من المهم، في البداية، التنويه بأن “حركة 13 يونيو/ حزيران”، لم تعمر إلا فترة قصيرة جداً (1974-1977)، وهو ما لا يوفر مساحة زمنية كافية لتبلور وتحقيق أهداف الحركة، وتمييز تحالفاتها العابرة السطحية عن تحالفاتها الصلبة –إن جاز القول– خاصة وأن قائد الحركة المقدم إبراهيم الحمدي كانت له شخصية ملتبسة وغير واضحة، كما يتبين من خطواته السياسية قبل قيام الحركة وكذا إبان فترة حكمه. بهذا الصدد يقول الشيخ سنان أبو لحوم إن الحمدي كان يظهر أنه معنا في حل الخلافات (إبان فترة حكم القاضي عبدالرحمن الإرياني)، ولم نستطع أن نمسك منه كلمة تدل على أن لديه خطاً معاكساً وطموحاً في أن يكون رئيساً للدولة(1). تأزّم الموقف مع السعودية بسبب تمسك العيني بآرائه التي لم ترق للسعوديين، واستغل الحمدي الموقف وتبنى أفكار السعودية، ونسّق مع الشيخ الأحمر، فتصلب العيني جعل الحمدي مقبولاً لديهم (أبو لحوم: 24). ومع ذلك، وبصرف النظر عن شخصية الحمدي، فإن ثمة حقيقة عامة يمكن تلخيصها بأن ما يسري على علاقة حركة 13 يونيو بالقوى القبلية، أو بالأصح بالزعامات القبلية، هو ذاته ما يسري، عموماً، على العلاقة بين الحكم الجمهوري من جهة، والزعامات القبلية من جهة ثانية.
وأظن أنه من المفيد هنا الإشارة السريعة إلى الفرق بين تعامل الزعامات القبلية إبان “الإمامة” من جهة، وتعاملها مع الحكم الجمهوري من جهة ثانية، خاصة بعد أن تعاظمت مكانة وقوة وتأثير الزعامات القبلية الرئيسية.
الشيخ و”الإمام“
إن من أهم، إن لم يكن الأهم على الإطلاق، ما يميز منطقة المرتفعات الشمالية، على الصعيد السياسي، حيث كان “الأئمة” يفرضون عليها سلطتهم الفعلية أو الاسمية، عن بقية المناطق اليمنية التي لا تخضع لسلطتهم لا الفعلية ولا المعنوية – الدينية، وأن “الإمام” كان هو الممثل للسلطة الدينية والزمنية معاً، لكيان سلطة شبه دولة تكاد تلامس –وفق التوصيفات الحديثة– الكيان الكونفدرالي والمكوّن من قبائل وشبه قبائل مستقلة وبلدات تقليدية.
كان للقبيلة عرفها، وكانت الزعامة القبلية هي التي تمثل العرف القبلي، ولو نظرياً، وتسهر على سريانه في القبيلة. ومع ذلك، فإنها لا تقوم إلا بدور الحَكَم لا الحاكم، وإلا كانت قد تخطت قواعد وروح العرف القبلي. ولذلك لا نجد لا سجون لدى شيخ القبيلة، ولا إقامة الحدود، ولا مؤسسات تعمل على رفع الزعامة القبلية من حَكَم إلى حاكم.
ولأن الزعامة القبلية تقوم بدور الحَكَم لا الحاكم، فبداهةً لا بد وأن يتمتع هذا الحكَم باستقلالية معلومة. ولعل أحد الأمثلة النموذجية هنا هو شيخ مشائخ حاشد “حيث كان بيت الأحمر “فقراء علم”، قبل أن يصبحوا مشائخَ و”تهجرهم” حاشد، وهو ما توارثوه حتى اليوم” (سرجنت 1982: 29).
إن المعضلة الحقيقية، ولعلها التناقض الأساسي في المجتمع القبلي على الصعيد السياسي، هي أن يتحول الحَكَم إلى حاكم يستهدف إخضاع الجماعات القبلية لسلطته ولأهدافه وأطماعه السياسية، حتى وإن كانت تلك السلطة تقوم على أساس ديني، خاصة وأن هذا التحول إلى “الحاكم” لا يطرح ثماراً في حقل القبيلة، وإنما على العكس من ذلك يحمِّل القبيلة أعباءً هي غالباً في غنى عنها، وذلك ما لا تقبل به القبيلة. لذلك، ما كان لمعادلة “الحَكَم – الحاكم” إبان حكم “الإمامة” أن تستقيم، لأن القبيلة تريد “إماماً” حَكَماً، و”إمام” يريد حُكْماً، مع التكلفة التي يجب أن تدفعها القبيلة!
كانت “الإمامة” تصنع وهْماً وتسوّقه للقبيلة بأنها تنظر إلى علاقاتها كلها مع القبائل عبر منظور الدين وفق تفسيرها هي وممارستها هي. فعلى سبيل المثال، كان “الأئمة”، عموماً، يقيّمون القبائل بأنهم “أشرار”، “جهلة”، “أتباع الطاغوت”، وتوهم أنها تحارب العرف القبلي، وهلم جرّا، وتواصلت هذه النظرة. وكان محمد علي الشوكاني (المتوفى في عام 1834) ممن واصل الدعوة ضد القبائل، ومعروفة مقولته ضد القبائل “هؤلاء العرب المتوحشون (الفسقة، البهائم)” الذين لا يصلّون ولا حتى يصومون. وتزدحم المؤلفات الموضوعة إبان حكم “الأئمة” باتهام القبائل ببعدهم عن الدين. ومع ذلك، في المقابل، كان يطلق على قبيلتي حاشد وبكيل بأنهما “جناحا الإمامة”!
خلاصة القول: إن “الإمامة”، وعلى الرغم من أنها كانت تطلق على أحكام العرف القبلي “الطاغوت”، فإنها، من جهة ثانية، كانت تستعين به وتستثمره لصالح غاياتها، ناسية “الطاغوت” وغير “الطاغوت”.
المغزى الرئيسي لفكرة قادة “ثورة 48″، بتأسيس النظام الجمهوري في “اليمن الأسفل”، أن القبائل في مرتفعات الهضبة الشمالية لم تكن جاهزة بعد لتأييد أي حكم ضد “الإمامة” بسبب ولائها الشديد لها
بشأن العلاقة بين الطرفين، فقد وصلت في آخر عهد “الإمامة” (عهد “الإمام” أحمد) إلى اختلال كبير لصالح الطرف الأخير. بهذا الصدد، يذكر عنان أن الإمام أحمد كان يخاطب القبائل باحتقار، فيقول: “خدامتنا حاشد”، “خدامتنا أرحب” (عنان: 21). وإذا ما اختلف اثنان إزاء تفسير هذا التعبير، فإنه لا يمكن أن يبتعد عن أن العلاقة بين الطرفين ترسم، ضمن ما ترسمه في أحد ملامحها الرئيسية، مدى الإذلال الذي مارسته “الإمامة”، والذي تستبطنه على الأقل في طيات تفكيرها الإجتماعي – السياسي. والغريب أن القبيلة، ممثلة بزعامتها، قد ابتلعت هذا الإذلال، وأخشى القول إنها استمرأته، ممثلاً في خنوع مشائخها(2).
