خيوط الفجر
هناك قاعدة تقول: الخبر ملك القارئ، والرأي ملك كاتبه، والإعلان ملك المعلن. قرأتها ذات يوم لأحمد بهاء الدين، الذي وقّع هيكل من أجله ورقة بيضاء، وفي مصعد جريدة الأهرام خاطبه: "أحمد بيه؛ اذهب بتوقيعي للمدام واكتبوا الرقم اللي انتو عايزينه"!
كان هيكل يجيد اختيار الصحفيين، فما بالك أن ينضم إلى الأهرام مهني وكاتب بحجم بهاء. وعندما عاد بالرقم إلى هيكل، استغرب الأخير: "مَخَلاص يا استاذ، ارسله للشئون المالية". ضحك بهاء وقال: "لوكنت عارف حرفع الرقم"!
في نفس الفترة جاء هيكل بنحيب محفوظ الذي كان خرج من الأوقاف متقاعداً بـ75 جنيهاً، ليعتمد للأديب الكبير 500 جنيه؛ "يكفي أن يكون لمحفوظ مكتب في الأهرام..." كان هناك توفيق الحكيم أيضاً، وهذه الاستهلالة لابد منها.
ظهر علينا من ظهر بمقولات: الإرهاب الإعلامي، والإعلام يخوّف الناس، وما عاد باقي الا يؤسسوا لنا جديدهم الذي سيقول: الإعلام حمل السلاح.
إذا كانوا يقصدون قنوات التحريض وصحفها ومطابخها، فعندهم كل الحق؛ فالتحريض ليس إعلاماً، وهم من يؤسسها ويسرّب طبخاتها، على أنه إعلام!
السياسيون، بنفاقهم، وفسادهم، وقلة خيرهم، وصراع الفئات والطبقات التي يمثلونها من يصنعون الحدث. ثم يحجبون المعلومة، لمزيد من البلبلة وإشغال الناس حتى لا يتنبهوا لما هو أهم، ثم تراهم في قنوات التحريض يصرخون: الإعلام والإرهاب الإعلامي، وأذكاهم افتراضاً لا يدري ما هو الاعلام!
الإعلامي يقدم حياته ثمناً لملاحقته ومتابعته للمعلومة الحقيقية حول كل حدث وحادث يتم التخطيط له وصنعه في الليالي البهيمة. وانظر فقط إلى أرقام المنظمات الدولية وسترى كم من الصحفيين والإعلاميين قدّموا حياتهم ثمناً للوصول إلى الحقيقة، كما ينقل الإعلام أيضاً، أخبار أنشطة الحياة المختلفة.
يحجبون المعلومة بقوة السلاح، ثم يقولون: هو الإعلام، بينما تتسرب المعلومات الخاطئة من تحت أيديهم وهم يدرون، ثم تراهم يصرخون: الإرهاب الإعلامي
من لا يعرف ما هو الإعلام ومن هو الصحفي وماهي المعلومة، فيسمي الصحفي كما كان يسميه "الزعيم": "أبو ألفين". طبعاً هو كان يعرف من هم "أبو ألفين"، ويعرف الصحفيين الحقيقيين، لكنه كأي سياسي يخلط كل الأوراق ليضرب العصافير كلها بضربة واحدة. فإذا جلست إليه، يقول لك بتلقائية سائقي سيارات زمان الكبار: "أعرف كل واحد، وثمن كل واحد"، حتى أنه قال لمنصور….. رحمه الله: "لا أريد الصحفي فلان، أنا أريد من سفهائهم، أما فلان فمحترم، مالكم دعوة به". لم أؤلف الحكاية، بل تفاصيلها لدي.
السياسيون الجدد، يبحثون عن شماعة "يدحقون" بها قدراتهم على الكذب والمراوغة؛ فهؤلاء حتى القرآن يحمّلونه ما لا يحتمل؛ "واعلموا أنما غنمتم من شيء..."، القصد هنا غنائم الحرب، لكن عندما تستخرج الدولة النفط والمعادن، فكيف؟؟!! يقولون لك: هذه مسألة فقهية، وفي الأخير هناك قناعة راسخة "حتى إذا لم يعجب الجمهور"، فليس بالضرورة أن يرضى.
هم أنفسهم يحجبون المعلومة بقوة السلاح، ثم يقولون: هو الإعلام، بينما تتسرب المعلومات الخاطئة من تحت أيديهم وهم يدرون، ثم تراهم يصرخون: الإرهاب الإعلامي.
بالطبع هي معركة خاسرة؛ حيث يبدأ البعض من الحرف الأول ومن الكتب الصفراء، ويذهب ليتعامل مع الإعلام، بينما لو يدري، فالإعلام القائم على المعلومة الحقيقية يخدمه إذا كان بالفعل يريد بناء دولة. ثم هناك الأهم، فشخص لا يقرأ ولا يكتب إلاّ بالكاد، كيف يعرف ماهية الإعلام!
خلاصة الأمر لمن يريد أن يفهم؛ الإعلام لا يصنع الحدث، الإعلام ينقله، وناقل الكفر ليس بكافر.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم.