شهدت اليمن تحولات سياسية واجتماعية وثقافية في السنوات القليلة الماضية جعلتها ترزح تحت حربٍ أكلت الأخضر واليابس. وفي هذا التوقيت، أصدر الصحفي المختص بالشأن الثقافي أحمد الأغبري، كتاب (اليمن من الداخل) الكتاب الذي احتوى على خمسة طرق تناولها الأغبري من عمقها؛ مما وفر لنا نظرة شاملة على تاريخ اليمن.
يعد كتاب (اليمن من الداخل) أحد الكتب الهامة التي سلطت الضوء على الجانب الثقافي الصعب والتحديات التي يواجهها اليمن في هذا الجانب الذي لم يسلم أيضًا من الدمار، المتعمد في أحيان كثيرة.
في 200 صفحة من القطع المتوسط، يرحل بنا أحمد الأغبري في رحلة سياحية طافت اليمن، وطفنا معه وغصنا في كل التفاصيل المتعلقة بالمكان شاهدًا. قدم الأغبري في الكتاب قراءة مختلفة للمدن والقرى والجزر والمحميات من حيث استنطاق التاريخ والجمال والأحاسيس.
تناول الأغبري في كتابه العديدَ من المدن اليمنية والحصون والمدارس التي شكّلت رافدًا مهمًّا في تطور الحضارة اليمنية، ولم ينسَ جهة الشارع في ختام رحلته. سلك خمسة طرق مختلفة، كل طريق يبدأ وينتهي باليمن إنسانًا وحضارة ومدنًا وقرى وشوارع.
وهو سائر في طرقه الخمسة التي جاب بها المدن، أعاد اكتشاف الأمكنة من ثقب إبرة، ورغم ضيقها فإن حديثه توسع كالسهول المترامية في كل اليمن من المهرة وحتى ريمة، مرورًا بأكثر المدن.
رحلة استكشافية
في الكتاب الكثير من المعلومات التي سردها بلغة صحفية حصيفة اختلط فيها الأدب بالمشاعر التي تجولت داخل فقرات الكتاب.
هنا يبقى محافظًا على السير في درب الوحدة حين يختار مَعلمًا من الجانب الشمالي لليمن، ومعلمًا من الجانب الجنوبي، أليست اليمن قطعة واحدة ونحن نختار كيف نشكلها؟!
استكشف تسع مدن يمنية بدأها بمدينة إب ضحكة الطبيعة، ومن ثقب باب اليمن استرق النظر لصنعاء، وعدن الضاحكة بحزن، ويمر على المدينة المختلفة شبام حضرموت، ومدينة تسمع صوت التاريخ (الهجرين) ومدينة البحيرات المعلقة. يتجلى في وصف المدن ووضع مقامات وصفية لها، كالطويلة التي نحتتها يد فنان عمره ألف عام.
تمر الرحلة اللامتناهية على سوق الملح ملمح صنعاء القديمة الذي يستقبلك بنكهة البن ورائحة البخور، الذي يعطر مجالس الساعة السليمانية وهي الساعة التي تأتي وهم يتناولون ورق القات في الطيرمانة، وهي سر من أسرار الاحتفاء اليمني بالمباني البرجية.
تمكّنت منه المدن والقرى والشوارع والجزر والمدارس التاريخية التي سلبت لبه وجعلته كالطفل يحبو فيها ويتنقل بين أزقتها، وغم أنني زرت معظم اليمن، فإن وصفه جعلني أعيد صياغة معرفتي بالمدينة والقرية والشارع والمباني.
تمكن عبر رحلته السردية الباذخة من فتح أبواب قرى يمنية متنوعة أمامنا، قرى موزعة بين صنعاء شمالًا وحضرموت جنوبًا، في تطبيق عملي على الوحدة التي تربط بين المدن والقرى اليمنية، وماضٍ في طرقه البهية. يسير نحو عالم مختلف من الوصف كأننا في حضرة رواية أجاد فيها الراوي التحرك بين الأشجار والأودية والمباني التي تكاد تنطق أو نطقت، ولكن له وحده لأنه أتقن الصمت في حضرتها.
تنتقل بنا الرحلة إلى المدارس والقصور، مدرسة العامرية وقصر سيئون ودار الحجر، وهي التي ٲثّرت وأثَرت الإنسان اليمني، تحدثت المدرسة والقصر، اللذان أضافا الكثير لتاريخ اليمن القديم والمعاصر، هنا يبقى محافظًا على السير في درب الوحدة حين يختار مَعلمًا من الجانب الشمالي لليمن ومعلمًا من الجانب الجنوبي؛ أليست اليمن قطعة واحدة ونحن نختار كيف نشكلها؟!
شهادة حية
بدأ الأغبري كتابه بتقديم نظرة عامة على اليمن، من خلال التحولات الثقافية التي مرت بها، وصولًا إلى الوقت الراهن، ليعكس الحب الكبير الذي يحمله الكاتب لليمن من خلال وصفه، الذي يجعله مرجعًا مهمًّا ومصدرًا قيّمًا للمهتمين باليمن، أرضًا وإنسانًا وحضارة.
رحلات انطلقت من الجغرافيا، وتعاملت مع التاريخ، واعتمدت أدب الرحلة للوقوف على المكان شاهدًا على هوية الإنسان في متن شخصية اليمن.
في مادة سقطرى، الطبيعة البكر، يجيء في الكتاب: "ذابت فيها حدة الحجر في رقة الشجر، ومن الجزيرة إلى ٳنسانها، التي اكتشفت فيها البعثة الروسية عام 2008، بقايا أثرية هي الأولى من نوعها تعود إلى إنسان العصر الحجري، حيث تعود الآثار المكتشفة في الأرخبيل إلى ما يقارب المليون سنة".
يقول ٲحمد الأغبري: "إن الكتاب نتاج رحلات زرت بها مناطق اليمن، وكتبت عنها بجوارحي كشهادة تبقى حية إزاء بلد تبتعد عنه الحياة، كل ما كتبته كان نتاج محاورة للتفاصيل وجهًا لوجه، لذا أردت أن يقدم شهادة منصفة لبلد يتآكل، ولم تعد معه شهادات أبنائه صادقة أو مقبولة أو كافية عنه".
ختامًا أستطيع القول: إنّ الكتاب جاء في وقته، كي يعيد ترميم علاقتنا باليمن الكبير.