في التقرير الضافي لمجموعة الأزمات الدولية المكثف والشامل «تقرير الشرق الأوسط»، رقم (216)، يوليو/ تموز 2020، يتناول التقرير المواجهات الإقليمية. وحقاً، فإن المواجهات الإقليمية: السعودية الإماراتية– الإيرانية، قد قويت بمقدار ضعف القوى الداخلية المتحاربة، ومع استمرار الحرب الأهلية واستطالتها تضعف هذه القوى أكثر فأكثر لصالح الصراع الإقليمي والدولي.
يشير التقرير إلى الدور السعودي في اليمن، ويسمي السعودية "صانعة الملوك"؛ وهو صحيح إلى حد ما، ولم يكن التقرير دقيقاً في توصيف الموقف السعودي بأنه داعم ليمن موحد، وإن أشار إلى تعقيد موقفها من دعم الانفصال.
منذ البدء لم تكن المملكة محبّذة لقيام كيان قوي في اليمن، وكان التخوف شديداً من قيام كيانات عربية قوية، سواءً في مصر، أو سوريا، أو العراق، وخصوصاً في اليمن. أما دعمها للقبائل الرافضة للدولة القوية أو العصرية الحديثة، فمعروف، والحروب منذ 1934، وحتى اليوم، لا غاية لها غير إضعاف الكيان اليمني، حتى لو كان الحاكم موالياً شأن علي عبدالله صالح مثلاً.
ويتناول التقرير تقلص خيار الحسم العسكري لدى "التحالف العربي"؛ بسبب تشكك الرياض في الحماية الأمريكية، وانسحاب الإمارات من الجنوب، مشيراً إلى حالة المد والجزر في حالتي الحرب والمحادثات مع أنصار الله (الحوثيين).
إنهاء الحرب أكثر صعوبة من الدخول فيها، وهذه حقيقة يؤكد عليها التقرير. ويشير: "فشلت السعودية في القيام بدور الوسيط. القتال بين الشرعية [الحكومة المعترف بها دولياً] والانتقالي [المجلس الانتقالي الجنوبي] مؤشر انهيار التحالف. الأطراف الثانوية يمكن لها أن تلعب دوراً في إعاقة الحل". كما يشير إلى أن مجرد التقارب بين السعودية وأنصار الله (الحوثيين) يثير المخاوف لدى الشرعية وأتباعها؛ فيجري تصعيد الحرب. والمشكلة أن الجميع يفقد الثقة بالجميع، مؤكداً أن كل أطراف الحرب الأهلية يتفقون على قضية واحدة هي أن السعودية لا تمتلك كل أوراق اللعبة، وأنها واهمة في القدرة على امتلاك الحل؛ مدللاً بانهيار اتفاق الرياض؛ وهي قراءة صادق وصائبة لا يعرفها من لا يعرف اليمن، ومهارة اليمنيين في الحروب.
يحدد التقرير هواجس الرياض من وجود لاعب غير تابع للدولة مدعوم من إيران على حدودهم، مهيمن عسكرياً، ويمثل تهديداً وجودياً. وحقاً، فإن كل الأطراف لا تمتلك رؤية للحل، والقرار ليس بيد طرف واحد، فهو موزع بين أكثر من طرف، حتى داخل الطرف الواحد، والسعودية- الطرف الأقوى في التحالف -خير مثال، فأضعف طرف في التحالف يستطيع إفشال تكتيكاتها.
يشكك الإيرانيون، ومعهم حق، في عمق العلاقة بين أنصار الله (الحوثيين) وإيران؛ فالعلاقة -حسب التقرير- تثير التكهنات والجدل. والواقع أن ربط الصراع بين أنصار الله (الحوثيين) والسعودية بالبعد الديني فقط غير دقيق؛ فالبعد السياسي حاضر بقوة، وهو الأساس؛ فقد تحالف الملكيون مع السعودية ضد الجمهورية. لا ننكر البعد الديني، ولكنه موظف للصراع السياسي، والتحالف مع إيران ليس أساسه المذهب، وإنما البعد السياسي، ومقتضيات الصراع، والتوافق المذهبي بين إيران وأنصار الله (الحوثيين) مصطنع.
يشكك التقرير في استقلال أنصار الله ا(لحوثيين) عن إيران، ومعه حق، ولكنه يرى أنهم مجموعة يمنية مدفوعة بأولويات داخلية وليست خارجية، وأن الحرب هي ما يعمق العلاقة بطهران، والصراع الإقليمي بالنسبة لهم ورقة مساومة. وبالنسبة لإيران، فالحرب في اليمن كلفتها منخفضة، وفرصة لإغراق خصمها السعودي في مستنقع، وهي -أي الحرب- في اليمن رد فعل على ما يجري في سوريا. أراد السعوديون أن يجعلوا من سوريا فيتنام لإيران؛ فرد لهم الإيرانيون الجميل في اليمن، بتعبير التقرير.
ويشير التقرير إلى أن اليمن أصبح عالقاً بين الصراع الإقليمي- بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى.