لقد استحوذت “الإمامة”، في الأخير، على عقل القبيلة. في هذا السياق، من المهم الالتفات إلى الحوار الذي كان يدور بين بعض قادة ثورة 48 الدستورية في معتقل سجن حجة، وبالذات المقترح الذي كان قد عرضه بعضهم، وفحواه أن يولي المعارضون لحكم “الإمامة” اهتمامهم شطر “اليمن الأسفل”، أي منطقة إب وتعز، لإقامة الحكم الجمهوري هناك، وذلك لكي يكون النظام الجمهوري منارة سياسية مضيئة تجذب إليها القبائل في المرتفعات الشمالية، فتساعد في القضاء على نظام “الإمامة”(3).
أما المغزى الرئيسي لفكرة العمل على تأسيس النظام الجمهوري في “اليمن الأسفل” أن القبائل في مرتفعات الهضبة الشمالية لم تكن جاهزة بعد لتأييد أي حكم ضد “الإمامة” بسبب ولائها الشديد لها. وعلى الرغم من أن القبيلة قد قامت بالتمرد ضد “الإمام” أحمد في بعض اللحظات، كما حصل في عام 1959، فإن ذلك لا يغير جوهرياً من الموضوعة أعلاه.
الشيخ والجمهورية
يجمع الباحثون والمهتمون بالشأن السياسي اليمني على تعاظم الدور السياسي للقبائل في ظل الجمهورية، وهو في الحقيقة تعاظم للدور السياسي لمشائخ القبائل في المقام الأول، إثر القضاء على حكم نظام “الإمامة” وتأسيس الجمهورية. على أن يفهم من هذا “التعاظم” على وجه التحديد –ولمصلحة التحليل الموضوعي– إسهام المشائخ في قيادة العملية السياسية السلمية منها والعسكرية، سواء أكان في صنع القرار أم في اتخاذه. هذا، مع الحذر من تصديق الشطح المشيخي بأن المشائخ هم الذين يصنعون رؤساء الجمهورية، أو الحكام.
لقد جرى صياغة تصوّرين بشأن العلاقة بين القبيلة والدولة من قبل بعض السياسيين، كان في مقدمتهم الدكتور محمد سعيد العطار. وقد تمثل هذان التصوران في: الأول، ويرى أصحابه أن القبائل اليمنية نتيجة أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتخلفة، لا تدرك ما هي المؤسسات السياسية، ولا ماذا تعني الدولة وسيادة القانون، وبالتالي فقد رأى هؤلاء أن يتم إبقاء القبائل تحت هيمنة الدولة، تماماً كما كان يفعل الإمام. أما التصور الثاني، فيرى أصحابه أن القبائل عانت كثيراً من ظلم واضطهاد الدولة الإمامية، وأن ذلك سوف يجعلها راغبة في قبول الدولة المركزية إذا تعاملت معها بأساليب وآليات تقوم على العدالة (جولوبوفسكايا: 32).
إذا كانت القبيلة لا تقبل، قبل الثورة، أن ترى سلطة أعلى تحكمها، فإن مكانتها ودورها وتأثيرها بعد الثورة قد توطد وتعاظم أضعافاً مضاعفة، وأضحت تطالب بأن تكون هي – وبدون مبالغة – الحَكَم والحاكم معاً في الدولة(4).
الشيخ والحركة
أود لفت الانتباه، على سبيل التأكيد، أنه بشأن مكانة ودور وولاء المشائخ الرئيسيين –ناهيك
عن كل أو معظم المشائخ بكل تراتبيتهم في قبائلهم– فإنه لا يجوز وضعهم كلهم في سلة واحدة، من جهة، ولا تقييم كل مواقفهم انطلاقاً من موقف واحد أو من مواقف مرحلة زمنية بعينها من جهة أخرى. وإذا كان من الصحيح أن ثمة مصالح عامة تجمعهم، فإن الصحيح أيضاً وهو الأكثر أهمية، أنه ينبغي توفر شروط رئيسية لتوحيد الموقف القبلي العام إزاء المصلحة المشائخية العامة، وموقفهم المشترك المحدد إزاء الحكم المعني في البلاد. لذلك، وبعيداً عن التعميم، أقتصر هنا على العلاقة بين الطرفين (المشائخ وزعيم الحركة الحمدي) عبر المواقف المتقلبة إبان فترة حكم الحركة القصيرة.
مع ذلك، أسارع إلى القول بأن ما يحدد الموقف “اللحظي” للشيخ الفلاني هو المصلحة المباشرة، حتى وإن تعارضت بانحراف ما عن المصلحة المشائخية العامة. ومع هذا العامل -وليس بعده أو قبله– لا بد من إعطاء الاعتبار لمدى قوة العلاقة مع الخارج، وهو هنا في المقام الأول الحكم السعودي، ومن ثم مدى شدة ولاء الشيخ المعني للسعودي. وبالطبع قد يتفق هذان العاملان وقد يتباينان قليلاً أو كثيراً. وفي تلافيف تفاعل هذين العاملين، تجري التحالفات السياسية المؤقتة، المرحلية، والمواقف، وهلم جرا. وبعيداً عن المصلحة الوطنية، وفي السياق، سنقف على مثل هذه التحالفات والمواقف.
قبل الحركة ببضعة أشهر جرى تحالف لحظي أملته الحاجة الملحة لإسقاط القاضي الإرياني. وكان الضغط على الإرياني – كما يقول أبو لحوم – قاسياً من قبل الأحمر وأحمد علي المطري. يقول الإرياني: الشيخ عبدالله يعمل ضدي، لا أقبل المهانة أو أعمل موظفاً لدى أي أحد (أبو لحوم: 28). هذا ما يذهب إليه أبو لحوم.
هنا نلاحظ الأمور الرئيسية التالية: الأول، أن رأس الحربة لتغيير الإرياني شيخان، هما الأحمر والمطري. ثانياً، تحت تعبير “كان الضغط قاسياً” يمكن للقارئ أن يفهم أن تهديداً واضحاً كان قد واجهه الإرياني، على الرغم من مكانته الرفيعة المعروفة. أما الشيخان فلم يباليا بهذه المكانة الرفيعة السامية التي يتمتع بها القاضي الإرياني. ثالثاً، أن الطرف المشائخي كان يطلب من الإرياني أن ينفذ ما تمليه القوى المشيخية المنضوية في هذا الصراع. أي أن الشيخ لا يرى أي حرج له في أن يكون حاكماً، وليس حَكَماً، من خلف الستار، يريد أن يكون هو الآمر الناهي! وإن لم، فسوف ينحِّي الشيخُ القاضي: قبيلة حاشد توجه رسالة للإرياني بأنه إذا لم يقدم استقالته فستهاجم صنعاء (أبو لحوم:31). رابعاً، الانصياع الكامل – كما هو معروف وسيرد أدناه – لرغبة الحكم السعودي في إزاحة القاضي عبدالرحمن الإرياني(5).
“بعد “الحركة التصحيحية” بخمسة أيام عقد اجتماع قبلي كبير، في المعمر -همدان صنعاء- حضره على نحو خاص الشيخ عبدالله الأحمر للموافقة على “رجال مرحلة 13 يونيو الجديدة” ومناصرتهم.
يقول الشيخ سنان في مذكراته إن التخطيط للانقلاب ضد الإرياني كان قد بدأ، اشترك في الترتيب له الحمدي والأحمر والحجري، وحاولوا أن يقنعوني بالاشتراك معهم (أبو لحوم: 30). غير أن الشيخ أبو لحوم لا يفصح عمّا إذا قبل أم رفض العرض المقدم، ولو أنه، يقول “لم أكن متحمساً لخروجه من الحكم، كان وجوده في قمة السلطة غير مرغوب فيه من قبل السعودية” (أبو لحوم: 34).
بيد أن للشيخ الأحمر رواية أخرى تختلف عما يرويه أبو لحوم؛ يذهب فيها الأحمر إلى أنه “تم التخطيط لحركة 13 يونيو 1974، وأنا في زيارة للصين وما رجعت من الصين إلا وقد أعدوا العدة، الجيش والشيخ/ سنان أبو لحوم، والشيخ/ أحمد المطري رحمه الله، حيث لم يكن يعارض للشيخ سنان رأياً، والعميد مجاهد” (الأحمر: 209). وبعد أن يكون هذا الطرف قد وضع الأحمر”أمام الأمر الواقع، وموقف حرج” (الأحمر: 211)، يخلص الأحمر إلى “أنني لم أشترك في أي تخطيط لكنني وافقت بشروط، وهو ألا تسقط قطرة دم وألا يساء إلى القاضي الإرياني أي إساءة” (السابق: 211)(6).
(والحقيقة أن الأمر ليس لغزاً محيراً وطلسماً لا يمكن حله وفكفكته، ولكنه بحاجة إلى استطلاع
يجرى وذلك بصياغة “دليل أسئلة” يعرض على بعض من لم يزل حياً يرزق، ممن شارك في أحداث تلك الفترة، أو ممن لديه معلومات عنها).
يوضح سير الأحداث في فترة حكم الحركة، وبحكم عدة عوامل، أن كتلتين أو تكتلين قبليين –ولا أقول حلفين ولا تيارين– قد تشكّلا، هما: تكتل التفّ حول الشيخ الأحمر، أطلق عليه هنا تكتل الأحمر، وهو القريب جداً من الحكم السعودي، وتكتل آخر التفّ حول الشيخ سنان أبو لحوم مع الشيخ مجاهد أبو شوارب، واختصاراً أطلق عليه هنا تكتل أبو لحوم.
لعله من المفيد الإشارة إلى أن التكتلين قد تشكل كل منهما تحت تأثير عدة عوامل، أهمها: قبلية، عائلية، علاقات شخصية تخلقت عبر فترة من الزمن، وبالذات منذ قيام الثورة وتأسيس الجمهورية العربية اليمنية، ومدى القرب والبعد من الحكم السعودي. كما أنه جدير بالذكر أن العلاقة بين التكتلين، أو بالأصح بين زعاماتهما، لم تتسم بالخصومة والتناحر والتصلب في المواقف، لأن ثمة ما يجمعهما من مصالح وأهداف غير قليل. ومع ذلك لا يستطيع الباحث أن يغض الطرف عن التمايز بين التكتلين إبان فترة من حكم الحركة، ثم، وفي نفس الفترة من حكم الحركة، التقيا معاً في تحركاتهما إزاءها.
هذا، مع الإشارة إلى أن تكتل الأحمر هو صاحب التأثير الأهم في أحداث فترة الحركة، وذلك بسبب قربه الشديد من السعودية المؤثرة على الحكم في اليمن. لذلك يحتل تكتل الأحمر المساحة الأوسع هنا.
علاقة الحركة بتكتل الأحمر
على إثر انقلاب “حركة التصحيح” في الثالث عشر من يونيو/ حزيران 1974، جرى اختيار محسن العيني رئيساً للحكومة، وهو ما أثار الغضب لدى تكتل الأحمر الذي تحرك ضد هذه الخطوة. وهنا يعترف الأحمر بعدم موافقته على تعيين العيني رئيساً للحكومة، لأن “الوضع الجديد سيكون قيادة بعثية”، ثم “التقيت أنا ومجاهد والحمدي في المعمر وأوضحوا لي الأمر” (الأحمر: 212-213). وهذا ما يؤكده العيني الذي يقول إنه، وقبل تشكيل الحكومة “كثرت الشائعات بأننا سنعجل في تحقيق الوحدة مع “الشيوعيين الملحدين” في الجنوب، وسنمضي في منع القات وقلع أشجاره. وعقدت القبائل مؤتمراً في المعمر تحدث فيه عدد من المشايخ، ثم انتقلوا إلى بيت الشيخ عبدالله الأحمر الذي تحدث إليهم وطمأنهم، كما حضر المقدم إبراهيم الحمدي وتحدث إليهم أيضاً” (العيني: 286-287).
بصدد مؤتمر المعمر، يسلط المستشرق البريطاني في “اليمانيات” ضوءاً، من المفيد تثبيته هنا. يقول دريش إنه “بعد “الحركة التصحيحية” بخمسة أيام عقد اجتماع قبلي كبير، في المعمر -همدان صنعاء- حضره على نحو خاص الشيخ عبدالله الأحمر للموافقة على “رجال مرحلة 13 يونيو الجديدة” ومناصرتهم. ومن الغريب صدور كتيب مطبوع عن هذا الاجتماع بعنوان “مؤتمر قبائل اليمن على طريق التقدم” (من المؤسف أن هذا الكتيب الذي لدي صورة منه لا يحمل إشارة إلى مكان طبعه، ولا من طبعه، ويحمل صوراً لإبراهيم الحمدي والشيخ عبدالله). وجاء الذين حضروا الاجتماع من مناطق أبعد مما يعد “قبلياً”، حتى من تهامة واليمن الأسفل. وتلى خطاب الشيخ عبدالله الافتتاحي خطاب لأحمد علي المطري، ثم خطابات أخرى، واختتم المؤتمر بكلمة لأمين أبو راس” (دريش: 362).
لهذا الكتيب وضعت مقدمة طويلة تناولت ما أسمته “القطيعة مع الماضي”، والتمسك القوي بهوية اليمن الإسلامية وبالشريعة الإسلامية، من خلال الحديث عن النضالات المتتالية ضد الأئمة، وأن القبائل كانت في طليعة هذه النضالات. وتنتهي الفقرة بالدعوة لصنع مستقبل زاهر. وتشير إلى أن قرارات المؤتمر استهدفت وضع نهاية لكل مظاهر التخلف، وحل الخلافات، وتسوية التناقضات بين القبائل بوسائل سلمية منظمة، وإقامة مجتمع يحكمه العدل والمساواة، والحب، والأخوة، وخير الجميع (دريش: 363).
وبصرف النظر عما إذا كان هذا التحرك متفقاً عليه ضمن توزيع أدوار محدد، أم هو مبادرة انحرفت عن الإيقاع قليلاً ولكنها مرغوب فيها، فإن الدلالة السياسية للمؤتمر –وبعيداً عن ضباب الاتفاق الوهمي للطرفين: تكتل الأحمر وقيادة الحركة، وكذا بعيداً عن أهداف الحمدي ومناصريه من المؤتمر– تنطوي على إرسال الرسالة التحذيرية، إن لم تكن أيضاً، والتهديدية السريعة من قبل تكتل الأحمر لقيادة الحركة والعيني: لن نسكت عن أي خطوة لا نرضى عنها نحن (تكتل الأحمر)، ونحذركم سلفاً من الآن. أي أن هذا التكتل “يهزها وهي في الجفير”!
