"المرأة عدو المرأة" عبارة متداولة في الفضاء اليمني العام، يصف من خلالها مردِّدُوها حالَ النساء في اليمن، بالأخص اللواتي يتنافسن للوصول إلى المناصب القيادية السياسية والعامة على حدٍّ سواء، وكوني واحدة ممن عملن في المجال العام في اليمن، كنت أجد نفسي كثيرًا أستند إلى المقولة نفسها لأُبرر حالة العداء غير المبررة التي ألاحظها من عدد من النساء حولي، لكنني وبالمقابل، خلال مسيرة حياتي العملية والتي تجاوزت عقدها الأول بسنوات، أدرك جيدًا أنني لم أكن لأصل إلى ما أنا عليه الآن لولا مساندة عشرات النساء لي. فهل المرأة عدوة المرأة فعلًا أو أنها حليفتها؟ ولماذا المرأة تحديدًا، وليس الرجل، مثلًا؟
مؤشرات رقمية
تبلغ نسبة النساء في اليمن وفقًا لإحصائيات العام 2013، للجهاز المركزي للإحصاء 49,7% من عدد السكان، ووفقًا لتقرير أصدرته وزارة التخطيط والتعاون الدولي نشره موقع كريتر نت، يبلغ عدد السكان في اليمن 30 مليون نسمة، بحسب الإسقاط السكاني للعام 2020؛ أي إنّ عدد النساء في اليمن يقدر بـ15 مليونًا، وتعاني النساء في اليمن من شحة فرص العمل، وندرة تقلد المناصب العامة قبل اندلاع الحرب الحالية وبعدها، وبحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لفجوة النوع الاجتماعي 2020، فإنّ المشاركة والفرص الاقتصادية للمرأة تعد أكبر فجوة رئيسية من أصل أربع فجوات مذكورة في التقرير.
كما أنّ هناك فجوة كبيرة بين النساء والرجال الذين يعملون في وظائف فنية، مثل العمل المهني أو حتى بعض المناصب الإدارية كالرصد والتقييم، حيث تمثل النساء 17% مقابل 83% من الرجال، وتعتبر معدلات مشاركة النساء في القوى العاملة في اليمن واحدة من أدنى المعدلات على مستوى العالم، فبحسب نتائج المسح التي نشرتها منظمة العمل الدولية في العام 2014، تبلغ مشاركة النساء في القوى العاملة 6% فقط، بينما تعد 76,9% من النساء اليمنيات خارج القوى العاملة غير نشيطات اقتصاديًّا، كما تعد 55% فقط من النساء اليمنيات متعلمات، مقارنة بـ85% من الرجال، وفق دراسة أجراها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية 2019.
وتتحين النساء اليمنيات الفرص الاقتصادية والسياسية رغم شحتها في ظل الحرب الدائرة منذ سنوات في البلاد، ووفق تقديرات البنك الدولي فإن الشركات المملوكة للنساء تمثل حوالي 30% من منشآت الأعمال الرسمية المُسجَّلة على مستوى العالم. ومع ذلك، فإن 70% من منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة المملوكة رسميًّا للنساء في البلدان النامية إمَّا محرومة من التعامل مع المؤسسات المالية أو عاجزة عن الحصول على الخدمات المالية.
وعلى مستوى المشاركة السياسية، وبحسب تقرير أصدرته منصتي 30، الذي رصد وحلل بيانات 14 حكومة يمنية خلال الفترة من 1990 حتى 2020، بلغ عدد الحقائب الوزارية خلال 30 عامًا 444 حقيبة، كان نصيب النساء منها 14 حقيبة فقط بنسبة 4,1% مقابل 95,9% للرجال.
في يومين متتاليين، دارت نقاشات بين 200 امرأة من مختلف المحافظات اليمنية، وبمشاركة واسعة من التكتلات والتحالفات والشبكات والمبادرات والمنظمات النسوية من مختلف الانتماءات والأطياف والتنوع الجغرافي، وناقشت القمة مفاوضات السلام، وأثر التغير المناخي على النساء، والعدالة الانتقالية.
إثبات وجود
تُظهر المؤشرات السابقة وغيرها من التقارير الدولية والمحلية المتداولة، مساحة المشاركة التي تعمل من خلالها النساء اليمنيات، والتي لا تتناسب مع كثافتهن مقارنة بعدد السكان ولا تتسم بالعدالة والتشاركية. رغم ذلك، تناضل النساء اليمنيات لإثبات وجهودهن، بالأخص بعد أن ابتلعت الحرب القائمة "الكوتا" أهم مكسب انتزعته اليمنيات في مؤتمر الحوار الوطني 2013، إلى جانب قائمة من الحقوق المدنية والسياسية، فبالتزامن مع الذكرى الخامسة والسبعين للتوقيع على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، وانتهاء الحملة العالمية الـ16 يومًا للقضاء على العنف ضد النساء، انطلقت في 10 ديسمبر الجاري القمة النسوية السادسة في محافظة عدن العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا. وبالقرب من القصر الرئاسي "معاشيق"، دارت في يومين متتاليين، نقاشات بين 200 امرأة من مختلف المحافظات اليمنية وبمشاركة واسعة من التكتلات والتحالفات والشبكات والمبادرات والمنظمات النسوية ووسيطات السلام المحلي والشخصيات السياسية والاجتماعية من مختلف الانتماءات والأطياف والتنوع الجغرافي، وناقشت القمة مفاوضات السلام، وأثر التغير المناخي على النساء، والعدالة الانتقالية. "لم تكن إجراءات عقد القمة النسوية خلال دوراتها الست ولا الطرق المؤدية إليها من جميع أنحاء الجمهورية مفروشة بالورود أمام النساء"؛ بحسب القائمات عليها والمشاركات فيها، لكنها أقيمت 6 سنوات متتالية بحضور نسوي لافت من مختلف التوجهات السياسية والمناطق الجغرافية، وبالرغم من غياب الحضور الرسمي عن افتتاحها في عدد من الدورات، لم تغب إرادة النساء في إثبات وجودهن طيلة 6 سنوات، تعثرت فيها جولات من المفاوضات بين القيادات السياسية من الرجال، بينما أعلنت النساء 6 إعلانات برؤية مشتركة من داخل اليمن لا من خارجه، ومن داخل اليمن نفذ مكتب المبعوث الخاص إلى اليمن أول مشاورات نسوية منذ العام 2015 على هامش القمة النسوية لتطوير رؤية قاعدية للسلام في اليمن، وثاني مشاورات في سلسلة من المشاورات ينفذها المكتب، حيث بدأها في العاصمة الأردنية عمان بمشاركة 33 امرأة يمنية، بينما يجري الترتيب لتنفيذ المرحلة الثالثة من المشاورات أثناء كتابة هذا المقال.
تجاوز التحديات
تتجاوز الفعاليات التي تشارك فيها النساء في اليمن المشهد السياسي اليمني، بل وتتجاوز النساء توجهاتهن السياسية وأطرهن المناطقية، كما يتخطين صعوبات وتحديات عدة أنتجتها الحرب، التي تبدأ بتقييد حرية التنقل، ولا تنتهي بالتهم الأمنية، ويتجاوزن تلك المساحة الضيقة والفرص الشحيحة التي خصصتها الأنظمة والقوى السياسية، تلك المساحة التي لا بد أنّ يُسمع صوت أي تصادم أو تنازع فيها نتيجة صغرها وندرة فرصها، ليناقشن قضايا كبرى تتعلق ببناء السلام في اليمن وبناء الدولة القادمة وشكلها ونظام الحكم والعدالة الانتقالية وآثار تغير المناخ، دفاعًا وإيمانًا منهن عن/ وبأدوارهن القيادية التي فرضنها ويفرضنها عبر التاريخ أكثر مما يطالبن بها، ويتجاهلن في سبيل تلك الأدوار والحقوق الكثيرَ من الخلافات التي فرضتها شحة فرصهن وتغييب مشاركتهن العامة. وعليه، يجب أن تنأى النساء بأنفسهن عمّا يوجه إليهن من اتهامات بضراوة العداء، أو حدة التنافس، ليركزن وكافة المنظمات والتحالفات التي يقُدْنها على توسيع مساحة إشراك النساء في اليمن، وتوفير فرص العمل والتعليم والالتحاق بالوظائف القيادية وتحسين مستوى دخلهن، وتخفيف العنف القائم ضدهن، وصنع سياسات تسهم في تعزيز أدوارهن غير النمطية، وإشراكهن في بناء السلام، والتعافي وإعادة الإعمار لضمان مزيد من الأدوار الفاعلة والحقوق المكفولة مستقبلًا.
وهذا كله سيتحقق باستمرار عمل النساء اليمنيات ونضالهن، في ظل كل التحديات القائمة، التي أثبتن خلالها أنهن حلفاء لا أعداء.