تحقيق: نورا الظفيري/ لطيفة الظفيري
منذ اندلاع الحرب في اليمن، أصبحت مدينة صنعاء القديمة مهددة بفقدان مركزها الثقافي كإحدى المدن المدرجة ضمن لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو 1986.
تعاقبت على المدينة الأثرية أحداث عدة، مع تعرضها للقصف الجوي من قبل طيران "التحالف العربي" بقيادة السعودية والإمارات في مايو/ أيار 2015، وضعف الرقابة الرسمية على الاستحداثات في طابعها التاريخي، ومؤخراً صارت الأمطار الموسمية الغزيرة، والحالة الاقتصادية لقاطني المدينة، من العوامل التي تقوّض معمارها الفريد، وتأتي على الميادين والمساحات المخططة بعناية.
مؤخراً دار حديث عن خطط دولية لإنقاد مدينة صنعاء القديمة، ومدن تاريخية يمنية أخرى، من الأضرار التي أصابتها مع مرور الزمن، وجعلتها مهددة بالشطب من لائحة منظمة اليونسكو للتراث العالمي. استقصت "خيوط" حجم الجهود المبذولة في هذا الجانب، وهل ترقى إلى مستوى التهديد المتنامي الذي تواجهه هذه الحواضر الإنسانية المرموقة.
في لقاء مع خالد الإبراهيمي، رئيس الهيئة العامة للمحافظة على المدن والمعالم التاريخية، قال إن الهيئة تواصلت مع منظمة اليونسكو، من أجل إنقاذ التراث والتاريخ وإخراجه من دائرة الأزمة التي يعانيها في ظل الظروف القائمة والحرب الدائرة في البلاد، بالإشارة إلى هجمات طيران "التحالف العربي" بقيادة السعودية والإمارات.
وقال الإبراهيمي إن منظمة اليونسكو "استجابت من المخاطبة الأولى، وقامت ببعض الإجراءات"، موضحاً أن المنظمة الدولية قامت بثلاث زيارات إلى اليمن، جلست خلالها مع مسؤولي الهيئة، وبالتنسيق معهم، نفذوا زيارات متعددة إلى مدينة صنعاء التاريخية.
وتحدّث الإبراهيمي عن أن مسؤولي المنظمة الدولية أبدوا اهتماماً كبيراً، وأن الهيئة "حملتهم المسؤولية الأخلاقية والتاريخية".
وقال الإبراهيمي إن اهتمام اليونسكو انصب في إيجاد بعض الدعم، الذي مكنهم من تنفيذ عدد من مشاريع [الترميم] في أربع مدن، ثلاث منها مسجلة في لائحة التراث العالمي، مثل صنعاء وشبام حضرموت وزبيد، إلى جانب مشاريع منفذة في مدينة عدن.
وإلى جانب مدينة صنعاء القديمة، تعرضت مدينة شبام حضرموت، المدرجة ضمن اللائحة العالمية، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، لأضرار لحقت أكثر من 200 منزل مبنية من الطين، مع انفجار سيارة مفخخة في الجهة الجنوبية من المدينة، وكان "تنظيم الدولة الإسلامية" أعلن مسؤوليته عن الهجوم.
وأوضح الإبراهيمي أن دعم اليونسكو تحدد بما يعادل 12 مليون دولار، معتبراً أن المشاريع التي يتطلبها الترميم كبيرة جداً، وأن هذا المبلغ لا يفي حتى بـ 30 بالمئة من الغرض، "لكنها أحسن من لا شيء، كونها تعتبر عملية إنقاذ".
الإبراهيمي أكد أيضاً أن الهيئة التي يرأسها بصدد تنفيذ هذه المشاريع، كونها الجهة المنفذة، وأن الممول لهذه المنحة المالية التي تتولاها اليونسكو، هو الاتحاد الأوروبي، والوسيط في هذه العملية، هو الصندوق الاجتماعي للتنمية.
وبالنسبة للرقابة على هذه الإصلاحات، قال الإبراهيمي إن هناك عدة جهات رقابية ومعقّبين على تنفيذ العمل، آخرها كانت شركة يونانية لمتابعة سير عمل الهيئة بتكليف من الاتحاد الأوروبي، لمراقبة الأعمال وسير المشاريع وفقاً للنمط المتبع في المدن التاريخية.