على إثر مؤتمر قبائل اليمن الذي دعا إليه ورعاه الشيخ عبدالله الأحمر، فيما يشبه رسالة تحذيرية للحمدي، جاء رد الأخير بتعيين خمسة من الشباب المدنيين وزراء في حكومة العيني
غير أنه، على ما يبدو، كان العيني، والحمدي بالطبع، مصرّين آنذاك، على ألا يسمع كثيراً “لهذه الزوامل”، بل وربما عدّاها نوعاً من الاستفزاز الذي لا ينبغي الالتفات إليه. فأُعلن عن تشكيل الحكومة في 21 يوليو/ تموز 1974، واشترك فيها خمسة من الشباب الذين ينتمون إلى ذات العقلية المدنية التي يعتمدها العيني، وهم: عبده علي عثمان، وأحمد جابر عفيف، ومحمد عبدالرحمن الرباعي، وسلطان القرشي، والدكتور عبدالوهاب محمود. وكما يقول إنه بصعوبة بالغة اقتنع الإخوان بدخول السادة المذكورين أعلاه (العيني: 286-287). وهكذا: “واحدة، بواحدة أبلغ”، ولو بصعوبة! وبهذه الخطوة يكون الحمدي من جانبه قد أرسل الرد: ثمة قوى، لها مكانتها ولا تعجبكم، يمكن أن ألجأ إليها.
هنا، وأكرر ما أشرت إليه أعلاه، ينبغي الوقوف على هذه الواقعة للتذكير بأن لا يجوز وضع كل المشائخ الذين يسهمون في صنع واتخاذ القرار كلهم، وبدون تمييز، في سلة واحدة. لا بد من التحلي بالمدخل التمييزي –إن جاز لي القول– بالمدخل الذي يدفعنا إلى التبصر في هذا الموقف، بحد ذاته، أو ذاك، ثم نعمد إلى التقييم للموقف بعينه، وليس لمن يتخذه فقط. أكرّر لفت النظر إلى هذه الموضوعة، لأن تعيين هؤلاء المذكورين ما كان له أن يتم لولا الدعم الأكيد الذي تلقاه العيني من الشيخ سنان ومجاهد أبو شوارب، وهما، طبعاً، من كبار المشائخ، ناهيك عن أنهما ينتميان إلى كل من حاشد وبكيل، الأمر الذي لا يمكن إلا أن يسترعي انتباه الشيخ الأحمر وغير الأحمر.
الأمر الآخر، أن مواقف الحمدي من جهة، والشيخ الفلاني من جهة أخرى، ليست ثابتة طوال كل فترة الحركة، بل هي متغيرة حسب الموقف المعني، كما سيرد أدناه.
في ظل الشد والجذب السياسي بمختلف ألوانه وأرديته بين الأطراف السياسية، قرر الحمدي –وهذا استنتاج المنطق السياسي، كما أزعم– الاقتراب أكثر من تكتل الأحمر بقدر الابتعاد عن قوى التحديث الممثلة بالعيني. والحقيقة أن العيني ذاته يقول إن العمل سار بهمة وتعاون وتجرد وتفاؤل لمدة شهرين اثنين هما يوليو/ تموز، وأغسطس/ آب (العيني: 290)، ثم بدأت نقاط الخلاف مع الحمدي تظهر من جهة، وتعاونه مع بعض المشايخ من جهة أخرى (العيني: 291)، فجرى اتخاذ قرارات، بدون علم مجلس الوزراء، لعل أهمها القراران:
– عودة القاضي عبدالله الحجري واستقباله استقبال الأبطال.
– تحريم الحزبية في الجيش، والتهديد بأقسى العقوبات.
وفور إذاعة القرار تواصلت التعليقات في الإذاعة والصحافة ضد الحزبية و”الأفكار المستوردة”، إلى آخر هذه التعبيرات المشبوهة (العيني: 291).
لا يحتاج المرء إلى ذكاء استثنائي للكشف عن مغزى هذين القرارين اللذين، اتخذا –بتقديري: بكل تأكيد– تحت ضغط تكتل الأحمر والحكم السعودي، ليدفع ذلك العيني إلى الانخراط في الصراع المكشوف، مع أطراف الحكم عموماً، ومع الحمدي على وجه الخصوص، وهذا الصراع مع الأخير هو الذي كان يسعى لكي يتجنبه قدر الإمكان. وحسب منطق تكتل الأحمر، ينبغي حجب الطرف الرئيسي الدافع والمثير للخلاف، ومن ثم يتخذ الحمدي الخطوة المرجوة، فيبعد العيني، ويأتي من؟ الحجري؟! ربما.
بيد أن تكتل الأحمر لم يكن مكتفياً بالضغط على العيني، وكذا بتأجيج الخلاف بين الحمدي والعيني فقط، وإنما كان أيضاً يناور مع الحمدي، وذلك بممارسة الضغط عليه عبر اقتراحات سياسية لمحاصرته. وفي هذا السياق، جرى اقتراح جس النبض بالاتفاق مع أبو لحوم –حسب نص العيني– وذلك بإلغاء “مجلس القيادة”، والذي يعدّ عند الحمدي بمثابة القلعة السياسية الحصينة، وتشكيل مكتب سياسي يقوم بعمل رئاسة الدولة. واقترح أن يتشكل هذا المكتب السياسي من الأسماء التالية: الحمدي، الأحمر، المطري، أبو لحوم، الحجري والعيني (العيني: 293).
المفلت للنظر أنه لا الشيخ الأحمر ولا الشيخ سنان أبو لحوم قد تطرق أي منهما إلى هذه الخطوة لا من قريب ولا من بعيد على الإطلاق، ولا يمكن أن يفهم من مذكراتهما أنهما يتركان للقارئ فضاءً ما يقع بين السطور للتحليل. فهل تفاهم الشيخ سنان مع الحمدي و/أو مع العيني في إفشال هذا الاقتراح، وفي الكيفية التي سوف يجهضونه؟
أما الاقتراح ذاته فكان بإمكانه أن يصيب الحمدي والعيني معاً، وبرمية واحدة، على اعتبار أن من يبادر علناً ومنفرداً إلى معارضته، يكون في مرمى الاتهام، ولن يعدم تكتل الأحمر المعاذير والاتهامات. غير أن الحمدي لاذ بالصمت عندما عرض عليه الاقتراح، وسار به إلى العيني الذي أقنعه بطيّ صفحته. وعلى ضوء ذلك، ذهب الحمدي ليقنع الآخرين بوجهة نظر العيني، ففاتت فرصة لتوسيع شقة الخلاف بين الاثنين، كأحد أهداف الاقتراح قبل تنفيذه. أما إذا جرت الموافقة عليه، فإنه –كما يوضح العيني– يتوجب استقالة العيني وتشكيل حكومة جديدة. وبهذا يطوق الحمدي رقبته بنفسه.
على إثر جملة من الاستفزازات والمضايقات، يقول العيني إنه “يبدو أن وجودنا لم يكن إلا ضرورة مؤقتة لجأ إليها الإخوان عند الحاجة ليبدؤوا التخلص منها في أول فرصة” (العيني: 294). وبتقديري أن العيني، بصفته دبلوماسياً مخضرماً، يلطِّف كثيراً من الجملة عندما يستعمل كلمة “يبدو”، أما الحقيقة، وبدون دبلوماسية، فهي أنه كان “متأكداً تماماً” بأن دوره قد انتهى في الحسابات. هذا، مع العلم أن الحمدي، من جهته، لم يكن حريصاً على بقاء العيني رئيساً للحكومة، لأنه –كما يذهب العيني– “يعتبر نفسه الأصيل في الحكم والتغيير والأحداث، وليس على الآخرين إلا أن يقبلوا أو يرحلوا” (العيني: 291).
بعد شهرين من إقالة العيني من رئاسة الحكومة، ظهر في مارس/ آذار 1975، الخلاف بين الأحمر والحمدي بسبب مطالبة الأول بإنهاء الفترة الانتقالية لمجلس القيادة وتشكيل مجلس جمهوري، وهو ما رفضه الأخير
لقد جرت العديد من المواقف والخطوات التي كانت يمكن أن تعجل بتنحية العيني من رئاسة الحكومة بضغط من تكتل الأحمر وبمباركة من الحمدي، إلا أن العيني كان يقظاً بما فيه الكفاية –كما تفصح تصرفاته آنذاك– لمناورات خصومه. ولعل قضية التسليح من الاتحاد السوفيتي، وإنشاء مصفاة النفط من العراق، والتحريض على إقفال المراكز الثقافية الأجنبية وكذا “مجلس السلم والتضامن”، والصراع بشأن كل ذلك، قد أظهر “زواج منفعة” برز في وحدة الموقف بين تكتل الأحمر والحمدي ضد العيني.
بطبيعة الحال، كان الأحمر في علاقته مع العيني يستجرّ المواقف السابقة التي جرت بين العيني والعديد من المشائخ، ورجال الدين السياسي، والموقف السعودي العدائي الواضح منه. كان الأحمر يحدِّث نفسه بضرورة الاستعجال بالخلاص من العيني، “والنفس مولعة بحب العاجل”!
لهذا الغرض، وللتعجيل، يشير العيني إلى أنه “كان واضحاً في الاجتماعات الأخيرة تعمّد رئيس مجلس القيادة الحمدي ورئيس مجلس الشورى الأحمر اتخاذ موقف موحد في معظم القضايا المطروحة، بل استثارة الخلاف معنا، والاعتراض على أي شيء يطرح. ولقد أثيرت خلافات في موضوعات لم نقترحها أو نطرحها نحن، بل هم الذين بدؤوا بها” (العيني: 298). لقد اتفق الأحمر والحمدي على إقالة العيني (أبو لحوم: 60).
“لذلك بدأ الحمدي يقاطع أي عمل رسمي يمكن أن يتسبب في لقائنا. وبدأت جهود الشيخ الأحمر بعد عودته من السعودية لإسقاط الحكومة، وحاول إقناعي بالاستقالة لأن السعودية ضدي، والمشايخ ضدي، ورئيس مجلس القيادة لم يعد راغباً في أي تعاون معي” (العيني: 307). “وكان ردّي عليه أني لن أستقيل مهما تكن الأسباب. ورغم أنهم حركوا الدبابات في إحدى الليالي إلى القيادة والإذاعة، وأدخل رئيس مجلس الشورى بعض قواته من قبائل حاشد إلى صنعاء، فقد أفهمته أني لن أستقيل” (السابق).
لممارسة مزيد من الضغط على العيني، انعقد في الأول من يناير/ كانون الثاني 1975، مؤتمر للمشائخ في بلدة ريدة، أعلن فيه المشائخ خضوعهم للسلطة المركزية (أبو القصب الشلال: 186). والملفت للنظر أن هذا المؤتمر لم يشر إليه لا سنان أبو لحوم ولا العيني ولا الأحمر، وإنما جاء في كتاب جولوبوفسكايا ومنه، على الأغلب، إلى الشلال. وبهذا يمكن أن يسود الاعتقاد بأن حلف الأحمر قد تصالح مع الحمدي، ومن ثم بالإمكان الآن اتخاذ الخطوة المهمة، أي إبعاد العيني من رئاسة الحكومة. وفعلاً، في 16 يناير/ كانون الأول 1975، أقيل العيني (أبو لحوم: 61).
غير أن تكتل الأحمر لم يرض بأن يكون، فقط، أحد صناع القرار ومتخذيه، بل كان يطمح إلى التفرد العملي باتخاذ القرار، أو على الأقل أن يستحوذ على النصيب الوازن المرجِّح في عملية اتخاذ القرار، ومن أجل ذلك كان لا بد له من العمل على الخلاص من الحمدي. وعلى ضوء هذه الرؤية، ظهر في مارس/ آذار 1975، الخلاف بين الأحمر والحمدي بسبب مطالبة الأول بإنهاء الفترة الانتقالية لمجلس القيادة وتشكيل مجلس جمهوري، وهو ما رفضه الأخير (أبو لحوم: 72-73).
في أكتوبر/ تشرين الأول 1975، جرى حل مجلس الشورى الذي يترأسه الأحمر، بحجة انتهاء فترة صلاحيته الدستورية، فما كان من الأحمر إلا أن غادر صنعاء إلى مقره القبلي في خَمِر. هذا، مع العلم أنه منذ منتصف يوليو/ تموز من العام 1975، يطالب الأحمر بتغيير الوضع ضد الحمدي (أبو لحوم: 102). وبنهاية هذه السنة كانت بعض قبائل حاشد متمردة إلى هذا الحد أو ذاك (دريش: 364).
علاقة الحركة بتكتل أبو لحوم
كانت تلك إطلالة على علاقة المشائخ الذين يمثلهم الشيخ الأحمر في حكم الحمدي. وهذه الكتلة هي التي لها أوثق العلاقات مع الحكم السعودي. وبطبيعة الحال، ثمة من المشائخ الذين لهم مواقف أخرى تجاه حكم الحمدي تختلف عن مواقف التكتل المشائخي الذي يتزعمه الأحمر، ويبرز الشيخ سنان أبو لحوم في فترة حكم الـ”13 من يونيو/ حزيران”، ومعه مجاهد أبو شوارب، ولو أن أبو لحوم هو من يتزعم هذا الاتجاه الآخر الذي لا يبدو عليه سمة الخصومة الشديدة مع القيادة السياسية للحركة. ومع ذلك لا بد من التمييز في هذه العلاقة بين تلك التي مع الحمدي والأخرى التي مع العيني. فإذا كانت العلاقة مع العيني على ما يرام بوجه عام، فإنها لم تكن كذلك مع الحمدي.
