تُسابق مدينة تعز ( جنوب غرب اليمن) الزمن، ليس لأجل مداواة مرضاها جراء تفشي موجة الحميات والأوبئة وحسب، بل لطيّ صفحات المعاناة التي وصلت إلى كل منزل في المدينة المحاصرة، في ظل تجاهل محلي وعالمي لمأساتها الراهنة.
تقتضي حاجة مدينة تعز ذات الكثافة السكانية الأكبر في البلاد، دعما صحيا مضاعفا من قبل المنظمات العالمية لمواجهة جائحة كورونا، خصوصا أن اليمن واقعة تحت البند السابع لميثاق الأمم المتحدة منذ 14 إبريل/ نيسان 2015.
بحسب الدكتور أحمد منصور، مدير المختبر المركزي بتعز والمتحدث باسم لجنة الطوارئ، فإن ما تلقته تعز من “مسحات” تشخيصية للمشتبه بإصابتهم بفيروس كورونا كانت 20 مسحة في نهاية أبريل/ نيسان 2020، ثم 50 ماسحة أخرى في 28 مايو/ أيار 2020.
وقال منصور لـ”خيوط” إنه في حال عدم توفر كميات كبيرة من المسحات التشخيصية إلى جانب محاليل الـ pcr التي تقترب هي الأخرى من النفاد لدى المختبر المركزي، فإن أرقام المصابين بفيروس كورونا في تعز ستزداد بنسب كارثية.
لجنة الطوارئ في تعز، كانت أعلنت عبر الصفحة الرسمية لمكتب الصحة على موقع التواصل “فيسبوك”، أن عدد المصابين بفيروس كورونا في المحافظة بلغ 54 حالة إصابة مثبتة، منها 13 وفيات، وأربع حالات شفاء حتى 31 مايو/ أيار 2020.
ويشير أحمد منصور إلى أن طريقة عمل الفحص للمشتبه بإصابتهم بالوباء تمر بمراحل تبدأ من فرق الاستجابة والترصد الوبائي المنتشرة في كل مديريات محافظة تعز التابعة للحكومة المعترف بها دوليا. تتعامل هذه الفرق مع الحالات قبل أن يتم التأكد من إصابتها عبر فحص pcr وأجهزة الأشعة المقطعية، وهذه الأخيرة لا تتوفر في المستشفيات الحكومية بالمدينة.
مستشفيات مغلقة
يشكو الكثير من أهالي مدينة تعز في الآونة الأخيرة إغلاق المستشفيات أبواب خدماتها أمامهم بسبب مخاوف انتقال العدوى للطواقم الطبية، أو لعدم توفر الإمكانات الكافية للتعامل مع الوباء.
غير أن د. منير العبسي، الطبيب في قسم العناية المركزة بمستشفى الثورة العام، تحدث لـ”خيوط” عن “استنفار” غالبية أقسام المستشفى للعمل بصورة متواصلة. ولفت العبسي إلى أن الحالات التي يتم إحالتها إلى مستشفيات أخرى، هي فقط للمشتبه بإصابتها بفيروس كورونا، كون مستشفى الثورة ليس مجهزاً كمركز عزل للوباء.
وكانت الأمم المتحدة أعلنت أن مستشفيات اليمن المخصصة لمواجهة جائحة كورونا وعددها 38، امتلأت أسرّتها تماما بمصابين بفيروس كورونا منذ 29 مايو/ أيار 2020.
وعن تحويل الحالات المصابة أو المشتبه بإصابتها بفيروس كورونا، انتقد عبدالمغني المسني، مدير مركز العزل “شفاك”، وهو مركز عزل غير حكومي، ما وصفها بـ”الإحالات العشوائية”. وقال المسني لـ”خيوط” إن هذه الإحالات غالباً ما تقوم بها إدارات المستشفيات الحكومية والخاصة في المدينة دون المرور عبر فرق الترصد الوبائي لإجراء فحوصات الحالات المشتبه بها. “هذه العشوائية تربك عمل الأطباء في مركزي العزل بسبب الزيادة المفاجئة الناتجة عن هذه الإحالات”. أضاف.
