بوجهٍ عابسٍ وحالةٍ نفسيةٍ محبَطةٍ، يصف التربوي محمد حزام (48 عاما) شهرَ رمضان، هذا العام، بالكئيب، نظرا للفاقة وعدم استطاعته توفير ما يسدّ به جوعَ أسرته، إلى جانب عدم حصوله على السلة الغذائية التي كانت تُصرَف له كلّ شهرٍ، في إطار المساعدات الإنسانية.
التربوي حزام، وهو أبٌ لسبعة أولادٍ ويسكن شقةً بالإيجار في مدينة إب (وسط) يؤكد لـ”خيوط” الحال القاسي الذي وصفه، أثناء حديثه، بـ”غير المسبوق” طوال حياته.
يتذكر حزام كيف كان يأتي رمضان، وقد اشترى كسوة عيد الفطر لكل أولاده، ويملأ مطبخه من السلع الغذائية المتنوعة الخاصة بتجهيزات مائدة الإفطار، طيلة الشهر الكريم.
يتساءل: “من أين لنا أن نكسو أطفالنا، ونحن نعتمد في الأساس على الراتب؟ لهذا قلت لأبنائي: سامحوني وأعْفوني من كسوة العيد هذا العام”، مشيرا إلى أن راتبه توقف تمامًاً منذ أكثر من أربعة أعوام، وأنه لم يتسلم حصته من المساعدات الإغاثية للشهر الماضي.
يقول حزام إنه كان في حالٍ أفضل “نسبياً”، طيلة الأشهر الماضية، حيث كان يتسلم، كل شهرٍ أو شهرين، سلةً غذائيةً، مقدمة من برنامج الغذاء العالمي، تُصرف عن طريق عاقل الحارة، والتي تكاد تسد رمق أسرته؛ الأمر الذي يعكس مدى تأثر ملايين اليمنيين جراء تقليص الأمم المتحدة دعمها لليمن، في ظل الحرب المدمّرة التي دخلت عامها السادس.
ملايين اليمنيين مهددون بالمجاعة
حال التربوي حزام هو مثالٌ لأحوال ملايين اليمنيين، ممن توقفت رواتبهم وفقدوا أعمالهم، والذين تأثروا من قرار الأمم المتحدة تقليص دعمها لليمن، في ظل جائحة الوباء العالمي، فيروس كورونا المستجد.
عائلاتٌ كثيرةٌ شكت عبر إفاداتها “خيوط”، عدم حصولهم في رمضان على مساعدات إغاثية كانت تعتمد عليها، طيلة سنوات الحرب، مشيرين إلى أن القائمين على توزيع المساعدات اعتذروا، وأرجعوا ذلك إلى تقليص وكالات الأمم المتحدة لدعمها.
مطلع أبريل/نيسان 2020، قرر برنامج الغذاء العالمي، التابع للأمم المتحدة، تخفيض المساعدات الإنسانية، المقدمة إلى المناطق التي يسيطر عليها جماعة أنصار الله (الحوثيون)، إلى النصف، معللاً ذلك بوجود أزمةٍ في التمويل.
ويزوّد برنامجُ الغذاء العالمي أكثرَ من 12 مليونَ يمنيٍّ بالطعام، شهريا؛ 80% منهم يعيشون في مناطق تسيطر عليها جماعة أنصار الله (الحوثيون).
وفي تصريحات سابقة، قالت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، ليزا غراندي، إن نقص التمويل سيؤثر على كل أجزاء المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة لليمن، في أكبر عملية إغاثةٍ إنسانيةٍ في العالم، وسط تصاعد التهديد الذي يمثله تفشي وباء فيروس كورونا المستجد.
وثمة مخاوفُ متزايدةٌ من أن النظام الصحي في اليمن قد يعجز عن التعامل مع تفشي وباء كورونا؛ إذ إن أكثر من نصف مستشفيات البلاد وعياداتها الطبية قد دُمرت خلال الحرب.
البلاد في حالة حرب، نكافح لتوفير الأشياء الضرورية من نفقات البيت والإيجار، حتى المساعدات الإغاثية التي كنا نحصل عليها في الشهر أو الشهرين، توقفت
ثوب العافية أغلى كسوةً في زمن كورونا
على عبده (43 عاماً)، يعمل في ورشةٍ للِحَام الحديد، هو الآخر لم يتمكّن من شراء ملابسَ جديدةٍ لأبنائه، بسبب ارتفاع الأسعار، فاضطر إلى إخبار أبنائه الأربعة بأنه سيكون عليهم ارتداء ملابس العيد للسنة الماضية.
بلُغةٍ ملؤها الحسرة، يتحدث عبده لـ”خيوط” قائلا: “أعمل في الورشة بأجرٍ يوميٍّ قدره أربعة آلاف ريال، وأسكن شقةً بإيجار شهري قدره 30 ألف ريال، والأربعة الآلاف تلك لا تفي بتوفير نفقات البيت الضرورية”.
وأضاف: “بررت لأولادي بألّا فرحة للعيد في ظل تفشي فيروس كورونا، وسيكون هناك حظر للتجوال، وأن العيد هذا سيكون عيد العافية”.
يعترف عبده أن حرمان الأطفال من كسوة العيد يخلق أضراراً نفسيةً كبيرةً لدى الأطفال، خصوصاً عندما يلاحظون أصدقاءهم وجيرانهم من الأطفال، ممن ينتمون إلى الأسر ميسورة الحال وهم يرتدون ملابسَ جديدةً، بينما هم لم يتمكنوا من الحصول على ذلك؛ لكنه يقول: “البلاد في حالة حرب، نكافح لتوفير الأشياء الضرورية من نفقات البيت والإيجار”.
ويختم عبده حديثه بالقول: “حتى المساعدات الإغاثية التي كنا نحصل عليها في الشهر أو الشهرين، توقفت، والحال كما تعرف، فأقنعت أولادي أن ثوب العافية هي أغلى كسوةً لهم في زمن كورونا”.
وتسببت الحرب المتصاعدة في البلاد بواحدةٍ من “أسوأ الأزمات الإنسانية” في العالم، مع ارتفاع أعداد السكان، الذين يعانون من “ضائقةٍ غذائية”، إلى نحو 19 مليوناً، بينهم حوالي سبعة ملايين شخصٍ لا يعلمون من أين سيحصلون على وجبتهم التالية. كما بات 80% من السكان بحاجةٍ إلى مساعداتٍ إنسانيةٍ، حسب تقارير الأمم المتحدة.
وضاعف من تدهور الوضع الإنساني، على نحوٍ مريعٍ في البلاد، عجزُ سلطات الأطراف المتحاربة في اليمن عن دفع رواتبِ أكثر من مليون موظفٍ حكوميٍّ، للعام الرابع على التوالي، بعد الإفلاس غير المعلن للبنك المركزي اليمني، فضلاً عن تسريح عشرات الآلاف من العاملين في القطاع الخاص، بسبب التداعيات الاقتصادية للنزاع؛ ما قذف بملايينَ إضافيةٍ من السكان إلى دائرة الجوع.
قرار كارثي
وفي السياق، قال الخبير الاقتصادي مصطفى نصر، إن “المساعدات الإنسانية المقدمة لليمن تشكّل نسبةً مهمةً الآن من الاقتصاد اليمني؛ كونها تغطي احتياجاتِ شريحةٍ واسعةٍ من المواطنين الذين يعتمدون على هذه المساعدات”.
واعتبر نصر، في حديثه لـ”خيوط”، أن المساعدات الإنسانية في اليمن توفِّر عملةً صعبةً للبلد، بعد أن تراجعت صادراتُ النفط، وتراجعت أيضاً عائداتُ المغتربين، وغيرها.
وأكد أن تقليص الدعم الإنساني في اليمن سيكون له تأثيراتٌ سلبيةٌ، أولاً على المواطنين، لاسيما المحتاجين، ثم على الاقتصاد اليمني؛ كون ذلك الدعم يعتبر أحد مصادر العملة الصعبة.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن تقليص المساعدات الإنسانية يتزامن، “للأسف الشديد”، مع تفشي فيروس كورونا المستجد، الذي بدأ في اليمن، وأن ذلك ستكون له نتائج كارثيةً.
ويتابع: “من الواضح أن هذا التقليص الذي حصل من بعض الدول، وهذا التراجع أربك وكالات الأمم المتحدة العاملة في اليمن”، مشيراً إلى أن هذه المنظمات، بما فيها منسقية الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، حتى الآن، لم تُصدر خطة الاستجابة للعام الحالي 2020.
وقال: “نحن الآن في شهر مايو/أيار، ولم يقدموا خطة الاستجابة”، لافتاً إلى أن جهود العمل الإغاثي الإنساني في اليمن تركت جانباً، سواءٌ بسبب تراجُع كثيرٍ من الدول وتقليص مساعداتها، أو بسبب تفشي فيروس كورونا والتحديات التي يفرضها انتشار هذا الفيروس.