ولعله من المفيد تسليط ضوء ما على جانب من علاقة العيني بالحمدي. فكما أسلفت أن تكتل أبو لحوم، ومنهم بالذات محسن العيني، كان قريباً من الحمدي بسبب ما كان يجمع بينهما منذ فترة. “ففي عام 1971 –يقول العيني– اخترت الحمدي نائباً لي للشؤون الداخلية، لكفايته. وعندما حاول هو وعدد من العسكريين القيام بانقلاب ضد المجلس الجمهوري ومجلس الشورى، كنت أنا الذي أقنع الرئيس الإرياني بأن المؤامرة لم تكن جادة، وأنها مجرد “جلسة قات”، وأن من الحكمة أن يغض الطرف ويتجاهلها (العيني: 308).
“وعندما فكر الرئيس الإرياني جدياً في إبعاد الحمدي عن الجيش، تدخلت –والحمدي يعرف ذلك. وبعد “حركة يونيو” اقترحت ترشيحه لرئاسة الجمهورية على أساس إنهاء الأوضاع الاستثنائية” (السابق). كما يذكر العيني أن أول خلاف مع الحمدي كان بسبب تعيين المقدم أحمد الغشمي رئيساً للأركان. (السابق).
عملياً، قطع الحمدي علاقته السياسية بأهم تكتلين قبليين فاعلين في البلاد، وبهذا فقد ساعد كثيراً على التقارب بينهما، مع العلم أن ما يجمعهما، موضوعياً، أكثر بكثير مما يفرقهما.
أما الخلاف بين الحمدي وأبو لحوم فقد حدث مبكراً. إذ لم يكد ينقضي الشهر الأول من عمر الحركة حتى بدأ الخلاف بين الطرفين –كما يذكر أبو لحوم– وبالذات بسبب رفض الحمدي تحديد الفترة الانتقالية بخمس سنوات؛ “من هنا دخلت الحساسية بيني وبينه”. (أبو لحوم:41). فاختار أبو الحوم الانسحاب من الحياة السياسية والخروج من صنعاء والبقاء وسط قبيلته في “ملح” (نِهم). مع العلم أن الحمدي، مع الكثير من الزعامات القبلية والسياسية، بعد أن طالت فترة اعتكافه في “ملح”، كانوا يلحّون على أبو لحوم في مطالبته بالعودة إلى صنعاء. الوحيد، حسب مذكرات أبو لحوم، الذي كان يطلب منه البقاء في نهم هو محسن العيني (أبو لحوم: 68-69).
في سياق علاقة الحمدي مع المشائخ عموماً، وعلاقته بتكتل أبو لحوم على وجه الخصوص، أقال الحمدي في 27 أبريل/ نيسان 1975 الإخوة أبو لحوم من مناصبهم العسكرية (أبو لحوم: 82). أما “قاموس الأحداث” فيذكر أن ذلك حدث في 12 مايو/ أيار1975، كما أنه يغفل اسم محمد أبو لحوم (الشلال: 188). أما العيني فيذكر أنه “قدّم علي أبو لحوم قائد الاحتياط، ومحمد أبو لحوم قائد الكتيبة السادسة مدرعات، استقالتيهما من العمل رغبة في تفادي أي صراع”. (العيني: 306). وإذا كان العيني قد أغفل تاريخ إزاحة الضباط أبو لحوم، فإن دريش يحدده بشهر أكتوبر/ تشرين الأول 1974، (دريش: 364). وكما يلاحظ أنه بالإضافة إلى الاضطراب في تاريخ الإزاحة، يغفل العيني اسم درهم أبو لحوم، وأن الاثنين الآخرين قدما استقالتيهما. وأظن أنه في الحالين (إقالة أم استقالة)، يظل المغزى ذاته: بلوغ العلاقة بين الطرفين مستوى لا يمكن عنده العمل معاً. كما جرى في 13 يونيو/ حزيران 1975، إزاحة مجاهد أبو شوارب من منصبه كنائب للقائد العام للقوات المسلحة (الشلال: 189).
في خطوة قبلية داعمة لتكتل أبو لحوم، عقد مؤتمر لقبائل صعدة يستنكرون فيه إقالة القيادات العسكرية من بيت أبو لحوم، (أبو لحوم: 86). والأحمر يؤيد موقفهم، (أبو لحوم: 89).
وإذن، عملياً، قطع الحمدي علاقته السياسية بأهم تكتلين قبليين فاعلين في البلاد، وبهذا فقد ساعد كثيراً على التقارب بينهما، مع العلم أن ما يجمعهما، موضوعياً، أكثر بكثير مما يفرقهما.
لقاء التكتلين ضد الحمدي
أستطيع الزعم أن الحمدي قد بالغ كثيراً في قدرته وفريقه على تسيير الأحداث كما يريدون، من جهة، أو/ وأنه، من جهة أخرى قد لمح “بريقاً ما” من الحكم السعودي، إن لم يكن اتفاقاً واضحاً ما بين الطرفين – كما سبق وأن أشار الأحمر أعلاه عند الحديث عند إزاحة الإرياني– للسير قدماً نحو التفرد بالحكم دون الاعتبار لثقل التكتلين القبليين. كما يجوز هنا صياغة احتمال أن يكون الحكم السعودي قد أوهمه باتفاق لتوريطه في خصومته مع التكتلين القبليين ليسهل له إزاحته.
وفي كل الحالات، أن ما ظهر، في التحليل الأخير، أنه قد ضيق الخناق على نفسه، مما أدى إلى المزيد من تظافر وتمركز المناوئين للحركة المتمثلين في مشايخ القبائل القوية، وضباط الجيش المرتبطين بهم، والذين سبق وأن أقالهم الحمدي من مناصبهم. ونشطت العلاقات المتبادلة بين أبو لحوم والأحمر، اللذين كانا فيما سبق على خصومة. “واستجابة لمطالبهما استأنفت العربية السعودية دفع مقرراتهما المالية” (جولوبوفسكايا: 268).
لممارسة مزيد من الضغط على الحمدي، عُقد مؤتمر في خَمِر في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 1975، أدان فيه المشايخ والضباط المتحدون معهم والمُزاحون من الجيش، الحمدي “لاغتصابه السلطة”. وكما هي عادة التقليديين في مثل هذه الأحوال، استخدم هؤلاء المصطلحات المتداولة ضد “التسلط الفردي”، فسلطته ليست شرعية، وعليه يجب أن يستقيل. وصاغ المؤتمر خطة نشاط وبرنامج عمل موجه ضد الحمدي، بما في ذلك حصار مدينة صنعاء واحتلالها من قبل الفرق القبلية، بقيادة المشايخ والعسكريين (السابق: 268-269). كما جرت محاولة للقيام بـ”قطاعات” (إغلاق الطرقات) لمقاومة الحكومة (دريش: 364).
بالطبع، لم يسكت الحمدي إزاء هذه التحركات، فقامت سلطته، مع بداية العام 1976، باعتقال العديد من المشائخ (أبو لحوم: 120-122).
في سياق معركة الشدّ والجذب بين الحمدي من جهة، وتكتلي الشيخين الأحمر وأبو لحوم، عقد في بداية يناير/ كانون الثاني 1977، بالقرب من صنعاء، مؤتمر جديد للقبائل، ألقى فيه كل من الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والشيخ سنان أبو لحوم، كلمة. وهكذا، “بعد أن وحّد المشايخ قواهم، أعلنوا “حرباً مقدسة” ضد الحمدي ونظامه الذي قيموه “كشيوعي وملحد”” (جولوبوفسكايا: 286).
