حتى مع التسليم بمحدودية الأمل، مع انطلاق بطولة كأس الخليج العربي 25، في العراق، جاءت النتائج قاسية تفُوقُ أكثرَ التوقعات تشاؤمًا، وخصوصًا في المباراة الأخيرة مع العراق، هذه النتيجة دفعت لإثارة الأسئلة مجدّدًا، وهل يكفي الوضع الذي يعيشه اليمن للتبرير لهذا الفشل، أم أنّ هناك ما يجب تصحيحه في إطار المنتخب والكرة عمومًا، مثلما أنّها مسؤولية تقع على الجهات الحكومية المسؤولة أيًّا كانت.
وخلال اليومين الأخيرين، جاءت دعوة رئيس نادي الصقر الرياضيّ، شوقي هائل، إلى عملية مراجعة وتصحيح، واجتماعات، داخل الاتحاد اليمني لكرة القدم والأندية، وهي أول ردّ فعل على صعيد الشخصيات المحسوبة على الاتحاد، وقد جاءت في رسالة علنية إلى رئيس الاتحاد أحمد العيسي، الذي كان اسمه محل تعليقات بين منتقِدٍ ومدافِع خلال الفترة الماضية.
لماذا ظهر المنتخب بتلك الصورة؟
في حديث خاص لـ"خيوط"، يقول المتحدث السابق باسم المنتخب، سميح المعلمي، إنّ "الوضع والحرب والظروف الحاصلة لا يمكن أن تكون بمعزل عن الانكسارات" التي تعرّض لها المنتخب، باعتبار أنّها تسبّبت بتوقّف النشاط الرياضي الداخلي بنسبة كبيرة، بالإضافة إلى إقحام الجانب السياسي في الكرة من قبل بعض الأندية. ومع ذلك، يضيف: "لا يمكن أن نقول فقط هي الظروف، أيضًا هناك خللٌ في الجانب الإداري وفي جانب إعداد المنتخبات".
وقبل انطلاق البطولة في الموصل، كانت تصريحات المدرِّب التشيكي ميروسلاف سوكوب، قد عبّرت عن مدى الإحباط، وحصلت على انتقادات طالبَت بإقالته، لكن المعلمي يقول: "أحيانًا بعضُ المدربين يُطلِقون تصريحات من أجل الضغط على اللاعبين، لكن في غرفة المحاضرات وعند الحديث مع اللاعبين بالتأكيد سيكون الحديث مختلفًا". وإن كان اختيار المدرب للمصطلحات غيرَ مناسب، فإنّ "حديثه صحيح فيما يتعلق بالفوارق بين الكرة اليمنية والكرة الخليجية".
إلى جانب ذلك، يقول المعلمي إنّ الثغرات التي تحدث في المباريات، هي نتاج تفاصيل صغيرة، أهمّها الخبرة؛ خبرة اللاعبين من المباريات الودّية، إذ تنقص لاعبينا "بعض التفاصيل، بعض التحركات، مثلًا، بالكرات العرضية"، وكذلك ما يتعلق بالانتقال من الهجوم إلى الدفاع والعكس؛ "مثل هذه العوامل التي تحتاج إلى تركيز طوال 90 دقيقة"، كما يشير إلى أنّ اللاعبين كان معظمهم "جُددًا انضمّوا حديثًا للمنتخب، وأكثر من أربعة لاعبين تقريبًا، لأول مرة يخوضون مباراة دولية. وكل ذلك أثّر على أداء منتخبنا في الثلاث المباريات في كأس الخليج".
الاتحاد يتحمّل المسؤولية
في إطار الإجابات التي بحث عنها اليمنيّون بعد نتائج خليجي 25، يرى الإعلاميّ الرياضيّ، بشير سنان، في حديثه لـ"خيوط"، أنّه "بالتأكيد يتحمّل مسؤولية خسارة المنتخب أو الأداء الذي ظهر عليه المنتخب؛ الاتحادُ اليمنيّ لكرة القدم"، ويضيف: "شاهدنا كيف تم إعداد المنتخب بطريقة سيّئة جدًّا، وقبل البطولة بشهر تم التعاقد مع المدرِّب، وكذلك المنتخب لم يخُض أيَّ مباراة إعدادية، بالإضافة إلى أنّه "بشكل عام، الكرة اليمنية واقفة عن الدوران؛ لا توجد دوريات، لا توجد مسابقات، لا توجد روزنامة منتظمة، حتى ما قبل العام 2015. هذا فيما يخصّ اللاعبين وفيما يخص المشاركة".
الحل في أزمة الكرة اليمنية والنهوض من هذا الواقع المؤلم، يحتاج إلى منظومة متكاملة من العمل، وليس فقط على مستوى الإدارة أو على مستوى اللاعب فقط.
ويشير إلى عدم استقرار المدرِّب في عمله، إذ إنّ أجور المدرِّب الأجنبيّ عالية، ويتابع: "يتحدّث الاتحاد عن عدم وجود موارد مالية لاستقطاب مدرِّبين"، ويثير أسئلة بشأن الفارق الذي يمكن أن يحدث إذا جاء المدرّب قبل شهر من البطولة أو يأتي قبل أربعة أشهر أو خمسة أو ستة أشهر، بالتالي: "مسألة المال لا بُدّ أن تُحل"، وعلى "المعنيّين في وزارة الشباب والرياضة، وفي كافة الجهات ذات العلاقة، إيلاء موضوع المدرّب الاهتمام الأكبر، وتوفير ولو موازنة استثنائية لطاقم أجنبيّ متكامل".
