خيوط الفجر
"أنتيفا" في مواجهة اليمين القومي المتطرف.
هكذا تقول اللحظة الأمريكية؛ فحيث يدير رئيس أكبر دولة علاقته الدستورية بالناسمن خلال مزاج اللحظة عبر" تويتر"، فعلينا أن نقول: ليشرب من نفس كأسرؤساء العالم الثالث، ومن الكأس الذي سقتها المخابرات المركزية لدول أمريكا اللاتينية.
هل يتكرر مشهد "بوعزيزي" في تونس والنار تأكله،هل تتكرر النتيجة مع "جورج فولويد" و"لا أستطيع التنفس"؟ يبدوالمشهد واحد إلى حد كبير. في تونس كان الناس أيام بن علي لا يجرؤون على المرور فيالشارع التي تنتصب فيه "وزارة الداخلية"، مع ما يمثله الأمن من رعب. فيواشنطن منع حائط من الحرس الوطني والشرطة، الناس من الوصول إلى الشارع المواجهللبيت الأبيض.
بعد خروجه إلى اقرب كنيسة (سانت جونز) من البيت الأبيضورفعه "الإنجيل" بيده، تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في طور جديد منالصراع العنصري المستتر، والذي تمثله جهاراً نهاراً علاقة الشرطة بالملوّنين، وهو مايعيد إلى الأذهان ذلك الزمن يوم أن كان السود يباعون بالرطل.
أن ترفع كتابك المقدس لوحدك في وقت تتشكل فيه اللوحةالعرقية في أمريكا من أنحاء الكون، فأنت تظهر الرأسمالية المتوحشة بوجهها المستتر.
هذا الرجل- ترمب- ينفخ في الرماد ليثير النار التيتحته، لسبب بسيط، هو أن الرأسمالية المتوحشة تدرك أن البساط يُسحب تدريجياً لصالحرؤية ثالثة تتقدم حثيثاً في العالم وتأخذ من الليبرالية أجمل ما فيها، ومنالاشتراكية المقترنة بالحرية وحقوق الانسان، ما يحفظ كرامة الانسان في ظل اقتصادالسوق الذي توجهه الدولة؛ خذ الصين أنموذجاً.
لم يجافِ الحقيقة "نعوم تشومسكي" حين وصف مايجري في العالم بأن وراءه "الليبراليون الجدد"؛ أولئك الذين يعملون علىاستعادة الفعل الذي يغادر من تحت اقدامهم. لكن عنوانهم- ترمب- فضح تهورهم،وبالتالي تهور الجشع الرأسمالي، إذ ليس بالمستغرب أن يصفه بـ"المسخ الاجتماعي"،حيث يجمع في شخصيته كل موبقات المستوطنين الأوائل الذين بدؤوا، بفجور، استغلال قوةالعمل الأفريقية، وطرد السكان الأصليين بالرصاصة الاولى.
قادة الجيش الأمريكي قالوا للجنود الذينهدد ترمب بنشرهم في الشوارع: "إذا أمركم أن تطلقوا النار فلا تطلقوا، فالأمريكيليس عدوّ الجيش".
ترمب يمثل مصانع السلاح والشركات متعددة الجنسياتوكبريات شركات النفط والقادمون من صقلية؛ نفس المكان الذي قدمت منه "أنتيفا"التي جاءت تعبيراً عن رفض للماسونية والتطرف القومي لليمين الذي بدأت صناعته هناكفي أوروبا، وتحديدا في إيطاليا. ولكم أن تعودوا إلى كتاب "حكومة العالمالخفية" لتجدوا إجابات عن الكثير من الأسئلة.
الصراع من لحظة أن انطفأ صوت "فولويد": "لاأستطيع التنفس"، شرارة المواجهة القادمة اشتعلت من بين أقدام ذلك الشرطي الذييمثل "الرأسمالية المتوحشة" خير تمثيل، ولذلك سترى أن الشارع في مواجهةالبيت الابيض؛ فإذا ما عاد ترمب إلى الغرفة البيضاوية، فستكون أمريكا على أبوابالتغيير الأكبر عبر ما روّجته للعالم؛ "الفوضى الخلاقة".
ليس هذراً أو مجرد ترديد جملة خرجت من فم "فولويد"تحت وطأة الألم؛ فحين ردت الناطقة باسم الخارجية الصينية على بيان الخارجيةالأمريكية حول قانون الأمن القومي لمواجهة ما تحاول الإدارة الأمريكية أن تزعزع بهمتانة سور الصين العظيم في هونج كونج، فقد ردت: "لا أستطيع التنفس"،لتذكر "دهاقنة" الرأسمالية الجشعة واللوبي اليهودي بأن من بيته من زجاج،فتستطيع حجرة يلتقطها طفل صيني وبرمي بها في الهواء، كسر الزجاج والنفاذ الى الداخل.
الانتخابات على الأبواب، و"بايدن" يتقدم،خاصة هذه الأيام تحت وطأة أقدام الجنود في الشارع، وهو ما تنبّه له دستورياً قادةالجيش الذين ذكّروا الجنود بأن الدستور يحتم ألا يطلق جندياً النار على أقدامالمتظاهرين الأمريكيين، ولأول مرة يقولها قادة كبار سابقون وحاليون: "إذا أمركمأن تطلقوا فلا تطلقوا، فالأمريكي ليس عدوّ الجيش".
الرأسمالية لا تستمر وتنتعش إلا بوجود عدوّ هي تصنعهوتخوّف به الأمريكي الذي يكدّ ويتعب، لكي تسيطر. لذلك لم يكن عبثاً كتاب سارتر عن أمريكاالبشعة، والتي يذكّر فيها ترمب الآن ببيض جنوب أفريقيا، من أقاموا السواتر في وجوهالسود، ليبعث مانديلاّ ويزيلها ويصنع أمة اخرى.
الانتخابات القادمة ستجيب عن السؤال الذي يشغل بالالعالم كل أربع سنوات أو ثمان: من ينتخب الرئيس الأمريكي: الشعب أم الرأسمالية الجشعة؟؟
كل يوم يبرز من الشارع الأمريكي سؤال، والإجابة على كلالأسئلة في نوفمبر القريب.