تبدو صالة التحرير في صحيفة الثورة اليومية خالية من العنصر النسائي، بعد أن كان عدد الصحفيات يزيد عن 45 صحفية قبل الحرب، لكن المدير العام للمرأة في مؤسسة الثورة، نجلاء علي، أكدت أن 7 صحفيات لم يزلن يعملن في الصحيفة.
وأفادت نجلاء علي في حديث لمنصة "خيوط" أن جميع الصحفيات اللواتي كن يعملن في مؤسسة الثورة للصحافة يعانين من وضع معيشي صعب خصوصًا بعد توقف المرتبات؛ ما اضطر بعضهن إلى العمل في مجالات أخرى لتوفير لقمة العيش، بينما أصبحن الأخريات عاطلات عن العمل. لقد اضطرت نجوى علي -التي تشرف أيضًا على صفحة الأسرة في صحيفة الثورة- للعمل في مكتب خدمات؛ لأن ما تحصل عليه من عملها في الثورة لا يؤمن لها توفير الاحتياجات الأساسية.
صحفيات أخريات لم يجدن فرص عمل مناسبة فقرَّرن للعمل في مواقع إخبارية، ووفقًا للشيباني "يحصلن هؤلاء الصحفيات على مبالغ زهيدة إذ يتقاضين من 5000 إلى 15000 ريال يمني، بما يعادل 10 إلى 30 دولار أمريكي مقابل التقرير أو القصة الصحفية، حيث لا يوجد أمامهن خيارات أفضل. وتواجه المئات من الصحفيات اليمنيات ظروفًا صعبة للغاية بعد توقف صرف المرتبات وفقدان مصدر الدخل الوحيد، الأمر الذي أثَّر سلبًا في وضعهن المعيشي والنفسي، والاجتماعي.
تفكك أسري
يقول رئيس اللجنة النقابية الصحفية في وكالة سبأ منصور الجرادي إن معظم الصحفيات تحولن إلى عاطلات عن العمل، بينما المحظوظات ممن وجدن فرصة عمل أو نصف فرصة يعملن بأجور متدنية جدًا. وأفاد الجرادي في حديثه لـ"خيوط" بأن الوضع الذي تعيشه اليمن منذ عام 2015، أحدث تأثيرًا عميقًا في حياة الصحفيات والموظفات في المؤسسات الإعلامية سواءً من الناحية المادية أو المهنية والنفسية. وبحسب الجرادي فإن توقف صرف المرتبات وعدم حصول الصحفيات على فرص عمل أخرى جعلهن عرضةً لظروفٍ معيشية صعبة تسببت في تفكك أسر بعض الصحفيات.
وقال: "لقد شهدنا انفصال بعض الصحفيات عن أزواجهن بسبب ما يواجهن من ظروف معيشية قاسية بعد أن كُنَّ يمتلكن وظائف ومرتبات تساعدهن في تدبير شؤونهن".
بعض الصحفيات قضين ما يقارب 25 سنة في العمل الصحفي، وأصبحن الآن بلا راتب وبلا منزل وبلا عمل، ما دفع البعض للمغادرة إما إلى مدن أخرى أو إلى الأرياف أو الوقوف على أبواب المنظمات للحصول على المساعدات
إنه من الصعب على الصحفية أن تجد فرصة عمل في مجال آخر؛ نظرًا لمحدودية الفرص المتاحة أمامها مقارنةً بالرجل على حد قوله. ويرى بأنه لن يكون هناك تعافٍ لدور الإعلاميات على المدى القريب، وقد نحتاج 10 سنوات، بعد أن كنا قد بدأنا بثبات منذ 20 سنة.
فمن بين 81 موظفة في وكالة الأنباء اليمنية بصنعاء، وفق كشوفات الموظفين لعام 2014، هناك 15 موظفة فقط يذهبن إلى مكاتبهن كل صباح، بينما 64 موظفة معظمهن من الصحفيات لم يعد لهن أي نشاط إعلامي مرتبط بالعمل في الوكالة، خاصة بعد توقف صرف المرتبات منذ عام 2017.
مهن أخرى
تجيد الصحفية أروى اليمني (اسم مستعار) حرفة صناعة الإكسسوارات، لقد كانت إحدى هواياتها أثناء سنوات الدراسة، وقد اضطرت للعودة إلى ممارسة هذه الهواية، ولكن هذه المرة من أجل كسب المال وتوفير لقمة العيش لعائلتها الصغيرة.
وترى "اليمني" -التي كانت تعمل في وكالة الأنباء اليمنية سبأ- أن تجربتها في صناعة الإكسسوارات قد فشلت تمامًا، ويعود السبب في ذلك إلى ضعف مهاراتها مقابل المهارات التي تتمتع بها النسوة المحترفات في السوق، حيث لم يتجاوز مكسبها في أفضل حالته 25 ألف ريال يمني، ما يعادل 50 دولارًا أمريكي في الشهر، وهذا الرقم لا يساوي إلا نصف المبلغ الذي تدفعه شهريًا مقابل إيجار الشقة التي تسكنها.
تتذكر "اليمني" فترة عملها في وكالة سبأ لمدة 5 سنوات بعيون دامعة، وتقول لـ"خيوط": "لقد كانت فترة ذهبية" حيث كانت تحصل على 200 ألف ريال إجمالي مستحقاتها بشكل شهري ما يعادل حينها 1000 دولار أمريكي.
"اليمني" ليست الوحيدة التي جرَّبتْ احتراف مهنة أخرى وفشلت، تقول وكيلة نقابة الصحفيين اليمنيين فاطمة مطهر: "هناك الكثير من الصحفيات والإعلاميات حاولن العمل في مهن حرفية ومشاريع منزلية لتجاوز هذا الوضع، لكن معظمهن لم يستطعن الاستمرار"، موضحةً أن البدء في امتهان حرفة جديدة يحتاج إلى استقرار مالي وأسري، وهذا غير متوفر إلا عند من يمتلكن منازل أو غير مسؤولات عن أسر.
وقالت مطهر في تصريح لـ"خيوط": "اختفت معظم الصحفيات من الساحة منذ توقف صرف المرتبات، لقد كان هناك المئات من الصحفيات يعملن في مؤسسة الثورة، ووكالة سبأ، ومؤسسة الجمهورية، والإذاعة والتلفزيون، واليوم لم يعد لهن أثر في المجال الإعلامي".
انهيار وتوقف معظم وسائل الإعلام الأهلية والحزبية -أيضًا- أثّر في حياة الكثير من الصحفيات اللواتي كُنَّ يعملن في تلك الوسائل، وفقًا لـ مطهر "لقد فقدن مصدر دخلهن الوحيد".
على أبواب المنظماتتعتمد الصحفية يسرى شمسان (اسم مستعار) في تدبير شؤونها على مبلغ مالي يقدمه لها أخوها الأكبر، بالإضافة إلى ما يحصل عليه زوجها الذي يعمل سائقًا بالأجرة على وسيلة نقل محلية (باص).
وتضطر شمسان التي كانت تعمل في صحيفة الثورة للوقوف في طابور طويل للحصول على سلة غذائية شهرية يقدمها برنامج الأغذية العالمي في اليمن بشكل غير منتظم. تقول شمسان لـ"خيوط": "لم أكن أتخيل أنه سياتي يوم أقف في طابور للحصول على مساعدة غذائية"
في السياق، تشير فاطمة مطهر إلى أن بعض الصحفيات قضين ما يقارب 25 سنة في العمل الصحفي، وأصبحن الآن بلا راتب وبلا منزل وبلا عمل، ما دفع البعض للمغادرة إما إلى مدن أخرى أو إلى الأرياف أو الوقوف على أبواب المنظمات للحصول على المساعدات.
وقالت: "لا نستطيع أن نصف وقوف صحفية كان لها مركزها في السابق على أبواب منظمة للحصول على سلة غذائية أو أي نوع من المساعدات، بأنه موقف مؤسف أو مؤلم؛ إن هذا الوصف يقلل من مأساويته" .
انتهاكات تحت أنظار النقابةتواجه الصحفيات اللواتي يعملن في هذه المهنة معوقات لم تكن موجودة من قبل، فبحسب مطهر، تواجه الصحفية معوقات خاصة في ما يتعلق بالتنقل والسفر مثل اشتراط المحرم.
ومن المعوقات أيضًا ما تتعرض له الصحفيات من انتهاكات، فقد تلقت النقابة بلاغات كثيرة من صحفيات تؤكد تعرضهن لانتهاكات مالية وإدارية من قبل مواقع إخبارية، ولم توفر لهن النقابة أي نوع من الحماية القانونية، حد وصفها.
وقالت: "هناك حالة من عدم المساواة تتعرض لها الصحفيات في ما يتعلق بالأجور" وتؤكد "يحدث هذا يحدث في وقت تكتفي فيه نقابة الصحفيين بالفرجة وإصدار البيانات، فالنقابة لم تقدم شيئاً للصحفيات ولم توفر لهن الحماية القانونية.
لكن في المقابل هناك منظمات قدمت بعض الخدمات للصحفيات اليمنيات خلال سنوات الصراع، مثل الدعم النفسي وتوفير فرص عمل وإنشاء مشاريع خاصة بالإضافة إلى الدعم النفسي والقانوني.فخلال العامين الماضيين عقد مرصد الحريات الإعلامية التابع لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي 420 جلسة دعم نفسي استفاد منها قرابة 70 صحفياً وصحفية، بالإضافة إلى تقديم الدعم القانوني والرقمي لعشرات الصحفيات.
ووفقًا للمدير التنفيذي لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، محمد إسماعيل، حصلت العشرات من الصحفيات اليمنيات -ممن يواجهن مخاطر طارئة- على مساعدات مالية عبر برامج دعم مالية قدمها المركز بالتنسيق مع شركائه. وقال إسماعيل لـ"خيوط": "موَّل المركز عشرات الصحفيات لإنتاج مواد صحفية، وركزنا على أن تكون المواد في مسار دعم قضايا النساء".
ومن المشاريع التي تهدف إلى تطوير مهارات الصحفيات قام المركز بدعم إنشاء منصة (هودج) -وهي منصة يديرها طاقم نسائي- مكنت عشرات الصحفيات من اكتساب مهارات قيادة المؤسسات الإعلامية.
لكن هذه التدخلات تظل محدودة مقارنةً بعدد الصحفيات اليمنيات اللواتي فقدن وظائفهن وأصبحن دون مصدر دخل، في ظل استمرار الصراع في اليمن.
وإلى أن تتفق الأطراف المتصارعة على صرف مرتبات الموظفين بما فيهم الصحفيات، ستظل الصحفية "شمسان" تقف في طابور طويل لساعات بانتظار استلام حصتها من المساعدات.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية