اليمن.. صوت الحياة

كل هذا الجمال لديكم وانتم تحتربون ؟
د. عبدالسلام السودي
October 5, 2023

اليمن.. صوت الحياة

كل هذا الجمال لديكم وانتم تحتربون ؟
د. عبدالسلام السودي
October 5, 2023
.

لست من الذين يأخذهم المزاج الفرائحي إلى ارتياد حفلات الموسيقى، فما بالك بالمشاركة فيها بمجموعة جميلة من أبناء وبنات المغرب الشقيق في جوقة الشرف الكورالي تخت التراث، لكن حين اتصل بي المايسترو الفنان محمد القحوم لم أتردد لحظة واحدة في تلبية النداء، ولمَ لا؟ فاسم اليمن سيكون حاضرًا في هذا المحفل الباريسي الدولي بمسرح موغادور الشهير وسط عاصمة النور.

أعددنا العدة وتواصلت مع أطراف فرنسية وعربية مختلفة، ووجدت نفسي مدفوعًا بالعطاء ومأخوذًا بالجاذبية الروحية مع الأغاني التي أرسلها القحوم للفنان المبدع أبويزن حميد الظماري الذي تولى تدريب فرقة الكورال بمهنية وحرفية عالية.

وجدت نفسي أهيم بلا شعور مع ترانيم الدان الحضرمي الجميل، والذي زاد بهاءً بأصوات فتيات التخت إلى مكان جدير بجمالها، كان المايسترو عبدالرحمن كازول قائد التخت وربانها الماهر يقود الفرقة بكل انسيابية، وكان للصوت القوي للرائعة الجزائرية فتيحة الحساني، والإحساس المرهف للسيدة فاطمة الغولي، والشاعرة فاطمة الشبيبان والسيدة اللبنانية نجوى زوجة الفنان المعروف جون لامبير، والتوجيه الدقيق للعازف التونسي المتمكن صالح الحسومي- الأثر البالغ في وصول الفريق لدرجة الكمال الذي أذهل القحوم نفسه من أول بروفة.

هل تصدقون أن الحماس أخذ الجميع، وقوة التركيز كانت حاضرة لدرجة أن المتخصصين الموسيقيين لم يلحظوا خطأ واحدًا في البث المباشر أمام الجمهور العريض على عكس كل البروفات السابقة التي كان آخرها قبل العرض بساعتين فقط.

كنت أحرص على حضور البروفات، وأنظر إلى التفاؤل الذي ملأ عيون الجميع رغم اختلاف الثقافات، وكيف استطاعت فرقتنا المغاربية من إجادة اللهجة اليمنية بكل تعقيداتها من الملالة التعزية إلى الدان الحضرمي ثم الانتقال إلى اللحجي والتهامي واليافعي والمهري والصنعاني، خاصة مع "حيا الله من جانا" ثم بوابة الشرق المھریة "یا داني یا داني دانا، یا داني یا داني دانا، وعودة المشتاق".

هل تصدقون أن الحماس أخذ الجميع وقوة التركيز كانت حاضرة لدرجة أن المتخصصين الموسيقيين لم يلحظوا خطأ واحدًا في البث المباشر أمام الجمهور العريض على عكس كل البروفات السابقة التي كان آخرها قبل العرض بساعتين فقط، تغلب الجميع على الرهبة، كانت القاعة محتشدة، وحين بدأت الاحتفالية هالني الحب الذي شمل المنصة ومقاعد الحضور، كأن على رؤوسنا الطير ، همنا وهام بنا الحنين إلى الوطن. شخصيًّا كان للجون التهامي الأثر البالغ في نفسي بالصوت الجنوبي الرائع عبود خواجة، كوني عشت في تهامة الخير بطيبة أهلها وجمال أرواحهم، ثم للملالة التعزية بالصوت القوي للرائع خالد الصنعاني، فأداء البالة الصنعانية للفنان الكبير حسين محب ثم صوت البحر من عازف السمسمية الصولو جاسم نصر، وقبل هذا أجاد الفنان رمزي محمد اللون اليافعي "یحیى عمر قال قف یا زین سالك بمن كحل أعیانك ھو شكلك في الحلا شكلین وشك لولك ومُرجانك".

كنت طوال الاحتفالية جاف العينين حتى انبهرت بانبهار الجمهور فيما سمي بـ(الدان الفرنسي) الذي دمج الأغنية الفرنسية الشهيرة: لست نادمًا Non, je ne regrette rien بأداء الرائعة من الجزائر الشقيق، إيمان شاهد، والفنان الحضرمي عمر باعوضان، لاقت اندهاش الحضور لطريقة الدمج العبقرية، جاوبتها عيون إحدى الفرنسيات الجالسة جواري وانهمرت أمامها عيوني المكابرة أمام ذلك الجمال المزلزل والبسيط في آن واحد، الفرنسيون يقولون: كل هذا الجمال في بلادكم وأنتم في حرب، ألا يكفي هذا الصوت لإيقاف النزاع، ألا يكفي هذا الحب لاستمرار الحياة في بلادكم؟! قلت لهم: ما دام هناك جمال هناك أمل. جففنا دموعنا وذهبنا نسرح مع بقايا الحفل الأسطوري.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English