وعن ما تم إنجازه حتى الآن من أعمال الترميم، أشار الإبراهيمي إلى أن "وتيرة العمل تجري على قدم وساق، في أكثر من أربعين منزلاً يجري ترميمه في مدينة صنعاء"، وأن لديهم خططاً ضمن المشروع تخص "حي القاسمي" و"بروم"، وتستهدف ترميم أكثر من 26 منزلاً من التي تأثرت بالقصف الجوي لطيران "التحالف العربي" في 2015.
واختتم الإبراهيمي حديثه بالقول إن هناك معايير محددة فنياً تعتمد على أكثر من 16 معياراً، منها ستة معايير تعتبر رئيسية، ويتم الاعتماد عليها في إدخال المنازل في قائمة الترميم، ويجري العمل أيضاً على ذات المعايير في المدن الأخرى كشبام حضرموت وزبيد وعدن.
المنازل الأكثر تضرراً
المهندس مجاهد محمد طامش، وكيل الشؤون الفنية في الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية، قال لـ"خيوط"، إن الهيئة أجرت في العام 2017، حصراً لمعظم أجزاء مدينة صنعاء القديمة المتضررة، بإجمالي 2542 منزلاً. نتائج هذا الحصر أظهرت أن 1467 منزلاً تحتاج إلى تدخل سريع، بسبب الأضرار المتفاوتة ما بين متوسطة وجسيمة.
وأوضح طامش أن الهيئة حصلت على المرحلة الأولى من الدعم والمتمثلة في ترميم قرابة 40 منزلاً، موزعاً بين ثلاث مناطق تعرضت للقصف الجوي، وهي "حي القاسمي" و"حيّ الفليحي"، وحي "المدرسة".
وبحسب طامش، خلصت نتائج مسح الهيئة في 2017، للمناطق التي تعرضت للقصف في مدينة صنعاء التاريخية، إلى أن 129 منزلاً كانت الأكثر تضرراً، تم اختيار 40 منزلاً منها، بحسب ما هو معتمد في المرحلة الأولى، ليتم بعد ذلك استيعاب بقية المنازل في المراحل القادمة التي يحاول المشروع استيعابها.
واعتبر "حارة القاسمي" أحد المشاريع الطارئة بسبب حجم تضررها، حيث تم اعتماد البيوت ضمن خطط الترميم على أساس قربها من منطقة الانفجار. وكان الصاروخ الذي استهدف الحيّ، أوقع أضراراً كبيرة في "مقشامة بروم" و"بيت عبدالقادر" و"بيت الوتاري"، ولذلك تم اختيار الطوق الأول من المنازل المجاورة للانفجار وهي الأشد ضرراً وتقدر بـ22 منزلاً.
وفي السياق، وصف المهندس عقيل نصاري، نائب رئيس الهيئة، حجم الأضرار التي تتعرض لها صنعاء، بالقول إن 50 في المئة من المنازل المتضررة كانت بسبب الأمطار، و50 في المئة بسبب الضربات الجوية. ولم يتسنّ لـ"خيوط" أن تتقصى هذه المعلومة من مصدر مستقل.
وبحسب نصاري، فإن معايير إدخال المنازل ضمن التقييم الأولي للترميم، تشمل المستوى: الاجتماعي، والتاريخي، والثقافي، والاقتصادي للساكن. وأن اللجنة عند نزولها، اضطرت للمفاضلة بين مائة منزل، بحيث يتم تمييز المنزل الذي يحصل على نسبة أعلى، باللون الأحمر، ثم يليه البرتقالي، يليه الأصفر، والذي يمثل الفئة الأخيرة المتضررة بتشققات بسيطة.
خطة استجابة عالمية
منظمة اليونسكو كانت أطلقت في 13 مايو/ أيار 2015، خطة استجابة طارئة لحماية التراث الثقافي اليمني، بعد تقارير عن تضرر العديد من مواقع التراث الثقافي في جميع أنحاء اليمن جراء الحرب. كما قام مكتب اليونسكو في دول مجلس التعاون الخليجي واليمن، بتطوير سلسلة من أنشطة الاستجابة الطارئة والتي "تهدف إلى حماية المواقع الثقافية اليمنية والآثار ذات القيمة العالمية من الصراع الدائر في البلاد".
