بعد أن قضوا أيامًا ولياليَ موحشة في سجون البحرية الإريترية، وصل الأحد الماضي أحدَ عشرَ طفلًا إلى مركز الإنزال السمكي بالخوخة، محافظة الحُديدة.
الأطفال الذين ركبوا البحر -عن حاجة- مع آبائهم وأقاربهم، اختطفتهم السلطات الإريترية واقتادتهم إلى سجونها قبل حوالي شهرين، تعرّضوا فيها -حسب إفادة بعضهم- للتعذيب والتجويع والإجبار على ممارسة الأعمال الشاقة.
في السنوات الأخيرة، تصاعدت هذه الاعتداءات والانتهاكات بحقّ الصيادين اليمنيّين، في عرض المياه اليمنية والدولية، من قبل القوات الإريترية، التي يبدو أنّ ظروف البلاد، والصمت المخزي للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، قد أثار أطماعها للاستيلاء على الجزر والمياه اليمنية.
وخلال الفترة من يوليو/ تموز الماضي حتى نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، اعتقلت القوات الإريترية أكثر من 400 شخص يعملون في مهنة الصيد، بينهم أطفال وكبار سن بعضهم يعانون من مشاكل صحية مزمنة، وفي الثامن عشر من سبتمبر/ أيلول الماضي استقبل مرفأ الصيادين في الخوخة 104 أشخاص، أفادَ العديدُ منهم أنّهم تعرّضوا للتعذيب وإجبارهم على القيام بأعمال شاقة في المعسكرات الإريترية.
أحدَ عشرَ طفلًا يمنيًّا، أكبرُهم: أحمد عبدالله عبده (15 سنة)، وأصغرهم: رائد أحمد حسن (7 سنوات)، جميعهم تعرضوا أثناء فترة سجنهم للتعذيب والامتهان، ومثلهم الكثير، في حين تغض السلطات اليمنية الطرف عن كل ما يحصل في المياه اليمنية من اعتداءات تطال الصيادين والتي ارتفعت وتيرتها خلال الأعوام الثلاثة الماضية، إذ لم تقدم لهم وهم في قبضة السجّان المساعدةَ اللازمة، فهل ستقدمها لهم وهم خارج السجن، خصوصًا أنّهم تركوا من يعولونهم خلف القضبان.
لا يقتصر الأمر على تعرض الصيادِين اليمنيّين للاختطاف من قبل السلطات الإريترية ومصادرة قواربهم فقط، بل ترافَقَ هذا الانتهاك مع أخرى متعددة ومختلفة تعذيبًا وتجويعًا وأعمالًا شاقّة، أمّا بعض الأطفال فيتعرض الكثير منهم للتحرش الجنسي إضافةً إلى ما سبق
وتمت هذه الحادثة التي تأتي ضمن سلسلة اعتداءات متواصلة تطال الصيادين اليمنيين مؤخرًا، في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، حيث قامت القوات الإرتيرية باختطاف ثلاثة قوارب صيد من المياه الإقليمية اليمنية، تحمل الأرقام (2447، 2533، 2878)، وتعود ملكية هذه القوارب للصيادين: عبدالله مغاري، وسيف على الله قبيع، وسليمان حسن معصلي، وكان على متنها حوالي عشرين صيادًا، بينهم أطفال، وجميعهم من سكان قريتي القطابا والكداح في الخوخة بمحافظة الحديدة شمال غربي اليمن.
قرية الكداح، حيث تسكن الأم التي لم تندمل جراح قلبها منذ أغسطس/ آب 2021 حتى اليوم، وقد فقدت طفلها عبدالباري محمد المنوبي (14 سنة)، الذي فارق الحياة وأمَّه معًا برصاص القوات الإريترية، داخل المياه الإقليمية اليمنية وعلى بعد 4 أميال من جزيرة حنيش.
انتهاك للإنسانية
لا يقتصر الأمر على تعرُّض الصيادين اليمنيين للاختطاف من قبل السلطات الإريترية ومصادرة قواربهم فقط، بل ترافَقَ هذا الانتهاك مع أخرى متعددة ومختلفة تعذيبًا وتجويعًا وأعمالًا شاقة، أمّا بعض الأطفال فيتعرّض الكثير منهم للتحرش الجنسي إضافةً إلى ما سبق.
وتطال هذه الاعتداءات التي لا تفرق بين أطفال وكبار في السن، المياه اليمنية في سواحل الحديدة سواء الجزء الذي يتبع المناطق التي تخضع لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، أو تلك الخاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين).
في مساء الأحد التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم 2022، أقدمت البحرية الإريترية على اختطاف ستة صيادين من أبناء الصبالية في مديرية الحوك بمحافظة الحُديدة الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وهم: أيمن صغير، وفادي درسي، وأحمد عبدالكريم، وهشام صغير، وعبدالله ددي، وأحمد بطيلي، وقامت بمصادرة قواربهم، أثناء ممارستهم نشاط الاصطياد في جزيرة السوابع اليمنية في البحر الأحمر.
وتعدّ هذه الممارسات التي تقوم بها السلطات الإريترية بحق الصيادِين اليمنيّين، انتهاكًا سافرًا للإنسانية أولًا، ثم لاتفاقية تسوية النزاع اليمني الإريتري الذي أُنجز في أكتوبر/ تشرين الأول 1998، بخصوص جزر أرخبيل حنيش، حيث جاء في المواد 103، 109، 110، من حكم النزاع، أنّ الاصطياد التقليدي حقٌّ مكفول لمواطني الدولتين على حدٍّ سواء، في أيّ موقع من سواحل البلدين، مع حقّهم في التسويق في الموانئ الإريترية واليمنية دون تمييز أو مضايقة.
الفئة الأكثر تضررًا
يظلّ الأطفال الفئة الأكثر تضرُّرًا في ظلّ هذه الأوضاع، التي وزّعتهم على الأسى، بين طفل جائع، ومعتقل، وقتيل، هذه البلاد المنكوبة بالحرب، صغارها يبحثون عن لقمة العيش فيقعون في قبضة الجوع، وكبارها يحاولون البحث عن الحياة فيلتهمهم الغرق، وأمراء الحرب فيها يتلذّذون بمعاناة الناس. لقد أحدثت الحرب وما تزال، جروحًا غائرة في وجه هذه البلاد وقلبها.