دائماً.. العربة أمام الحصان!

عبدالرحمن بجاش
June 1, 2020

دائماً.. العربة أمام الحصان!

عبدالرحمن بجاش
June 1, 2020

خيوط الفجر

ذات عمود قبل سنين، كتبت عن تقرير ذلك الخبير الياباني حول إمكانية أن تواجه صنعاء كارثة مائية، وقدر توقع حدوث ذلك خلال عشر سنوات قادمة، ولولا الحصول على مخزون مائي في المنطقة التي تقع قريباً من خمر بمحافظة عمران، لكان كلام الياباني وجد طريقه وحلت الكارثة.

ليس الموضوع الآن موضوع المياه على أهميته، بل عن المدرسة التي أسسها أحد المسؤولين الكبار أيامها “لا تخوفوا الناس!”.

استدعاني يومها وألقى على رأسي محاضرة تشبه محاضرة علي البيض عن “الشفافية الطبقية” التي أشار إليها منصور هائل في كتابه  القيّم “أطياف عدن.. هذيان الحطب”.

خرجت من مكتبه كما دخلت وأنا لا أعرف ما يريد، لأخرج وأنا لا أعرف ماذا قال، لأن ما قاله لا يمت إلى المنطق بصلة.

هل عليّ أن أحذر ابني من المنحنى الواقع في طريق ما، أو أن عليّ أن أتركه يقفز منه إلى الهاوية ثم ألقي عليه في غرفة الإنعاش محاضرة في ضرورة الحذر.

أن تظل تكتم الحقيقة عن الناس  وتلف وتدور حول الحمى، وتتركهم نهباً للشائعات، وتظل أنت تكابر بعدم إخبارهم بحقيقة أي أمر حتى تحصنهم من الخوف نتيجة أن كل مواطن يتحول إلى آلة لإنتاج “الخبابير” وتلقّيها وإعادة تصنيعها، بعد إضافة ما يجود به عليه القات والليل جلاّب الهموم، فأنت لا تحترم عقولهم، بل وتخدعهم.

تجد نفسك أمام الكارثة، فتعود تصيح: “يا ناس عند الله وعندكم الحقونا والحقوا أنفسكم”، في اللحظة التي يكونون قد أُنهكوا من الشائعات والتسريبات والتسييس، في تلك اللحظة أيضا تكتشف ويكتشفون أنك عالق وهم عالقون، وهنا كارثة الكوارث.

كان يفترض وبهدوء وإدارة متمكنة أن تتم الأمور هكذا: وضّح الحقيقة، ووجّه بما يفترض أن يكون، واحشد إرادتهم الجمعية، ثم ألزمهم بالقواعد التي اعتمدها العالم، ثم حاسب من يخالف بالقانون

ماذا لو قلت للناس من أول وهلة: “الكورونا وصل إلى الديار، ونحن لسنا في معزل عن العالم، إذاً ولأن بلادنا تعيش ظرفاً استثنائياً، والإمكانات شحيحة، تعال أيها المواطن لنقف كجهد رسمي وجهد شعبي ونواجه الوباء”. ستجد الناس جميعاً إلى جانبك، بل وسيؤدون لك التحية لأنك حميتهم مما تسميه أنت “محاولة الأعداء اختراق الصفوف”، وحميتهم من الخوف الذي شلّ قدرتهم مبكراً. لقد صاروا  فقط، يردّدون “فلان مات، فلان على وشك الموت”. ولأنك حجبت المعلومة الحقيقية ولم تحصّنهم بها، فقد اعتبر المواطن أن كل حالات الوفيات حصلت بسبب “الكورونا” بينما هناك حالات كثيرة لوفاتها أسباب أخرى.

 مهما حاولت أن تشرح وتوضح متأخراً فلن يصدقك أحد، لأنك لم تتعامل بشفافية منذ البداية.

أعود وأقول كان عليك أن تصارح الناس بحقيقة الأمر حتى وإن كان قاسياً، أما وقد خربت مالطا، فلن يصدقك أحد، ومهما وجهتهم باتجاه السماء، حتى هذه لن يصدقوك، وإن صدقك الذين يتعاملون مع الأمر بوحي من انتماء ما، لكن الخطر قد يصل إليهم، هنا سيهربون ويتركونك وحدك مثل ذلك الأخ الذي أدعو الله، وقد غاب، ألاّ يكون قد أصيب، بعد أن ظل يدافع بالحق وبالباطل، بل ويخاصم الناس إذا شككوا فيما يقول أصحابه.

أن تدعو الناس إلى مساندتك وقد خذلتهم مبكراً، فلا تتوقع أن يلتفتوا إلى ماتقول، لأن الخوف قد شلّ قدرتهم، وصاروا أيضاً مبلبلين، خاصة والفضاء مفتوح عن آخره؛ وحدك باقٍ في غرفة لافضاء لها.

مدرسة أخرى هي “العربة أمام الحصان”، ما يعني أن كل شيء مقلوب، ولم يعد الجميع يدرون أين أيديهم، هل يمشون بها ويشيرون بأرجلهم “السلام تحية”.

على أحد ما أن يجيب…

كان يفترض وبهدوء وإدارة متمكنة أن تتم الأمور هكذا: وضّح الحقيقة، ووجّه بما يفترض أن يكون، واحشد إرادتهم الجمعية، ثم ألزمهم بالقواعد التي اعتمدها العالم، ثم حاسب من يخالف بالقانون. غير هذا يكون مجرد فهلوة.

الفقهاء لا يحكمون. على أننا إذا ما تبقت فسحة للقول السليم، نقول: لا تخافوا، فعدد من تمّ لهم الشفاء من هذا المرض أكثر من الذين قضوا. لا عزاء لمن يضع العربة أمام الحصان، ويرمي بالمعلومة والشفافية بين أقدامه.

•••
عبدالرحمن بجاش

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English