وقالت اليونسكو في بيان لها إنها تلقت تقارير من مؤسسات ثقافية وخبراء في اليمن عن أضرار جسيمة لمواقع التراث الثقافي المهمة في البلاد، حيث بينت عدة تقارير إعلامية ومصادر رسمية، أنه خلال القصف العنيف الذي وقع ليل 11 مايو/ أيار 2015، في صنعاء، تضرر موقع التراث العالمي لمدينة صنعاء القديمة بشدة، مما تسبب في أضرار للعديد من المباني التاريخية.
استشاري الترميم: يتم إعادة البناء بالأحجار السليمة ذاتها، وفي حالة الأحجار المتضررة والمتآكلة نحاول استبدالها بجديدة
إلى ذلك، تحدث لـ"خيوط" المهندس عادل معوضة، مدير عام التخطيط في هيئة المدن التاريخية والمشرف على جزء من أعمال الترميم في حارة القاسمي، وأفاد أن "المنازل كلها متضررة على إثر قصف الصاروخ للمنطقة، بتشققات وانهيارات جزئية".
وقال معوضة إنه "تم وضع خارطة لشبكة المباني المتضررة، والمطلة على المقاشم بشكل عام، وتم تحديدها ابتداء من "بيت كيدمة" و"بيت السياغي" و"بيت المطري"، ومنزل الأستاذة سهيرة علوس والمنازل الخمسة المهدمة إثر الصاروخ، و"بيت الوتاري"، مشيراً إلى أن حملة الترميم تتجه شمالاً إلى مجموعة من البيوت، وهو المحيط الذي تضرر من القصف، ناهيك عن التي تهدمت بفعل القصف.
أما المهندس الاستشاري لمشروع الترميم، خالد وهّاس، فيرى في حديثه لـ"خيوط"، أن المشروع إنقاذي فقط، وليس للترميم الكامل، وإنما لإزالة الأضرار التي يترتب عليها إعادة الترميم مستقبلاً.
ويؤكد وهاس أن المباني المتضررة في حارة القاسمي، هي من جراء القصف الجوي، وأن عددها من 22 إلى 30 منزلاً، وقد تم تحديد الأضرار التي سيتم العمل عليها عند القيام بالترميم، مثل التشققات أو المناطق المنتفخة في المنزل أو السقوف أو التي تحتاج إلى دعم في الأساسات بحيث تتماسك إلى مرحلة أخرى من الترميم.
معايير تاريخية للترميم
واستمعت "خيوط" لإفادات عدد من مُلّاك المنازل المتضررة. عبد الغني الثلايا وهو مالك منزل في "حارة القاسمي"، أكد أن منزله تضرر بسبب القصف الجوي لطيران "التحالف العربي"، وبسبب الأمطار. يقدر عبدالغني عمر المنزل بـ800 سنة، وهو أحد المنازل الكبيرة والتاريخية داخل المدينة القديمة.
وأوضح الثلايا أن "عملية الترميم كانت في ثلاثة سقوف في الطابق السادس، وقد تم استخدام المواد القديمة في عملية الترميم، بما في ذلك ترميم بيت الدرج". وقال الثلايا إنه "كانت هناك مشكلة في عملية ترميم بيت الدرج، حيث حاولت أن أوضح للمهندس بأن ترميم بيت الدرج بـ"المالج" يؤدي إلى تسرب ماء المطر إلى سقف وجدار الدور السادس، ولكنهم رفضوا أن يُستخدم الإسمنت، وقالوا إنهم يقومون بترميم المنزل وإنقاذه حسب مواصفات البناء القديمة".
لكن لخالد وهاس، استشاري الترميم، رأي آخر، حيث قال: "نحن نحاول قدر الإمكان إعادة الترميم بنفس الكيفية السابقة التي كانت بها المباني، حيث يتم إعادة البناء بالأحجار السليمة ذاتها، وفي حالة الأحجار المتضررة والمتآكلة نحاول استبدالها بجديدة، ويتم استبدال الحجر الأسود ودعم الأساسات، وإن شاء الله يكون العمل ملائماً للبيوت إذا ما تضررت مستقبلاً".
ترميم داخلي
من جانبه، قال لـ"خيوط" عبد الغني محمد الحضرمي، أحد ملاك المنازل المتضررة في "حارة القاسمي": "بدأت أعمال الترميم في 4 يوليو/ تموز 2020، وكان تسجيل المنزل في رمضان الماضي".
وأضاف: "كان الترميم داخل المنزل بحسب الضرر الظاهر في البيت، والمتمثل في التربة المالحة في الدور الأول وتم تغييرها بحجر، وكذلك السقوف التي كانت قد بدأت تتساقط فوق رؤوسنا، والتي تضررت بسبب الأمطار وقصف الطيران".
واعتبر الحضرمي أن الترميم الحالي هو الأول من نوعه، حيث تدخلت الهيئة بترميم منزله منزله من الداخل، بينما كان هو نفسه من يقوم دائماً بعملية الترميم داخل المنزل. "البيوت القديمة تحتاج إلى ترميم مستمر، لكن ظروف البلاد لأكثر من خمس سنوات كانت عائقاً أمام ترميمه".
وقال الحضرمي: "هناك بئر قديمة داخل بيتي ولا يوجد فيها ماء، تم منعي من ردمها كونها معلماً أثرياً، ولكن أصبح ضرر البئر على البيت أكثر من نفعها، فهي تسبب رطوبة وملوحة وانهيارات في التربة، خصوصاً أنها بجوار قطب البيت (ركيزة البيت) ما يؤدي إلى ضغط على التربة الضعيفة أسفلها. البيوت القديمة مبنية من الزابور، ومع رطوبة البئر يتحول الزابور إلى تراب مفتت".
وقال الحضرمي إنه تحدث مع الهيئة بشأن هذا الأمر، لكنها رفضت ذلك، وتمنى أن يكون هناك مهندسون ومختصون لبحث مسائل التربة والرطوبة، وخطورة وجود البئر على المنزل الأثري.
أحمدالقليسي، وهو أيضاً أحد سكان صنعاء القديمة، اتفق مع الحضرمي على أن هذه البادرة في الترميم "تعتبر الأولى من نوعها ونستطيع القول إنه يتم ترميم البيوت من 30 في المئة إلى 50 في المئة من الأضرار الجسيمة".
وأكد القليسي على "ضرورة النظر في الآبار الموجودة داخل المنازل القديمة لأنها تؤدي إلى أضرار داخل المنزل من رطوبة وانزلاق التربة مما يؤدي إلى انهيار البيوت وقد حدث هذا في بيت بقاع العلفي".
سهيرة.. قصة نجاح
وكان ملّاك المنازل المتضررة، شرحوا لـ"خيوط" معاناتهم بعد تعرض منازلهم للقصف الجوي من قبل طائرات "التحالف العربي" عند الساعة الـ02:00 فجر الـ12 من يونيو/ حزيران 2015، في "حارة القاسمي".
سيتم تنفيذ أعمال الترميم على مراحل لمدة سنتين، عبر الصندوق الاجتماعي للتنمية والجهات المختصة كهيئة المدن التاريخية وهيئة الآثار، وبالتعاون مع السلطة المحلية.
وقالت سهيرة علوس، إحدى ضحايا القصف، إن معاناتها طالتها مع أبنائها الأيتام طوال فترة بحثها عن سكن بديل، وإعادة بيتها الذي دمره القصف: "ذهبت إلى كل مكان في الدولة لعل هناك أملاً في إعادة بناء منزلنا، لكن دون جدوى".
وأوضحت علوس أنها باعت ما تملك من ذهب، وأن زميلاتها في المدرسة منحنها من ذهبهن أيضاً، لتُعيد بناء منزلها الذي لقيت فكرة إعادة بنائه معارضة وتجاهلاً من الجهات المختصة.
تقول: "مع ذلك واجهتني مشاكل حيث عارضت الهيئة، وطلبت مني تركه هكذا على إثر القصف، وحدثت بعض المهاترات بيني وبينهم، ثم في النهاية وافقوا على تركي أبني بيتي مرة أخرى".
تواصل علوس: "في البداية كُنت سأبني ببلك (قوالب الخرسانة المخرمة) لأني مضطرة، ليس لدي سكن، وقد قعدت في منازل الإيجار حوالي ثلاث سنوات خسرت فيها مليون ريال رسوم الإيجار بعد أن بعت ذهبي.. هذا الأمر جعلني أفكر ببناء منزلي لأعود أنا وأبنائي للسكن فيه قبل أن أكمل ما بقي من ذهبي في الإيجارات".
وأشارت علوس إلى أن هيئة المحافظة على المدن التاريخية "قامت بوضع أساسات منزلي ومنزل عبدالقادر، وتوقفت بعدها ولم تكمل وانتظرت لفترة". وتابعت بالقول: "بعد ذلك فكرت بالبدء في بناء منزلي، وقد أشار عليّ المهندس مجاهد طامش والمهندس عقيل النصاري بالبناء بالمواد الموجودة في مكان تهدم المنزل، من بقايا الأحجار، وفعلاً بنيت الدور الأول بأحجاري القديمة، حتى وصلت إلى السقف، وهنا عجزت لأنه مطلوب مني عمل أصبع وليس لدي التكلفة، لكن زميلاتي ساعدنني، وأكملت الدور الثاني، ودخلت منزلي وهو فقط قص (جبس)".
وتقول علوس: "أعدت منزلي كما كان في السابق، في طابقيه الأول والثاني دون مخالفة لما هو في المخطط، وهو ما جعل المهندس عبدالحكيم السياغي عند زيارته للمنزل يُصّرح بأنه سيتم بناء الدور الثالث لي كجائزة، لأني بادرت وأعدت منزلي دون مخالفة وعلى الطراز القديم، وها هم الآن يقومون ببناء الدور الثالث لي فيما سأقوم بعمل التشطيبات الداخلية للدور المبني".
النقد مقابل العمل
المهندس نبيل منصر، خبير التراث العمراني في مشروع اليونسكو، تحدث لـ"خيوط" عن فكرة مشروع الترميم. "عقدت اليونسكو مؤتمراً تضامنياً مع اليمن في مركزها الرئيسي في باريس 2015، حضره العديد من الخبراء من جميع أنحاء العالم، وحضره وفد اليمن في اليونسكو ورئيس هيئة المدن ورئيس هيئة الآثار." قال منصر.
ويتابع: "بعد فترة في العام 2018، نجح المكتب الإقليمي لليونسكو المسؤول عن دول الخليج واليمن في الحصول على دعم من الاتحاد الأوروبي، لتنفيذ مشروع يسمى "النقد مقابل العمل" لدعم الشباب لتوفير فرص تحسين سبل العيش في أربع مدن تاريخية، صنعاء القديمة وزبيد وشبام حضرموت وعدن".
وأوضح منصر أن "الأعمال في صنعاء القديمة تهدف لترميم وإنقاذ 100 منزل، بحسب تصنيف مقدار الأضرار، بالإضافة إلى 28 منزلاً في "حارة القاسمي" وما حولها، وكذلك ترميم السور الشرقي وإعادة تأهيل وتحسين منطقة "باب السبَح"، بالإضافة إلى تنفيذ أعمال إنقاذية لمبنى المتحف الوطني بصنعاء، وإعادة تأهيل بستانين ومقشامتين".
وأفصح منصر عن تجهيزهم ورشاً لإعادة إحياء ودعم حرف البناء التقليدي، ونقل الخبرات في هذا المجال إلى الشباب، بالإضافة إلى دعم بعض الجمعيات ذات العلاقة ورفع مستوى الوعي وبناء القدرات للجهات المختصة.
وأشار منصر إلى أنه سيتم تنفيذ كل هذا على مراحل لمدة سنتين، حيث تنفذ هذه الأعمال عبر الصندوق الاجتماعي للتنمية والجهات المختصة كهيئة المدن التاريخية وهيئة الآثار وبالتعاون مع السلطة المحلية.
وبحسب منصر، فإنه تم البدء بهذه الأنشطة في شهر رمضان المنصرم، والعمل جارٍ بترميم 32 مبنىً حتى الآن، وسيتم بالتدريج التقدم بتنفيذ المشروع بحسب الإمكانات وبطريقة مرنة وبمهنية عالية، على حد قوله.
فرص عمل
وعلى صعيد العمالة، أوضح طامش، وكيل الشؤون الفنية في هيئة المحافظة على المدن التاريخية، أنه "تم فتح باب التسجيل في الهيئة لتشغيل أيادٍ عاملة من داخل صنعاء القديمة من الفئة المحتاجة للعمل، على الرغم من أن نوعية الترميم الذي نقوم به لا يحتاج عدداً كبيراً من العمالة". وتابع: "ولأن الأعداد الكبيرة من العمالة تشكل عبئاً على عمل المشروع. استعنّا في ترميم 22 منزلاً متضرراً في حي القاسمي بـ 111 يداً عاملة من أهالي صنعاء القديمة".