الإمارات العربية المتحدة
يتناول التقرير انضمام دولة الإمارات إلى الحرب دعماً للسعودية، مؤكداً أن الإمارات غيرت مسار الحرب بمساعدة جيشها للجنوبيين على إخراج تحالف "الحوثيين- صالح" من الجنوب، وتحرير المكلا من تنظيم القاعدة. وهنا نضع أكثر من علامة استفهام وتعجب. فجيش القاعدة استمر يحكم حضرموت لما يقرب من عام، وفجأة اختفوا، ولا قتلى، ولا جرحى، ولا أسرى. فمن يسمونهم "الدواعش" و"القاعدة" جنّ أو عفاريت يحكمون ويقتلون، ويعيثون، ويدمرون الحضارة في العراق وسوريا وأفريقيا ثم يختفون كجن سليمان، ولكنهم جنّ الأنظمة العربية المستبدة كلها، وللأمريكان ولإسرائيل النصيب الأكبر من هذه التركة الوبيلة؛ فظهور "داعش" و"القاعدة" وحكمهم في حضرموت وأبين، يعني أنهم طرف في اللعبة، وموزعون على أطراف الحرب الأهلية والإقليمية والدولية.
ويُجْمل التقرير دور الإمارات في الجنوب فيما يلي بإيجاز شديد: "حققت الإمارات انتصاراً سريعاً في الجنوب. تمكنت من طرد القاعدة من المكلا، وحققت انتصارات في الساحل الغربي ضد أنصار الله الحوثيين. أصبحت شريكاً رئيسياً للأمريكان في محاربة الإرهاب". ويعزو انسحابها من الجنوب بسبب توتر العلاقة مع هادي، وعدم تطابق أهدافها مع السعودية. وهنا أيضا نتساءل: ما هي الأهداف غير المتطابقة بين قيادتي التحالف؟
يعتقد هادي والسعودية بأن المزيد من الحصار سيفرض قيوداً إضافية على الحوثيين يفقدهم القدرة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات للسكان. والحقيقة أن أنصار الله (الحوثيين) لا يدفعون المرتبات، وغير معنيين بالخدمات.
وقد أيقن الإماراتيون أن الحرب لا يمكن كسبها عسكرياً، وقد عرفوا أن السعودية لا تمتلك استراتيجية خروج، إضافة إلى فساد حكومة هادي، وموقفهم من حزب الإصلاح. بقي أن نضيف أن الإمارات، ومنذ وطئت أقدامها أرض الجنوب، بدأت ببناء قوة من الأحزمة الأمنية والنخب العسكرية في مختلف مناطق ومدن الجنوب، وأسست مليشيات تصل إلى ما يقرب من مئتي ألف مقاتل؛ بحيث أصبح وجودها الرمزي مغطى بقوة مليشاوية بديلة، إضافة إلى المجاميع السلفية، وقوة طارق محمد صالح.
يتضمن التقرير أسباباً أخرى لانسحاب الإمارات، منها: حملة التشهير التي قادها الرئيس هادي وحزب الإصلاح، والحملة الدولية ضد ممارساتها التي وصلت إلى الكونجرس الأمريكي. ومهما يكن الأمر، فإن ظل الإمارات مازال حاضراً في الجنوب، ولا تزال لاعباً رئيسياً فيه.
الجهود الدولية للخروج من المأزق
تحت هذا العنوان يتناول التقرير مفاوضات الكويت، ومفاوضات كيري- وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، وجولات المبعوث الأممي. وكلها فشلت بسبب الفجوة غير القابلة للتجسير بين أنصار الله (الحوثيين)، وحكومة هادي المعترف بها دولياً. ويأتي التقرير على تناول مطالب كل طرف من الأطراف، وهي مطالب البعض منها صعب التحقيق إن لم يكن مستحيلاً.
يتناول التقرير الانقسام السياسي، وانقسام المناطق. وأضيف: الانقسامات داخل كل طرف من أطراف الصراع كلها تمثل تحديات أمام الحل السياسي. السعودية، والحكومة المعترف بها دولياً، وأنصار الله (الحوثيون)، كلهم يعارضون انضمام أطراف أخرى للتفاوض. ويرى التقرير: أن الإطار الحالي للتفاوض غير ملائم، مشدداً على توسيع المشاركة مجدداً، وداعياً لاتفاق يعترف بالوقائع على الأرض، والتعلّم من الماضي، ومنح الأولوية للقضايا المعيشية، وآليات الإشراف المحلية الفعالة، وضمان الدعم الدولي.
الخلاصة
"على مدى العقد الماضي ما كان أصلاً أفقر بلدان العالم العربي، أصبح مكانا لأسوأ أزمة إنسانية في العالم". هكذا بالنص يورد معدو التقرير، مؤكدين أن أطراف الصراع يفوتون الفرصة على الحل، رغم انتشار كوفيد 19 في أكثر بلدان العالم هشاشة، كدليل على انعدام الضمير. مشيراً إلى احتمال المزيد من التشدد من مختلف الأطراف؛ فأنصار الله (الحوثيون) يعتقدون بأن الوقت يعمل لصالحهم إذا ما استمر القتال، في حين يعتقد هادي والسعودية بأن المزيد من الحصار سيفرض قيوداً إضافية على الحوثيين يفقدهم القدرة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات للسكان. والحقيقة أن أنصار الله (الحوثيين) لا يدفعون المرتبات، وغير معنيين بالخدمات.
ويرى معدو التقرير أن استمرار الحرب ليست لمصلحة هادي والسعودية بعد تآكل مواقعهما التفاوضية، مع تعزيز سيطرة أنصار الله (الحوثيين)، وتهاوي الكتلة المعادية، ويرى أن سمعة السعودية ساءت كثيراً بسبب الحرب، وكذلك ماليتها العامة.
الاستمرار في الحرب رهان سيء إذا ما انفجرت الكتلة المعادية لأنصار الله (الحوثيين)، أو دخل بعضها في تحالف معهم، والاحتمالات كلها واردة. والأكيد أن استمرار الحرب ليس في مصلحة أحد، وأن الضحية الكبرى هي شعوب المنطقة كلها، واليمنيون خاصة.