المهمة المستحيلة في الحصول عن حقنة الهشاشة

مرضى يعانون من عدم توفر أدوية الأمراض المزمنة في الصيدليات
محمد عبدالإله
October 17, 2024

المهمة المستحيلة في الحصول عن حقنة الهشاشة

مرضى يعانون من عدم توفر أدوية الأمراض المزمنة في الصيدليات
محمد عبدالإله
October 17, 2024
.

يعيش القطاع الصحي في اليمن، واقعًا صعبًا، لعوامل كثيرة، أبرزها: خروج المستشفيات، والمراكز الصحية، وحتى الصيدليات عن الخدمة، إلى جانب مغادرة الكفاءات، وافتقار العاملين في القطاع الصحي للتدريب والتأهيل المستمر، ونقص التمويل، لتصبح معها شريحة كبيرة من المرضى اليمنيين تحت رحمة هذا الوضع المتردي، خاصة أنها عاجزة عن السفر إلى الخارج للحصول على رعاية واهتمام يتناسب مع متطلباتها الصحية.

تختزل الصيدليات الحكومية في البلاد، هذه الحالة التي وصل إليها القطاع الطبي العام في البلاد، من انعدام للأدوية المهمة والضرورية، وصولًا إلى تلك الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة كالضغط والسكر والقلب، التي كانت تُباع بأسعار رمزية وتخدم فئات غير قادرة على دفع تكاليف العلاج، لكن المريض تحت ضغط الحاجة يضطر لشرائها بأسعار تجارية من الصيدليات الخاصة، في مقدمة هذه الأدوية التي شحت في السوق، أدويةُ العظام التي يصل سعر بعض أصنافها إلى 170 دولارًا، ما يفاقم من معاناة المرضى.

بلغ سعر حقنة واحدة من الحقن التي يتم وصفها لعلاج هشاشة العظام 87500 ريال يمني؛ أي ما يعادل 165 دولارًا خلال السنتين الماضيتين، من دون الأدوية الأخرى، وبالرغم من هذا الارتفاع الكبير في أسعارها، باتت غير متوفرة، في الوقت الذي يصرّ فيه الطبيب على ضرورة مواصلة استخدمها. 

اختفاء (Prolia 60 mg)

منذ أشهر، أكافح من أجل إيجاد حقنة (Prolia 60 mg) لأمي التي تعاني من الهشاشة الحادة في العظام، وفي كل محاولات العثور عليها التي استمرت عامًا، أشعر بخيبة أمل، بسبب عدم توفر الصنف المطلوب في الصيدليات.

تواصلت بمدير الصيدلية التي كنت آخذ منها الإبرة كل ستة أشهر من قبل، سألته عن العلاج، فقال إنه غير متوافر في صيدليته منذ خمسة أشهر، لكنه استدرك مبديًا استعداده لاستيراده بطريقته الخاصة، وكنت بالفعل قد لجأت إلى أحد الأصدقاء لاستيراده من مصر، لكن أحد الأطباء شدّد على ضرورة الحرص على تخزينه بالشكل السليم، وهو ما لا يمكن ضمانه، خاصة مع وضع الحصار الذي تعيشه البلاد، والمناطق الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين). 

هذه المعاناة في الحصول على هذه الحقنة لوالدتي، تسقط أيضًا على معظم أدوية الأمراض المزمنة، وعليه يبرز السؤال: لماذا يُترك هؤلاء المرضى فريسة لأمراضهم، وللمزايدة التجارية التي لا ترى في الإنسان سوى المال والتكسب؟

بلغ سعر حقنة واحدة من الحقن التي يتم وصفها لعلاج هشاشة العظام 87500 ريال يمني؛ أي ما يعادل 165 دولارًا خلال السنتين الماضيتين، من دون الأدوية الأخرى، وبالرغم من هذا الارتفاع الكبير في أسعارها، باتت غير متوفرة، في الوقت الذي يصرّ فيه الطبيب على ضرورة مواصلة استخدامها؛ نظرًا لوضع والدتي الصحي.

تهريب الأدوية

رئيس نقابة الصيادلة في تعز، إسماعيل الخلي، أرجعَ الأسباب التي أدّت إلى انعدام الأدوية في اليمن، إلى عوامل كثيرة، أهمّها: تهريب الأدوية، مما أدى إلى سحبها من الصيدليات، وهو أحد الأسباب الجوهرية لعدم توفرها حاليًّا.

وأضاف الخلي لـ"خيوط"، قائلًا: "ضعف الرقابة الحكومية على توريد الأدوية وآلية تخزينها ومراقبة مصادرها وفعاليتها، وانتشار وتشجيع ظاهرة التهريب من قبل مافيا الفساد، وتهميش الجهات المختصة بمراقبة استيراد ودخول الدواء إلى البلاد، وعلى رأسها الهيئة العليا للأدوية، فاقم هذه الأزمة للحد الذي تسبب بأزمة عَرض".

وأشار الخلي إلى أن التغييرات غير المدروسة التي ركزت على تعيين قيادات طبية بناءً على الولاء، وليس على الكفاءة، أدّى إلى تدمير سوق الدواء ومصانعه داخل البلاد. داعيًا إلى ضرورة التحرك لمعالجة الأخطاء التي تضاعف معاناة المرضى.

في أواخر مارس/ آذار المنصرم، حذرت منظمة الصحة العالمية من تفاقم الأزمة الصحية في اليمن، مشيرة إلى أن (8.17) مليون شخص في حاجة عاجلة إلى الدعم الطبي وسط تفشي الأمراض. ولفتت المنظمة إلى أن نصف هذا العدد هم من الأطفال وكبار السن.

المريض ضحية

يجد آلاف المرضى أنفسَهم في أمسّ الحاجة إلى العلاج، في حين يضطر آخرون للتوقف عن شراء بعض الأدوية، لعدم قدرتهم على مواصلة تحمل تكاليفها، فيما يضطر بعضهم إلى الاقتراض في سبيل دفع تكاليف استيراد علاجاتهم من الخارج رغم المخاطر الكبيرة المترتبة على النقل والتخزين.

تجلس فاطمة، المصابة بهشاشة في العظام، على كرسي متحرك وهي تتحدث بحسرة لـ"خيوط"، قائلة: "نحن نعاني دون أن يلتفت لحالنا أحد، إذ بات الحصول على الإبر الخاصة بالهشاشة، أشبهَ بمعجزة، وحتى لو توفرت الإبر في صنعاء، سيتعين علينا توفير قيمتها بصعوبة، فما بالك بالسفر إلى الخارج، الذي يتطلب مبالغ باهظة لا نقدر على تحملها، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي نعيشها حاليًّا".

مرضى عديدون بهشاشة العظام لجؤوا إلى شراء أدوية بديلة رغم ضعف فاعليتها، لكنهم بسبب ضعف الحال يجدون أنفسهم أمام خيارين؛ إما التوقف عن شراء الأدوية تمامًا، أو شراء أدوية بديلة.

كانت فاطمة (16 عامًا)، تتلقى علاجها في مستشفى العلوم والتكنولوجيا بصنعاء، قبل أن تتوقف بسبب عدم توفر المال، ما دفع أسرتها إلى أخذ حقن بديلة، ونقلها إلى مستشفى حكومي، لتتوالى انتكاساتها الصحية بسبب معاناة الانتظار في معظم الأقسام، وتراجع الخدمات، والإهمال والاكتظاظ الذي يزيد الطين بلة، علاوة على عدم توفر الأدوية؛ بحسب حديث عائلة فاطمة لـ"خيوط".

منذ أيلول/ سبتمبر 2015، يشهد اليمن حربًا بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) التي سيطرت على العاصمة صنعاء، وبين الحكومة المعترف بها دوليًّا، أعقبتها أزمة إنسانية وصحية عميقة، أدّت إلى تدمير البنية التحتية الهشة أصلًا، وخروج 70% من المرافق الصحية في البلاد عن الخدمة؛ بحسب إحصاءات للأمم المتحدة.

تفاقم الأزمة 

في أواخر مارس/ آذار المنصرم، حذرت منظمة الصحة العالمية من تفاقم الأزمة الصحية في اليمن، مشيرة إلى أن (8.17) مليون شخص في حاجة عاجلة إلى الدعم الطبي وسط تفشي الأمراض. ولفتت المنظمة إلى أن نصف هذا العدد هم من الأطفال وكبار السن.

من جانبه، كشف أرتورو بيسيجان، ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن، عشية ذكرى مشاركة التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب في اليمن، عمّا أسماه بـ"الوضع المزري" للقطاع الصحي اليمني.

وقال بيسيجان في بيان سابق: "أدّت تسع سنوات من الحرب، إلى انخفاض في النتائج الصحية وتدمير البنية التحتية، مما جعل الاحتياجات الصحية والإنسانية الطارئة واقعًا يوميًّا للملايين".

وحذّر من أن تناقص الدعم الدولي ترك المجتمعات عرضة لظروف متدهورة، مما يؤثر على مستقبل الملايين.

البدائل الضعيفة

من ناحيته، يرى رئيس الهيئة العامة للأدوية في تعز، محمد الصوفي، أنّ الوضع ليس بذلك السوء المروج له، لكنه يُلقي باللائمة على عدم تلقِّي أيّ (بلاغات) من جانب الأطباء بشأن الأدوية غير المتوفرة حاليًّا في الصيدليات خلال السنوات الماضية، فضلًا عن عدم وجود عدد كبير من الأدوية خلال مرحلة الحرب بسبب توقف الاستيراد. 

ووفقًا للصوفي، الذي تحدث لـ"خيوط"، قائلًا: "قامت الهيئة مسبقًا بتسهيل إجراءات الاستيراد؛ مما ساهم في توفر البدائل للأدوية الأصلية التي تضاءل استيرادها لأسباب اقتصادية وسياسية قائمة في البلاد، في المقابل ينبغي على الأطباء تقديم قائمة طلبات للهيئة العامة للأدوية، تتضمن الأدوية التي تعاني من نقص في الصيدليات لتوفير البديل المناسب وخدمات للرعاية الطارئة في المستشفيات".

وفي ظل هذا الوضع الذي تتداخل فيه عوامل اقتصادية وسياسية وأمنية عدة، يدفع المواطن البسيط الثمن من صحته، وحقه الطبيعي في الاستطباب وإيجاد العلاج المناسب لعلاته وأمراضه المختلفة. 

•••
محمد عبدالإله

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English