توثقت العلاقات بين الشيخ أبو لحوم والشيخ الأحمر، فقررا عقد مؤتمر آخر تحدد في الأول من شهر أغسطس/ آب 1977، في “هرّان”، وهي منطقة متوسطة ما بين “أرحب” و”نهم” و”دهم” و”سفيان”، وقريبة من مناطق حاشد. وقد حضر المؤتمر عدد كبير من المشائخ من كل القبائل لتدارس الموقف، “ولم يكن ضد الدولة ولكن للدفاع عن النفس” (أبو لحوم: 181-182). هذا، مع العلم أن المشائخ كانوا قرروا في مؤتمر يناير/ كانون الثاني من نفس العام، إعلان الحرب على الحمدي، كما أسلفت.
في الأخير، يبدو أن جانباَ من مسار الحركة وزعيمها الحمدي، وبالذات تلك التحالفات التي حاولتُ إيجازها، وبصرف النظر عن مدى القوة العقلية والتجربة السياسية لقادة الحركة، يمكن أن يفسره –كما يذهب الصديق العزيز والباحث السياسي المعروف قادري أحمد حيدر– بقوله: “إن التحديات الموضوعية والسياسية التاريخية لما بعد القيام بحركة 13 يونيو/ حزيران 1974، كانت فوق قدرة الوعي والإرادة السياسية الذاتية لقيادة الحركة، وفوق سقف إدراكهم وحساباتهم وتصوراتهم، وكأنهم –وخاصة الرئيس الحمدي– قد تفاجأوا بالتركة الثقيلة التي تستدعي مواجهة سياسية شاملة ومغايرة لما تصوروه واعتقدوه لحظة قرارهم الإمساك بالسلطة، لحظة جديدة تستدعي الذهاب إلى الشعب للتأسيس للعمل الجماعي” (حيدر: 117).
أما التقارب بين الحمدي والقيادة السياسية في اليمن الديمقراطية فلم يكن له من وظيفة سوى التعجيل بتنفيذ الخلاص منه، فتم اغتياله في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 1977، قبيل رحلته إلى عدن.
وأسدل الستار على الحركة.
_______
الهوامش:
(1) تذهب الباحثة الروسية جولوبوفسكايا إلى أن شخصية الحمدي كانت في ذلك الوقت متناقضة إلى درجة كافية. فهو ينحدر من عائلة اشتغلت في القضاء، وعمل موظفاً صغيراً في السنوات الأولى من الثورة في بلدة ذمار. وذاع صيته كنصير للإصلاحات الرامية لتعزيز الاستقلال الوطني. وحتى عام 1968 كان عضواً في حركة القوميين العرب، ثم قطع صلته بها. وكانت له صلات وروابط قوية بمجموعة عبدالله الحجري وبـ”الإخوان المسلمين”، أي بأشد الأوساط رجعية في اليمن. وغير مرة عبّر الحمدي عن تعاطفه مع السعودية (جولوبوفسكايا: 244).
(2) أخبرني أحد كبار السن من أهل صنعاء أنه عندما كان “الإمام” يسمح لأحد المشائخ بزيارته، كان الشيخ يقبل ركبة “الإمام”، الذي كان يضع على ركبته منشفة ليقبل الشيخ تلك المنشفة. والغرض الظاهري من ذلك أن الإمام كان يخشى من أن يوسخ الشيخ بقعة الثوب التي يقبلها.
(3) يعتقد القاضي عبد الرحمن الإرياني أنه “على يقين أنها لن تنحل المشكلة تماماً (أي القضية الوطنية عموماً) إلا حين تقوم الحكومة الشعبية التي يرأسها أهل الكفاءات من أي أسرة كانوا. وإن بقينا مربوطين بقاعدة فقهية عتيقة فلا فلاح لنا”. والمقصود هنا إقامة النظام الجمهوري كما يظهر من مجمل رده، ولإقامته في عموم البلاد يلزم حركة المعارضة أن تشرع في تأسيس النظام الجمهوري في “القسم الأسفل، بعد أن يتفق الأحرار من القسمين ويتفاهموا على اتخاذ القسم الأسفل قاعدة للحركة إلى أن يتم إرغام القسم الأعلى على قبول الوضع الجديد” (نعمان (د.ت): 56- 57).
(4) بصدد القبائل ومواقفهم، وعقلياتهم على وجه العموم، من المثير أن يذهب الباحث البريطاني دريش إلى أن “معظم الكتابات عن القبائل اليمنية تعتبر كتابات مضللة، حيث يلصق بالقبائل أنهم “تقليديون”، وحتى رجعيون أيضاً، بينما في الحقيقة كثير منهم يتعاطفون مع الحزب الاشتراكي اليمني ومع الأحزاب الناصرية أو البعث العلماني” (دريش 1995: 133).
ربما اتفق البعض مع ما يقوله دريش، فتقييمات اليسار واليسار المتطرف، واليمين واليمين المتطرف، والثوري والرجعي أو/و الانتهازي، كل هذه وغيرها من التقييمات السياسية والأيديولوجية ليست بالضرورة أن تكون مصيبة، بل وأخشى القول إنها مبالغ فيها وتطلق بدون حصافة. ويصدق ذلك على تقييم المشائخ.
غير أن ثمة من التقييمات التي تتجه نحو تقييم للمسلك السياسي للمشائخ ومواقفهم عبر موشور “الوطني” و”غير الوطني”. هو موقف يفهم من غير أيديولوجية ما، من ذلك ما يقول به كل من النعمان والإرياني:
يلخص الأستاذ النعمان موقف القبيلة، أو بالأصح موقف مشائخ القبائل بعد الثورة، بما يلي: بعد الثورة انقسمت القبائل قسمين: قسم يقاتل في الجانب الملكي، وقسم يقاتل في الجانب الجمهوري، فتيسر لهم فتنة يعيشون منها. وجاءت مغريات كبيرة في هذه الفترة. جرت بين أيديهم مئات الألوف من النقود وهم كانوا يقاتلون مع الإمام بِخُمس الريال أو بِعُشر الريال. أصبح الشيخ الذي لم يكن يجد من الإمام إلا مئة ريال في السنة أو في السنتين، يأخذ مئة ألف ريال شهرياً من يد المصريين، ويأخذ من السعوديين عشرات الألوف من الجنيهات الذهب. ولهذا استمرت الحرب ست سنين. كان هذا مما شجع على الحرب، لأنهم يعيشون منها.
إبان الحرب بين الإمام يحيى وبين الإدريسي، كانت القبائل تنقسم قسمين: قسم يقاتل مع الإمام، وقسم يقاتل مع الإدريسي. فكان الكثيرون يتندرون عليهم ويقولون إن دعاءهم: “الله ينصر الإمام إلى النصف، وينصر الإدريسي إلى النصف”. وكنا في أيام الحرب في اليمن نتندر ونقول: “اللهم انصر الجمهوريين إلى النصف والملكيين إلى النصف” (نعمان 2004: 216-218).