انتصارات الصغار وخيبات الكبار
وعن أسباب تميّز منتخب الناشئين الذي حقّق فوزًا لأول مرة في السنوات الأخيرة، يقول سنان: "ينجح منتخب اليمنيين للناشئين، ويفشل الكبار؟ سؤال طبيعي، لأنّ الناشئين هم الفئات العمرية الأصغر، والموهبة هي من تفرض نفسها؛ حيث يأتي اللاعب وهو ما يزال طريّ العود، يمتلك المهارة والموهبة، يُقدّم كل ما عنده، حتى إذا ما كبرَ اللاعب بدون وجود مسابقات، بدون وجود تدرّج من الفئات السِّنِّية من الناشئين إلى الشباب إلى الأولمبي إلى المنتخب الأول، تكون هذه هي النتيجة، وهذا يحصل في كثير من الحالات التي مرّت علينا بالنسبة لمنتخباتنا الوطنية، لو ضربنا على سبيل المثال، منتخب قطر الذي حقّق كأس آسيا 2018، كان منتخبًا متدرجًا من الفئات العمرية الصغيرة مع مدرِّب مستقر، فكانت المحصلة تتويجًا بلقبٍ قاريّ".
دعوة شوقي هائل
جاءت دعوة رجل الأعمال، شوقي هائل، والذي يرأس نادي الصقر بتعز، لتُحرِّك المياه الراكدة وتُثير النقاشات مجدّدًا، إذ يقول بشير سنان: "أخيرًا استفاقت الجمعية العمومية، باعتبار نادي الصقر عضوًا في هذه الجمعية وأحد المنتسبين للاتحاد اليمني لكرة القدم، ويأمل من المعنيين في الاتحاد التقاط المبادرة، وألّا تكون "عبارة عن مبادرة عدائية، كما قد يصورها الاتحاد"، ويضيف: "هذه مبادرة لإصلاح منظومة الكرة اليمنية. حان الوقت بعد عشر مشاركات في دورات كأس الخليج، والمحصلة صفر"، إذ "لا بدّ من استفاقة لإصلاح مسار الكرة اليمنية. نترقب أيضًا مبادرة بقية الأندية والالتفاف حول الرسالة التي وجّهها رئيس نادي الصقر، شوقي هائل".
من جانبه، يرى المعلمي أنّ دعوة شوقي هائل، في سياق إيجابيّ، ويأمل أن "تُؤخَذ بِنِية طيبة"، وأن يتم "التعاطي معها بشكل إيجابي، لأنّها أوّلًا قانونيّة، بصفته رئيس نادي الصقر، أحد أبرز الأندية، ولأنّها تتضمّن مكاشفة، حيث إنّ الاتحاد دائمًا يصرح أنّه لا يوجد لديه ما يُخفيه، ولديه أيضًا مصروفات مالية واضحة ومداخيل واضحة "ويتكلم بكل شفافية، فلا أرى أيّ مانع من التعاطي مع الموضوع".
ويشدّد المعلمي أيضًا على أنّ الأندية بحاجة إلى تتوحّد كلمتها في سبيل تحسين الكرة اليمنية، ويقول إنّ الاتحاد لو تعاطى مع الدعوة بشكلٍ إيجابي فذلك في مصلحته. ويضيف: "الجميع يريد إصلاحات، لا أحد يرضى بأن يحدث سبّ وشتم وانتقاد على مواقع التواصل، نريد إصلاحات".
وعلى الرغم من الانتقادات التي واجهها رئيس الاتحاد، أحمد العيسي، يرى المعلمي أنّ له مواقف كبيرة إنسانية، ويكفي أنّه أصرّ أن تكون الرياضة بعيدة عن السياسة وجعل المنتخبات تعسكر في كل المحافظات اليمنية، ويشدّد على أهمية ألّا تُحمَل دعوة هائل في السياق التنافسي، "فالتعاطي معها بشكل إيجابي في مصلحة الجميع"، أمّا عند التعاطي مع ذلك بأن يأخذ أحدٌ مكان الآخر، فـ"للأسف سيكون هناك مزيدٌ من التشظّي".
عزل السياسة عن الرياضة
يخلص المتحدِّث السابق باسم المنتخب، إلى أنّ الحلّ في أزمة الكرة اليمنية والنهوض من هذا الواقع المؤلم، يحتاج إلى منظومة متكاملة من العمل، وليس فقط على مستوى الإدارة أو على مستوى اللاعب فقط، لا بد أنّ يكون هناك توجهٌ عام في البلد، ابتداءً من رئاسة الدولة إلى اللاعب، ولا بدّ أن يكون هناك اهتمام بهذا الجانب الرياضي، بوضع ميزانيات اهتمام خاص بإعداد المنتخبات وبرنامج لإعداد المنتخبات، بإشراف رئاسة الدولة وأعلى هرم في الدولة، مهما كانت هذه الدولة، سواء في الشمال أو في الجنوب، كما لا بدّ أوّلًا أن يتم عزل الجانب الرياضي عن السياسة والتوافق على أنّ هذه المنتخبات، تُشرف الوطن وتُمثّل اليمن الواحد.