وعلق رئيس فرق الاستجابة بمكتب الصحة بتعز، منير الحميدي، على ذلك بالقول إن هناك “تنسيق يجري حاليا من أجل تطوير التعاون بين مراكز العزل والمستشفيات، لجعلها تحت إدارة فنية واحدة، تفاديا لأية أخطاء قادمة قد تحدث”- حسب تعبيره.
إلى ذلك قال، مدير مستشفى الجمهوري، د. نشوان الحسامي، إن المستشفى “يقدم خدماته للمرضى على مدار الساعة”، رغم وجود مركز عزل لمصابي كورونا ضمن مرافقه. وأضاف أن مركز العزل يقع ضمن قسم مستقل كان مخصصا لأمراض (السل الرئوي)، وهو القسم الذي دعمت الحكومة الفرنسية بناءه وتشغيله في السابق، لمعالجة مرضى السل في اليمن.
جاءت سيارة إسعاف تحمل اسم منظمة الصحة العالمية لنقل مصاب إلى مركز عزل آخر بوجود مرافقي المصاب في السيارة نفسها وذلك بسبب عدم توفر سيارة الإسعاف على كادر عناية ونقل
نموذج للتعامل مع المصابين
تنشطر تعز إلى قسمين، أحدهما واقع تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، والآخر تسيطر عليه الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا. هذا الأخير يضم مركزي عزل لمصابي فيروس كورونا أحدهما حكومي ضمن مرافق المستشفى الجمهوري، والآخر خاص في منطقة “بير باشا” (غرب) ويتبع مؤسسة حمود سعيد المخلافي.
أمجد (30 سنة) وهو اسم مستعار حفاظاً على خصوصية المرضى، روى لـ”خيوط” معاناته وصعوبة العثور على رعاية صحية جيدة لدى مركزي العزل في تعز. معاناته بدأت بعد أن نقل صهره (عبود 35 سنة)- وهو اسم مستعار أيضا، إلى المستشفى الجمهوري. اعتقد عبود أن الأعراض التي ظهرت عليه بقوة كان سببها لمسه للنقود الورقية أثناء عمله، لذلك استدعى صهره أمجد لنقله إلى المستشفى. توجه المسعف بالمريض إلى مركز “شفاك”، لكن المسؤولين عليه رفضوا التعامل مع الحالة قبل الذهاب إلى مركز العزل الحكومي للتأكد أولاً ما إذا كان مصاباً أم لا.
“هناك وجدنا أن الوضع الصحي سيئاً للغاية.” هكذا وصف أمجد مركز العزل بالمستشفى الجمهوري الحكومي، والوضع الصحي الهش الذي يبدو عليه. ويضيف “كنا نشتري جميع أصناف الدواء من حسابنا الشخصي وبأسعار باهضة كل يوم، إضافة للفحوصات المخبرية خارج المركز الذي يملك مختبرا داخليا”.
وبحسب أمجد، لم يكن هناك وسائل حماية لمرافقي المصاب طيلة انتظار نتيجة الفحص، ما يجعلهم عرضة للإصابة أثناء مخالطتهم للحالة. عندما ظهرت نتيجة فحص pcr إيجابية لدى عبود، قال مسؤولو مركز العزل الحكومي لأمجد إن المستشفى لا يستطيع فعل شيء للحالة بسبب نقص الإمكانات، وأن عليه أن ينقل صهره إلى مركز “شفاك” الخاص.
عندما تقرر نقل المصاب إلى مركز “شفاك”، جاءت سيارة إسعاف تحمل شعار منظمة الصحة العالمية لتقوم بالمهمة، وهناك طُلب من أقارب المصاب الصعود على السيارة للإمساك بالسرير كونها غير مجهزة كسيارة إسعاف.
وفي مركز “شفاك”، نقل الأقارب (وعددهم أربعة بحسب أمجد) مريضهم إلى داخل المركز، بدون اتخاذ أية وسائل حماية من مخالطة الحالة. وقال أمجد إنه يخضع حالياً لحجر منزلي على إثر مخالطته لصهره، بينما يزوره موظفون في فرق الاستجابة كل يومين للتأكد من حالته.
مدير مستشفى الجمهوري، الدكتور نشوان الحسامي، علق على هذه القصة بالقول إن مركز العزل الحكومي “لا يسمح بدخول الأهالي أو المرافقين، ويشدد على اتخاذ وسائل الوقاية والحماية، لكن ذلك يحدث أحيانا بقوة السلاح نظرا لقلة وعي البعض بخطورة الوباء وطرق انتشاره”.
كما قال مدير مركز العزل “شفاك”، الدكتور عبدالمغني المسني، إن “الطبيب المستلم” هو من يتولى ترتيبات إدخال الحالات إلى المركز، “وعلى مسؤوليته تقع حماية الزائر مع الأخذ بالاعتبار المكان المخصص للزيارة، حيث أن للمركز أقسام مختلفة منها للعزل، وذلك لسعة المبني الذي يقع بعمارتين متجاورتين تتصلان بجسر”.
ما تسلمه مركز العزل في تعز من منظمة الصحة العالمية هو جهازي تنفس صناعي فقط، بالإضافة إلى ثمانية أسرة عناية مركزة وبعض مستلزمات الحماية للكادر الصحي
مركز ميت
تزداد حدة الأصوات المنتقدة للخدمات الهشة التي يقدمها مركز العزل الحكومي في مدينة تعز يوما بعد آخر، حيث يتساءل مواطنون على مواقع التواصل الاجتماعي، عن الدعم الذي يأتي ولا يلمسون له أثر، بحسب تعبيرهم.
وفي توضيح بشأن هذا “الدعم” وقصور الخدمات الطبية، قال مدير مكتب الصحة في تعز، راجح المليكي، لـ”خيوط” إن “المركز يحاول تقديم خدماته للمرضى المصابين بكل ما هو متاح من دعم وأكثر، رغم شحة الإمكانات”.
وأضاف الدكتور المليكي، أن ما تسلمه مركز العزل في تعز من منظمة الصحة العالمية هو جهازي تنفس صناعي فقط، بالإضافة إلى 8 أسرة عناية مركزة، وبعض مستلزمات الحماية للكادر الصحي، متهما “جهات معينة” في تعز قال إنها “تقف وراء حجز حصة المركز من اسطوانات الأكسجين داخل هيئة مستشفى الثورة العام”- حسب تعبيره.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية في 27 مايو/ أيار 2020، أن مجموعة هائل سعيد أنعم تكفلت بدفع رواتب موظفي الرعاية الصحية في صنعاء وعدن عبرها، بمبلغ 200 ألف دولار.
وقال المليكي، إن الدعم المالي الذي كان مخصصاً من قبل محافظ المحافظة نبيل شمسان، في خزينة مكتب الصحة في تعز لا يتجاوز 10 ملايين ريال، وهي مخصصة لمستلزمات حماية الكادر الطبي وفرق الاستجابة في كل مديريات مدينة تعز.
وأبدى المليكي استعداده للخضوع للمساءلة القانونية إذا ما ثبت تقديم جهات خيرية أو أممية لمساعدات مالية أخرى، وهو ما قال إنه أكده خلال مؤتمرات صحفية سابقة بحضور مدير مكتب المالية في المحافظة.
ولا تزال مدينة تعز تشهد -منذ خمس سنوات- حالة من عدم التوازن الصحي والإداري بسبب الحرب والصراعات الحزبية التي رافقتها، حيث خرجت أواخر العام 2019، مظاهرات تندد بما سمي “فساد السلطة المحلية”.