قلعة حصينة تطلّ على مدينة تعز. يرجع بناؤها إلى القرن الخامس الهجري، وينسب إلى الأمير عبدالله بن محمد الصليحي، شقيق الملك علي بن محمد الصليحي. ولعبت قلعة القاهرة دوراً مهماً في عهد الدولة الصليحية (429هـ/1037م-532هـ/1138م)، كما كان لها دور مماثل في عصر الدولة الرسولية، حيث اتخذها المظفر الرسولي معتقلاً أطلق عليه اسم "دار الأدب"، وفيها اعتقل عمّيه بدر الدين وفخر الدين قبل أن ينفيهما إلى مصر(1). واستمر استخدام قلعة القاهرة كمعتقل من قبل الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين (1948-1962).
تتكون قلعة القاهرة من جزأين: الأول ويسمى "العدينة"، ويضمّ حدائق معلقة على هيئة مدرجات شُيدت في المنحدر الجبلي، وسداً مائياً وأحواضاً نحتت وشيدت في إحدى واجهات الجبل، فضلاً عن القصور التي تتناثر في أرجائه محاطة بالأبراج والمتنزهات. في هذا الجزء توجد أربعة قصور هي "دار الأدب"، "دار الشجرة"، "دار العدل" و"دار الإمارة"، والأخير كان خاصاً بالملك وفيه قصر الضيافة، كما توجد عدد من الأنفاق التي تربط القصور بالخارج عبر ممرات سرية.
الجزء الثاني للقلعة ويسمى "منطقة المغربة"، وفيه عدد من القصور وأبراج الحراسة ومخازن الحبوب وخزانات المياه. أما سور القلعة، فيعدّ أحد الشواهد التاريخية المهمة على تاريخ مدينة تعز، إذ شيّد قديماً ليحوي كل أحياء المدينة القديمة التي يُعتقد أنها تأسست في عهد الدولة الصليحية (القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي) وقد شيد بطريقة هندسية بالغة التعقيد بارتفاع 120 متراً، وبسمك أربعة أمتار، محتوياً على وحدات الخدم وغرف حراسة ما يزال بعضها باقياً حتى اليوم.
أما سور القلعة فقد تواصل مع سور تعز القديمة، والذي كان له أربعة أبواب رئيسة وهي: الباب الكبير، باب موسى، باب المداجر، وباب النصر. وفوق كل باب برج مخصص لحراس المدينة. كما يوجد تحت البوابة الرئيسية للقلعة من جهة الجنوب منطقة "المؤيد"، وتتكون من مدرسة بناها المؤيد في عام 702هـ، وقبة صغيرة وبركة وبقايا متنزه الملك المؤيد، ولم يبقَ من المدرسة سوى "صرحة" (صالة بلا جدران ولا سقف) صغيرة، أما المنتزه، فما زال باقياً بصورة أوضح حتى اليوم.
تقع قلعة القاهرة في السفح الشمالي لجبل صبر، وتطل على مدينة تعز، ويقدر ارتفاعها بحوالي (1500متر) عن مستوى سطح البحر. ترجع المصادر التاريخية تأسيسها إلى ما قبل الإسلام، ولم تذكرها في العصر الإسلامي إلا منذ عهد الدولة الصليحية في القرن الخامس الهجري، عندما أشارت المصادر إلى أن الأمير عبد الله بن محمد الصليحي، شقيق محمد بن محمد الصليحي، اتخذ منها حصناً له، وأعادها إلى واجهة الأحداث التاريخية، ثم استولى عليها (توران شاه) سنة (569هـ / 1173م) بعد أن قضى على قوات (عبدالنبي الرعيني) وصارت في عهد الدولة الرسولية حامية لمقرّ الملك المظفر يوسف بن عمر بن رسول، ثم آلت بعد ذلك إلى الطاهريين في سنة (924هـ / 1518م)، وظلت موقعاً عسكرياً مهماً يسيطر على مدينة تعز حتى وقت قريب.
قلعة القاهرة قامت بأدوار عسكرية وسياسية هامة خلال تاريخها الطويل، وهي في تصميمها لا تشكل موقعاً عسكرياً مهماً فحسب، بل وتمثل تحفة معمارية نادرة التصميم، بما تحويه من منشآت متنوعة، لذا توجهت إليها الأنظار وامتدت إليها يد الترميم والتطوير لصيانتها وتأهيلها لتستقبل الزوار في منشآتها الترفيهية كالمتنزهات والمطاعم والشلالات بالإضافة إلى المكتبة والمسرح والمتحف ومرافق أخرى تقدم خدماتها الراقية لمرتاديها. استغرق ترميم القلعة قرابة 14 سنة، حيث بدأت أعمال الترميم في العام 2004، حتى تم افتتاحها رسمياً بعد الترميم في 27 فبراير/ شباط 2014 .
لم تشهد قلعة القاهرة أي استخدام عسكري منذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962، لكن مع اتساع رقعة الحرب في اليمن عام 2015، سيطرت عليها في البداية قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح ومقاتلو جماعة أنصار الله (الحوثيون)، ومع اقتراب نهاية العام 2016، سيطرت عليها تشكيلات قتالية تابعة لـ"المقاومة الشعبية" في مدينة تعز.
وقد ظلت قلعة القاهرة تستخدم كموقع عسكري من قبل جماعات مسلحة تتبع فصيل (أبي العباس) حتى تاريخ 17 أغسطس/ آب 2018، حيث تم تسليم القلعة للجنة الأمنية المشكلة من قبل محافظ تعز (حينها أمين أحمد محمود)، وتم إعادة فتحها كمرفق سياحي من جديد. ومنذ بدء النزاع، الذي ما زال مستمراً، تناوبت "المقاومة الشعبية" بمدينة تعز وجماعة أنصار الله (الحوثيون) استخدام هذا الموقع الأثري لأغراض عسكرية، وتعبئته بالأسلحة وتخزينها فيه. فحين كان أنصار الله (الحوثيون) يسيطرون على القلعة حتى سبتمبر/ أيلول 2016، كانوا يقصفون مدينة تعز من داخل القلعة. وبعد أن سيطرت عليها المقاومة، منذ سبتمبر/ أيلول 2016، استُخدمت القلعة أيضاً لقصف مواقع تمركز أنصار الله (الحوثيين) في أطراف المدينة.
خلال الفترة من 10- 14 مايو/ أيار 2016، وثقت منظمة "مواطنة" لحقوق الإنسان، استهداف الطيران الحربي التابع للتحالف العربي قلعة القاهرة بـ22 قنبلة خلال 12 غارة جوية. ونظراً للقصف الذي تعرضت له القلعة، واستخدامها لأغراض عسكرية لفترة طويلة تقارب الثلاث سنوات، فمن المحتمل أن تكون معرضة للانهيار (على الأقل في أجزاء منها).
--------------
(1) الموسوعة اليمنية- مؤسسة العفيف الثقافية- ج3 ط2 ص2365