض أهل البيوت لهؤلاء الأولاد بعض الأوراق النقدية.
في عصر يوم السابع من ذي الحجة يشارك الأولادَ في احتفالات "الجبل" مجموعةٌ من الشباب والأدباء والمفكرين والفقهاء، ويكون كلٌّ على حدة. ولكنهم هؤلاء يتناولون الشاي أو غيره، مستأنسين أثناء ذلك بالنقاش والمحاورات، وبعضهم يتفقد آثار الصيد الجبلي كالأوعال. وتنطلق الصيحات بهذا قائلين (عيني عليه ذاك لي في رأس الجبل يا عن قرنبوه) وينتهي مدد لمذكورين من المثقفين والعلماء وكبار السن مع أذان المغرب.
فيما يستمر بقية الأهالي في جلسة السمر حيث يتم خلالها إشعال النار وطبخ اللحوم المشوية في أماكن التجمعات في الجبال و"التسامر" إلى منتصف الليل.