أخيراً فاز اليمنيون، نعم، ولأول مرة فوزاً حقيقياً ليس على بعضهم البعض، في لحظة وطنية حبست أنفاس الجميع، في الداخل والخارج. لكن يا للمفارقة الرائعة، أن يصنع هذا الفوز البرّاق ثلة صغيرة من الناشئة، حيث أفقدت السياسة ومطامع الوصول غير المشروع إلى الحكم، البالغين صوابهم، بل ذهبت بهم ليكونوا أدوات للموت والخراب، فأنا لهم أن يتعظوا؟!
المفارقة الثانية التي يمكن التقاطها، في خضم النشوة بالفوز، أي فوز؟ بالتأكيد فوز المنتخب اليمني ببطولة غرب آسيا للناشئين، تعطي درساً آخر لا يمكن القفز عليه، ففي الوقت الذي تسعى فيه الحرب وأساطينها لإخضاع اليمنيين، ومصادرة إرادتهم، نرى كيف ينبثق من تحت الحطام، جيلٌ يمنيّ لا يمكن قهره. كيف لا، وهؤلاء البالغون، لم يكن لهم أن يأخذوا كل دروس الماضي، فكيف بهم أن ينتبهوا بأن عصر الاستغلال والاستبداد ومصادرة إرادة العامة أشياء ولت إلى غير رجعة.
لن نبالغ، إذا قلنا إن الدرس الذي علمنا إياه الأشبال الصغار في هذه الأمسية الخالدة، أمسية الـ13 من ديسمبر/ كانون الأول 2021، أبلغ وأجزل من مئات الخطب الطويلة الممجوجة، ودروس الوطنية التي حاولت أن تلقننا إياها السياسة وممارساتها الخاطئة، حتى لكأننا نبحث عن أشيائنا المهدورة، في بعث جديد يتشكل على حين غرة، من فتك الكبار ببعضهم.
تقول هذه اللحظة أيضاً: لكم كنّا متعطشين وفاقدين لوطنيتنا، لإنساننا اليمني النبيل الصالح، ولوحدة جغرافيتنا المفتتة، وبالوضوح الذي لا يمكن أن يمنحه إلا زهوًا كهذا، اليمنيون لا يفتقدون شيئاً، مثلما يتعلق الأمر بندرة الوطنيين الذين يغلبون المصلحة العامة على مصالحهم الشخصية أو الفئوية، لنرى كيف أن صفًّا صغيرًا من المثابرين، اقتربوا من هذا المجد أو كادوه.
وبما إننا نفتقر للحكماء والحكمة فيما نحن فيه من دمار، لا نتوخى أكثر من الوقوف قليلاً، أمام حاجة اليمني، حاجتنا جميعاً، لأوقات السكينة والسلام، ألا تكفي هذه العشر السنوات الهاربة من أعمارنا، ليستمر مصادرة حقوقنا المكفولة، والمقامرة بحاضرنا ومستقبلنا. إن هزيمة اليمني لأخيه اليمني، وقتل اليمني لأخيه اليمني، ليس فيها أي شرف أو ادعاء بطولة، إذ تذهب كل هزيمة لتطالنا جميعاً، مثلما الأمر المتعلق بانتصارنا لبلدنا ولوطنيتنا، والذي هو بالضرورة معدٍّ، ويطال مصالحنا جميعاً.
على البندقية، إذن، أن تنكس رأسها، إن لم يكن احتراماً، فخجلاً، إذ تأتي الوحدة، ومشاعر التضامن والحب، من كوننا أمة واحدة، لا أشتاتاً كما يريد لنا المتآمرون ووكلاء وكلائهم، من هذا الخروج عن المألوف وكسره، من القدرة على صناعة الفرحة، ضداً على إشاعة الخوف وثقافة القتل.
لقد دارت العجلة، وآن للتغيير أن يحصل، فيما هذا الاقتتال المستميت على تقاسم البلد ومصالحه، من قبيل الوهم الذي بشرت بزواله كل العقائد والفلسفات الاجتماعية، فالجديد، يأتي -بالضرورة أو بالمكيدة التاريخ- أولاً، إذ يجب على القديم أن يتقهقهر، وأن أي حكم يعمل على العكس من مصالح الشعوب وإرادتهم، هو الآخر إلى مزابل التاريخ التي لا تشبع.