لا ينفرد الأستاذ النعمان بهذا الرأي، فهذا القاضي عبد الرحمن الإرياني لا يذهب بعيداً عما يقوله الأستاذ النعمان، إن لم يكن في بعضه تكرار له. ففي لقائه مع الرئيس جمال عبدالناصر، يوضح رأيه إزاء القبائل على النحو التالي: المثل يقول “أهل مكة أدرى بشعابها”، ونحن أخبر ببلادنا وتاريخ قبائلها. فما دام قد وجدوا (القبائل) من يدفع الذهب، وهو ما لم يألفوه، ويأتي بالسلاح، وطمعهم به أكثر من طمعهم بالمال، فإن الحرب ستطول وعلينا أن نقدر لها السنين لا الأسابيع ولا الشهور. وقلت له خذوا مثلاً على ذلك، لقد كان الإمام يحيى في مطلع العشرينات على حرب مع الإمام محمد بن على الإدريسي الذي كان يحكم جيزان وعسير والمخلاف السليماني ويبسط نفوذه على الحديدة وما وراءها شمالاً، وكانت القبائل اليمنية الشمالية هي التي تحارب في صفوف الإمام يحيى وفي صفوف الإمام الإدريسي. وكانوا يذهبون للحرب مع الإدريسي من أبواب الإمام يحيى، فإذا عوتبوا لخروجهم على إمامهم قالوا هذا، ويعنون يحيى، إمام المذهب وذلك، يعنون الإدريسي، إمام الذهب. وكانوا متفقين على أن لا يسمحوا بقيام معركة حاسمة لصالح أحد الجانبين المتحاربين ويدعون الله أن ينصر الإمام نصف نصر وينصر الإدريسي بالنصف الثاني حتى تستمر الحرب ويدوم الارتزاق. إنهم يحترفون الحرب كمرتزقة ما داموا قد وجدوا من يمونهم بالمال والسلاح (الإرياني: 60-61).
على ألا يغيب عن أذهاننا ضرورة التمييز بين رجال القبيلة، من جهة، وبين مشائخها من جهة أخرى؛ ضرورة التمييز بين مصالح هؤلاء وأولئك، متى تتعارض ومتى تلتقي، واستحضار الظروف التي تودي برجال القبيلة إلى الانسياق والانجرار وراء مشائخهم.
بيد أن ثمة آراء تقف إيجابياً إزاء المشائخ على وجه التحديد، ولا تؤيد الأستاذ النعمان والقاضي الإرياني وأمثالهما؛ ولعل الشهيد الزبيري من أهم أصحاب الموقف الإيجابي إزاء المشائخ. يقول القاضي الإرياني، إن للشهيد محمد محمود الزبيري رأيا آخر؛ حيث يقول: كان الأخ الزبيري قد بلغ به حسن الظن بمشائخ القبائل كل مبلغ، إلى حد أنه وافق على اقتراح مصري بإقامة مجلس للشيوخ يتمثل فيه كل مشائخ اليمن، فيشكل مجلس شيوخ الناحية فالقضاء فاللواء وينتخب من مجالس الألوية مجلساً أعلى يكون مقره صنعاء ويشترك في تسيير سياسة الدولة. وقد عرض علي الأمر في اجتماع بحضور المشير عبدالحكيم عامر في الثامن من فبراير/ شباط 1963. ومع أن علاقتي بالمشائخ كانت جيدةً جداً إلا أني رأيت في ذلك إفساداً للسياسة وللمشائخ معاً. وأقول من الآن إنهم (المشائخ) بعدها سيطلبون الوزارات ويدخلون في تنافس فيما بينهم وتكرسون بهذا الحكم القبلي بدلاً من أن تخرجوا البلاد إلى حكم النظام والقانون (الإرياني: 73-74).
(5) من الواضح هنا أن الأحمر يرد على أبو لحوم، حيث وأن “مذكرات” الأحمر صدرت في عام 2007، في حين سبقها كتاب أبو لحوم “اليمن – حقائق ووثائق عشتها” الجزء الثالث، في عام 2005.
(6) يصرح الأحمر بكل وضوح أن “موقف السعودية كان مؤيداً لحركة 13 يونيو، ولا أعتقد أنه كان لها دور في التخطيط للحركة ولكن يبدو أنه كان هناك سر بينهم وبين إبراهيم الحمدي لأنهم كانوا ضائقين بالقاضي عبدالرحمن الإرياني، وكانوا على علاقة بإبراهيم الحمدي ومعجبين بشخصيته، وقد دعموه في البداية” (الأحمر: 222).
المراجع:
– أبو لحوم، الشيخ سنان: اليمن – حقائق ووثائق عشتها، الجزء الثالث 1974 – 1990، مؤسسة العفيف الثقافية، الطبعة الأولى 2005.
– الإرياني، القاضي عبدالرحمن بن يحيى 2013: مذكرات (جزءان)، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب.
– الأحمر، الشيخ عبدالله بن حسين: مذكرات – قضايا ومواقف، الآفاق للطباعة والنشر – صنعاء، الطبعة الأولى 2007.
– جولوبوفسكايا، يلينا: التطور السياسي للجمهورية العربية اليمنية – 1962 – 1985. نقله إلى العربية: محمد على عبدالله البحر، إعداد وتوثيق: مركز الدراسات والبحوث اليمني – صنعاء، الطبعة الأولى 1994. (للعلم، جاء اسم المؤلفة خطأ في غلاف الكتاب: جولوفكايا. ايلينا. ك. والتصحيح من مقدمة المؤلفة: “إلى القارئ اليمني”، ص (4). لذا لزم التنويه).
– الحامد، شهاب أحمد: مرواح الكوازم، صنعاء، الهيئة العامة للكتاب، الطبعة الأولى 2009.
حيدر، قادري أحمد: الصراع السياسي في مجرى الثورة اليمنية وقضية بناء الدولة، مركز الدراسات والبحوث اليمني، الطبعة الأولى 2018.
– دريش، بول: اقتراع شعبي يومي: الأمنة والدولة في اليمن، في كتاب: التحولات السياسية في اليمن – بحوث ودراسات غربية، 1990 – 1994، المعهد الأمريكي للدراسات اليمنية – صنعاء 1995.
الشلال، أبو القصب، والشريف، فاطمة أحمد: قاموس الأحداث اليمانية، دار الأزمنة الحديثة للثقافة والتوثيق – 1995.
عنان، زيد:
– العيني، محسن: خمسون عاماً من الرمال المتحركة، دار النهار، طبعة الشروق الأولى، يناير 2001.
– كتاب “الرأي العام” (4): أبرز الأحداث اليمنية في ربع قرن (بدون تاريخ ومكان الإصدار).
– نعمان، أحمد محمد 2004: مذكرات، تقديم: فرانسوا بورغا ونادية ماريا الشيخ – صنعاء.
– نعمان، محمد أحمد (د.ت): من وراء الأسوار، دار الكاتب العربي – بيروت.
:Dresch, Paul
1993- Tribes, Government, and History in Yemen, Clarendon press . Oxford
.Serjeant, R. B
1982 – The Interplay between Tribal Affinities and Religious (Zaydi) Authority in the Yemen, in: Al-Abhath, journal of the Center for Arab and Middle East Studies, Faculty of Arts and Sciences, American University of Beirut, Vol. XXX