منذ تمت التفاهمات الأخيرة بين سلطة صنعاء (الحوثيين) والرياض قبل أكثر من عام، ينتظر اليمنيون أن تؤدّي هذه العملية إلى سلام شامل ودائم، وهذا لم يحدث حتى اللحظة، وأصبح السؤال: "لماذا تأخر الاتفاق بين أطراف النزاع؟" يفرض نفسه، وخصوصًا أن البلاد تعيش في وضع اللاسلم واللاحرب، منذ الثاني من أبريل 2022، بعد توقيع بنود الهدنة الأولى، التي لم تتجدّد منذ أكتوبر من العام نفسه.
ثمن السلام
الإجابة عن سؤال "لماذا تأخر الاتفاق بين أطراف النزاع في اليمن؟" قد تكون سهلة للوهلة الأولى؛ وهي عدم وجود نية صادقة لدى أطراف الصراع في الأساس، لكن عندما ندرك أنّ للسلام ثمنًا وهو التنازل، يتبادر إلى الذهن السؤال: من المستعد للتنازل من أجل حل النزاع وتحقيق السلام؟ يخاطب الحوثيون أنصارهم بأن النصر قاب قوسين أو أدنى، بشكل لا يوحي بأنهم يستعدون لتقديم شيء من أجل دخول في تسوية سياسية تُثمر سلامًا شاملًا، ودائمًا يطالبون أن تكون مشاورات الحل السياسي مع المملكة العربية السعودية وفق سياسة [الند للند] متجاهلين وجود حكومة معترف بها دوليًّا، هي التي من المفترض أن تكون الطرف الرئيس في المفاوضات، كما يتجاهل الحوثيون المرجعيات الثلاث (المبادرة الخليجية، وثيقة الحوار الوطني، القرار الأممي 2216) ويلوحون بالعودة للتصعيد العسكري. وكذلك الحكومة المعترف بها دوليًّا، المغلوبة على أمرها والممزقة، ترفع شعارًا بأنه لا توجد تسوية سياسية إلا بإعادة الدولة وفرض هيبتها، بمعنى عودتها إلى العاصمة صنعاء، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يقبله الحوثيون، فضلًا عن المجلس الانتقالي الذي تأسس في مايو 2017، على الرغم من أنه ليس القوة الوحيدة في الجنوب، فإنّه لا يخفي نيّة في انفصال الجنوب، ويطالب باستعادة دولة ما قبل عام 1990.
غياب التصورات
في العادة، أيُّ اتفاق بين أطراف نزاعٍ ما، يرسم ملامح مرحلة ما بعد الاتفاق، وغياب تصورات لمستقبل اليمن يمثل أحد أسباب تأخر الاتفاق، بالإضافة إلى انعدام الثقة بين الأطراف، وقبل هذا، أن نهاية الحرب تعني انتفاء الأسباب التي أدّت إلى اشتعالها، أو على الأقل انحسار تلك الأسباب، وفي الحالة اليمنية لا يوجد مؤشر لذلك، وحالة اللاسلم واللاحرب، ليست إلا مرحلة هدوء واستراحة محارب، إن صح التعبير.
تُلقي التجاذبات الإقليمية بظلالها على المشهد السياسي في اليمن، فإذا كانت التفاهمات الأخيرة بين سلطة صنعاء والرياض، إحدى نتائج التقارب السعودي الإيراني، فإنّ الأحداث في المنطقة تؤثر على أي اتفاق ينهي الحرب، ولتوتر المشهد في البحر الأحمر دورٌ في تأخر الاتفاق، ولعل المتابع للوضع اليومَ يجد أنّ أطراف النزاع تشعر بالرضا على ما حقّقته على الأرض، وشبه مقتنعة بوضعها، ممّا جعلها غير مكترثة بإنجاز أي خطوة في طريق إنهاء الحرب، وبالنظر إلى خارطة السيطرة على الأرض نجد أن جماعة أنصار الله (الحوثيين) متشبثة بأغلب المحافظات الشمالية للبلاد، إضافة إلى سيطرتها على العاصمة صنعاء، التي توجد فيها المقرات الرئيسية للعديد من المنظمات الأممية والدولية والمؤسسات الحيوية كشركات الاتصالات. في المقابل، تسيطر الحكومة المعترف بها دوليًّا متشاركةً مع المجلس الانتقالي، على المحافظات الجنوبية وبعض أجزاء من المحافظات الشرقية، كمحافظة مارب التي يوجد فيها بعض حقول النفط والغاز، وفق لغة الأرقام تشير التقارير إلى أنّ حكومة الشرعية -مجلس القيادة حاليًّا- تسيطر في أبريل 2023، على نحو 55% من المساحة الجغرافية لليمن، فيما يسيطر أنصار الله (الحوثيون) على نحو 25%، ويسيطر المجلس الانتقالي على 20% من جغرافيا اليمن، البالغ مساحتها أكثر من 550 كيلومترًا مربعًا في حين يقطن أكثرُ من نصف سكان اليمن، في المناطق التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله (الحوثيين).
