خيوط الفجر
هذا العنوان، وكذا المحتوى، ليس موجهاً ضد أحد كشخص.
نحن أمام حالة عامة لوضع قلعة اقتصادية ومالية ارتبطت من لحظة إنشائها بتنمية البلد الذي خرج من عهد ما قبل ثورة سبتمبر/ أيلول، خالي الوفاض من أي مشروع تنموي !
سيقول المكابرون ألم تر مبنى ومبنى ومبنى... وأقول: كل المباني حق الأتراك! وقد صدمت قبل يومين عندما رأيت تلك الصورة لأعمال إنشاء سكة الحديد، تبدأ من تعز وتنتهي في صنعاء، كيف لو أنها استكملت؟
جاء الإمام يحيى واعتبرها كالطائرات الألمانية تحدياً للسموات والأرض، وحول الطيارين إلى المستشفى كموظفين، أما موظفي سكة الحديد، فيعلم الله مصيرهم، وهناك من لايزال يدافع بأن كل ذلك تم من أجل الاستقلال!
مع إشراقة سبتمبر الثورة، كانت الإشراقة الثانية "البنك اليمني للإنشاء والتعمير"، خلال سنوات تحول البنك إلى واجهة ترعى التنمية، فرأينا شركة "المخا" للزراعة، ومشروع "جميشة" و"سُردد" الزراعيين، ومؤسسة القطن، والمحروقات، وأشكال مؤسسية مختلفة قدمت البنك بقوة. كما بادر يومها كل الناس، من تجار وأفراد، شمالاً وجنوباً، إلى المساهمة في البنك، واسألوا جانبي شارع علي عبدالمغني فلديه الخبر اليقين.
سنوات طويلة ظل البنك يقف شامخاً بكادره الاستثنائي، ومقدرته المالية بلا حدود، حتى بدأ ضرب الاقتصاد الوطني ورأس ماله الوطني، حيث ظهرت استمارة الاستيراد تحت مبرر ترشيد الاستيراد، وأطل التهريب بقرنيه!
الأولى ضربت البيوت التجارية الأصيلة في مقتل، والثاني مترافقة بالأولى، أنتجت فئة أو طبقة "التجار الطفيليين" وهما ما عمل من أجلهما من عمل، للسيطرة على البلاد بالقوة وقوة المال.
كان لا بد من إزاحة البنك، فعملت لوبيات الفساد على نحره من خلال قانون البنوك الأهلية والخاصة، فكان لها ما أرادت. و كما افتتحت مستشفيات خاصة بإمكانيات المستشفيات العامة، فقد اشتغلت البنوك بكادر البنك اليمني الذي جرى حثيثاً تطفيشه بكل السبل ليذهب إلى القطاع الخاص الرجيم، وليته القطاع الخاص الحقيقي، وإنما قطاع الاقتصاد والمال الطفيلي.
في مرحلة المخاض هذه، يلفظ البنك اليمني للإنشاء والتعمير آخر أنفاسه، حيث أضحى جسداً بلا روح، يحاول الكادر القائم على إبقائه ميتاً سريرياً على الأقل، لكن يبدو أنه يعجز حتى عن ذلك.
البنك اليمني انعكاس لتوجّه، وليس الأمر متعلق بمال أو نية حسنة. يبدو أننا قريبا سنسمع ونقرأ إعلاناً يخبرنا بموعد دفنه، ولكن في أي مقبرة؟ لم يعد الأمر مهما بعد سلخ الشاة.
رموز ثورة سبتمبر/ أيلول 1962، تتوارى خلف ستارة السياسة التي قررت ذات لحظة أن تسيطر على كل شيء، وتقلب المعادلة لصالح الدولة العميقة. البنك اليمني للإنشاء والتعمير، ليس مجرد بنك؛ هو حكاية الثورة اليمنية بامتياز وملخصاً لأهدافها
هل سنقول قريباً: وداعاً؟ الشواهد تقول ذلك؛ مع الاحترام للقائمين على إدارته الآن في ظل ظروف غير مواتية.