أما وهاس، استشاري الترميم، فيرى أن "نوعية العمل في ترميم مباني صنعاء القديمة تحتاج إلى يد عاملة تكاد تكون شبه معدومة، خاصة الأساطية القديمين(البنائين المهرة) الذين يعتمد عليهم في كيفية الترميم والفَلس (فصل أحجار الجدران) وإزالة الأضرار".
ويعتبر وهاس أنه في حالة وجود قدامى البنائين المهَرة، فإن الهيئة "تستعين بمهاراتهم وخبراتهم لترميم المنازل القديمة، لأن الترميم الجزئي يحتاج لخبرتهم التي تفوق المهندسين الخريجين من الجامعات الآن، ولو وجدنا بنائين قدماء، نتخذ منهم عوناً في عملية التوجيه والإشراف على البنائين الجدد".
المنازل التي بجوار الجامع الكبير مشكلتها معقدة، حيث أنها تضررت بسبب المجاري الخاصة بالجامع قبل حوالي عشرين سنة، على أن تتكفل بعملية الترميم والإنقاذ، أمانة العاصمة والمؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي
معظم المنازل مهددة
إلى ذلك، التقت "خيوط" عدداً من سكان المدينة القديمة الذين شكوا بأن منازلهم متضررة، ومع ذلك لم تدخل ضمن مخطط الترميم القائم. لكن للمهندس مجاهد طامش رأي آخر، حيث يقول: "بشكل عام، ومع الأوضاع التي تمر بها البلاد، أصبحت معظم المنازل في صنعاء مهددة بالخطر، وتحتاج إلى تدخل عاجل وإلى ترميم، ولكن المواطن وبسبب الظروف لا يستطيع أن يعمل في منزله شيئاً".
وتابع: "هذا شيء مؤلم، لقد وصلنا إلى مرحلة وجدنا فيها أنفسنا مكتوفي الأيدي، ولا نستطيع عمل شيء في ظل ظروف الدولة التي لا تستطيع أن تتكفل بعملية الترميم، وكذلك التمويل الخارجي المحدود".
ونوه طامش إلى أن هذا الأمر، يؤدي إلى "صراع ومواجهة مع المواطن، حيث كل الناس يحتاجون إلى ترميم منازلهم، وقد وصلَنا حتى الآن أكثر من 1000 طلب من المواطنين، للنظر في منازلهم وترميمها، لكن مبلغ الترميم محدود، وحاولنا اعتماد منازل محددة ولا نستطيع حذفها أو تبديلها بمنازل أخرى".
منازل مهجورة
وفي سياق المنازل المتضررة، مرّت "خيوط" بالمربع السكني الذي يضم الجامع الكبير، وشاهدنا جزءاً من المنازل التاريخية المهجورة والمهدمة بشكل جزئي أو كلي، وعند طرح المشكلة على وكيل الهيئة، طامش، رد:
"المنازل التي بجوار الجامع الكبير مشكلتها عويصة، حيث أنها تضررت بسبب المجاري الخاصة بالجامع الكبير قبل حوالي عشرين سنة، على أساس أن تتكفل بعملية الترميم والإنقاذ أمانة العاصمة والمؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي في ذلك الوقت، لكن عملية الترميم توقفت، فزادت الأضرار، حيث تركها أصحابها، وتم اعتماد إيجارات شهرية من أمانة العاصمة لفترة محددة، ثم انقطع عنهم هذا الأمر".
وقال طامش إن "الأضرار توسعت مع الأيام، ولم تصل المباني إلى مرحلة الإنقاذ التي كانت تتطلبها في ذلك الوقت، فقد كانت التكاليف الخاصة بها في ذلك الوقت بسيطة، وقد زادت الآن إلى عشرات الأضعاف ومن مرحلة ترميم المنازل إلى إعادة البناء".
خالد الإبراهيمي، رئيس هيئة المحافظة على المدن التاريخية، قال إنهم موعودون بتبني مشاريع بما يخص القطاع الغربي لصنعاء القديمة من جراء السيول والأمطار، وأن هناك عدداً من المشاريع الأخرى فيما يخص المنازل التي تحيط بالجامع الكبير كونها تاريخية ولها قيمة تراثية عريقة جداً، إضافة إلى قربها من الجامع الكبير الذي يعد من المعالم البارزة في العالم الإسلامي، وقال إن هذه الوعود قالت إنها ستعمل على إيجاد منحة تخص ترميمها.