حقاً كان أداءاً عنصرياً متخماً بوهم التفوق البيولوجي.
مثّل إقرار لائحة الزكاة من قبل الحوثيين أسوأ صور التصنيف الطائفي بين أبناء الوطن الواحد، واستفزازاً فائق الصلف لمشاعر كل اليمنيين الذين استثنتهم اللائحة لصالح جماعة واحدة.
لم يكن فرزاً عنصرياً فجّاً فحسب، بل قصوراً معرفياً موغلاً في الوهم المقدّس. الوهم بأن هناك عرقاً معيناً لديه كفاءة بيولوجية استثنائية لا تتوفر لدى الأعراق الأخرى. عواقب هذه الخطوة لا ريب ستكون وخيمة على الجميع بدون استثناء.
تاريخياً وحتى الآن، الثقافة اليمنية لا تنكر ولا تدين بل تتساهل في استخدام أنواع مختلفة من العنصرية؛ كالعنصرية ضد المرأة وضد اليهود وضد أصحاب المهن وأصحاب البشرة السوداء وسكان بعض المناطق وغيرها من أنواع الممارسات العنصرية المجتمعية الراسخة، إلا أن تلك اللائحة مثلت ولأول مرة إقراراً للتمييز العرقي والعنصري بنص قانوني صريح وهنا مكمن الخطورة.
على المستوى الإنساني كل أشكال ممارسة العنصرية مدانة ومرفوضة، إلا أن أسوأ أشكالها هي العنصرية وفقاً للقانون.
العنصرية بنص قانوني –كما في لائحة الزكاة المدانة كلياً– لها دلالة سيئة ونتيجة خطيرة. الدلالة هي قصور الوعي للسلطة التي أقرت هذه الضريبة عن إدراك إدانة الإنسانية للعنصرية بكل أشكالها وهو الأمر الذي سيقود إلى تصنيف جماعة الحوثي جماعة عنصرية. فأسوأ وصمة تنال من شخص هي أن يدان بممارسة عمل عنصري أياً كان مستوى هذ العمل حتى لو كان لفظياً.
أما نتيجتها فستكون تقنين وتشريع كل ما دونها من أنواع العنصرية والتي ستنعكس على كافة المجالات الحياتية كالعنصرية في التعليم والعنصرية في الصحة والتجارة، وستكون قاتلة لكل مناحي الحياة الفكرية والأدبية والإبداعية. العنصرية المقننة هي في نتيجتها الأخيرة تشريع وتنظيم لحالة التقاتل المجتمعي المزمن كون رفضها يعدّ رفضاً لنص قانوني له قداسة دينية.
الجانب الأكثر مأساوية وفداحة في الأمر أن تلك اللائحة سيئة الذكر –وفي سابقة خطيرة- تتواتر موادها في تصنيف جميع اليمنيين إلى هؤلاء وأولئك، هم ونحن، الهاشميين واليمنيين.
مثّل هذا تمزيقاً ممنهجاً للنسيج الاجتماعي المهترئ أصلاً، ودعوة صريحة لفتنة لا يمكن التنبؤ بحجم كارثيتها.
ليس هناك أخطر على اليمن من مشاعر النقمة والضغينة التي ألهبها هذ العمل المدان. تلك المشاعر ستبقى مكدّسة ومحشورة لدى كل اليمنيين، ولا مجال لتبخرها من الوعي واللاوعي الجمعي حتى تعبر عن نفسها بشكل عنيف في أغلب الاحتمالات. هذا النوع من مشاعر الغبن ونزيف الكرامة لا يحتاج إلا إلى الوقت وتغير الظرف السياسي لتنفجر في وجه الجميع. وكلا الوقت والظرف السياسي من المتاحات التاريخية للجميع.
بالرغم من فشل ثورة 26 سبتمبر/ أيلول، في إنجاز التسوية التاريخية والنهائية بين كل اليمنيين لتحقيق دولة المواطنة، إلا أن ما حققته على الصعيد الوطني من أسس المساواة يمكن البناء عليها لإنجاز تلك التسوية
وأنا هنا أتساءل ما هذا الجفاف الأخلاقي واليباس العقلي؟ ما هذا التصحّر الوطني؟ يقيناً، لقد كانت طعنة غائرة في صميم الروح الوطنية الجامعة.
كنت في غاية السعادة حين قرأت الكثير من مواقف الرفض لهذه اللائحة من قبل العديد من إخوتنا الهاشميين الذين أدانوا هذا العمل اللاوطني، وعلى رأسهم المناضل الوطني الكبير الأستاذ عبد الباري طاهر.
لكي نعيش بين شعوب العالم الحرّ ونلج القرن الواحد والعشرين بأي شكل من الأشكال نحن في أمسّ الحاجة إلى إنجاز تسوية تاريخية بين كل أبناء الوطن الواحد. تسوية قائمة على أساس المواطنة والكفاءة والحقوق والواجبات المتساوية، تسوية قائمة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. تسوية تجعل الدين لله والوطن للجميع. وفي تقديري آن أوان العلمانية كمحاولة جادة غير ترقيعية لفك الارتباط بتاريخنا الصراعي الدائم.
ثورة 26 سبتمبر/ أيلول، كانت أهم محاولة جادة لتحقيق تلك التسوية لكنها فشلت؛ بل أُفشلت من قبل تيار الدين السياسي بشقّيه الإخواني والوهابي الذي حرص على أسلمة الدولة لتحقيق وهم الخلافة، فكانت النتيجة أن التقطها تيار وهم الولاية.
وبالرغم من فشل ثورة 26 سبتمبر في إنجاز التسوية التاريخية والنهائية بين كل اليمنيين لتحقيق دولة المواطنة، إلا أن ما حققته على الصعيد الوطني من أسس المساواة يمكن البناء عليها لإنجاز تلك التسوية التي بموجبها سيتحقق مبدأ المواطنة لكل أبناء الوطن.
كل أبناء الوطن بدون استثناء.