أي معاهدة سلام لا تعد معاهدة إذا انطوت نية عاقليها على أمر من شأنه إثارة الحرب من جديد، فمثل هذه المعاهدات ليست إلا هدنة، فمعاهدة السلام يجب أن تقضي على جميع أسباب الحرب في المستقبل.
الفشل المعتاد
اعتاد اليمنيون على فشل كل محاولات إحلال السلام، فالاتفاقات تكون مجرد حبر على ورق، وكلُّ طرفٍ يحمّل الآخرَ مسؤوليةَ إفشال الاتفاق، بحجة عدم الامتثال لبنود الاتفاق، ابتداءً من المبادرة الخليجية ثم مؤتمر الحوار الوطني، مرورًا باتفاق السلم والشراكة، وإن كانت هذه الاتفاقات هي قبل التدخل السعودي الإماراتي، فإنّ الأمر لا يختلف عن السابق، فكل جولات الحوار التي رعتها الأمم المتحدة بين عامي 2015 و2016، في سويسرا، كان مصيرها الفشل، وكان آخر هذه الاتفاقيات هو اتفاق ستوكهولم الذي تم توقيعه في 2018؛ التزمت الأطراف بوقف فوري لإطلاق النار في مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، واتفقوا على إعادة انتشار مشترك للقوات، وتأمين الموانئ، وإنشاء لجنة تنسيق إعادة انتشار مشتركة برئاسة الأمم المتحدة، واستخدام العائدات من الموانئ لدعم مدفوعات رواتب الخدمة المدنية. كما نص الاتفاق على تعزيز وجود الأمم المتحدة في مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، ممّا أدّى إلى إنشاء بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة من خلال قرار مجلس الأمن رقم 2452 (2019)، الذي اعتُمِد في 16 يناير 2019، حيث كان يُعتقد أنّ هذا الاتفاق بداية عملية سلام تنهي القتال في اليمن، ولكن الوضع لم يتغير، وظلّ على ما هو وإن تراجعت حدة الصراع، وصولًا إلى التفاهمات بين الرياض وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، إلا أنّ الأمر لم يحقق ما يرغب به اليمنيّون.
صراع معقد
لا شكّ أنّ ثمة عوائق حقيقية وكبيرة لا يمكن تجاوزها بالحديث المتكرر عن إحلال السلام في اليمن، دون البحث عن العوائق والأسباب التي أدّت إلى اندلاع الحرب ومحاولة إيجاد حلول لها، وعلاوة على ذلك أن أي تسوية سياسية مرتقبة، ليست سوى جزءٍ واحد من عملية السلام -بناء السلام- التي تحتاجها اليمن، التي قد تستغرق سنوات طويلة، قد تتجاوز سنوات الحرب، فالصراع الدائر في اليمن منذ حوالي عقد من الزمن يظل صراعًا معقّدًا ساهمت العديد من العوامل التاريخية والسياسية والاجتماعية، في الصراع واستمراره؛ ما جعل محاولة التنبؤ بمستقبل عملية السلام شبه مستحيلة.
ختامًا، يقول الفيلسوف كانط: "إنّ أيّ معاهدة من معاهدات السلام، لا تعد معاهدة إذا انطوت نية عاقليها على أمرٍ من شأنه إثارة الحرب من جديد، فمثل هذه المعاهدات ليست إلا هدنة، فمعاهدة السلام يجب أن تقضي على جميع أسباب الحرب في المستقبل"، وهذا ما يجب على اليمنيين إدراكه، إذا أرادوا إرساء سلام شامل ودائم.