صار الاهتمام ببعض المناسبات، كيوم الأغنية اليمنية وغيرها من الفعاليات، تعبيرًا ضمنيًّا لرفض الحالة التي أصبح يعيشها اليمنيون بسبب الحرب الدائرة في البلاد والتي ساهمت في إفساد الذائقة السمعية بالكثير من الشيلات وزوامل القتال والتحشيد للحرب من مختلف أطراف الصراع في اليمن.
فقد وفّر هذا الوضع الجديد الذي تشكّل منذ أكثر من سبع سنوات بيئةً خصبة لآلاف الشيلات والزوامل التي أثّرت على الذائقة السمعية بشكل سلبي.
هذا التأثير جاء على حساب الأغنية اليمنية العاطفية وحتى الوطنية والتي تعوّد اليمني أن ترافقه في مختلف تفاصيل حياته بأصوات الفنّانين الكبار، مثل: أيوب طارش عبسي، والسنيدار، والآنسي، والحارثي، وأحمد قاسم، والمرشدي، والسِّمَة، وعبدالباسط عبسي، وأبو بكر سالم، وغيرهم من الفنانين اليمنيين الروّاد، وحتى الشباب الذين -أيضًا- لهم إبداعات غنائية رائعة.
في السياق، يؤكد الموسيقار اليمني الشاب محمد القحوم، لـ"خيوط"، أنّ هناك أهمية لاحتفاء الناس بالأغنية اليمنية التي تستحق، ممثلةً بروّادها الكبار، الاحتفاءَ بشكل متواصل ودائم، وأن يُخصص لها يوم يتفاعل فيه الناس بهذا الزخم- مؤشرٌ إيجابي يدل على وعي الناس والمجتمع.
القصور المتمثّل في عدم مشاركة الفنانين اليمنيين في المهرجانات العربية له دور في عدم إبراز الأغنية اليمنية بشكل واسع للجمهور العربي
ويتمنّى القحوم أن يظلّ المبدعون في خدمة الفنّ اليمني والتراث طوال السنة، وليس ليومٍ واحد فقط، لافتًا إلى أنّ الفنّ اليمني بمختلف ألوانه الغنائية يجب أن يُقدَّم للعالم بشكل أفضل، والاحتفاء به بشكل متواصل.
ما بين التطوير والتشويه
يقول الناقد الفني محمد سلطان اليوسفي، لـ"خيوط"، إنّ المشهد يفتقر إلى الإنتاج الغنائي النوعي، ويتمثل ذلك -حسب اليوسفي- في الإنتاج الجديد والمميز من حيث الكلمات واللحن والأداء، مؤكِّدًا أنّ هناك أصواتًا شابّة رائعة، ولكن في الوقت الراهن، كلّ ما تُقدِّمه معظم هذه الأصوات أغنيات مكررة وقديمة.
قلّما نجد عملًا فنيًّا جديدًا فيه مقومات الأغنية، بحسب اليوسفي، ولا يمكن لوم الشباب المبدع على غناء روائع الزمن الجميل، ولكن من المهم أداء تلك الروائع بطابعها وهُويتها اللحنية اليمنية الخالصة، بعيدًا عن مسمى التطوير.
ويعتبر اليوسفي أنّ المشهد الإبداعي الغنائي في اليمن بحاجة إلى فنّانين يستوعبون خصوصية التراث الغنائي اليمني ويغوصون في جمالياته، ولا يحتاج إلى من يعدِّل فيه بحجة التطوير.
ما يقوم به البعض في أداء الأغاني التراثية اليمنية من إضافات لحنية أو الحذف والتغيير لا يعتبر تطويرًا -كما يشدد الناقد الفني اليوسفي- بل تشويهًا لتلك الروائع، والعمل الفني بطبيعته يهتز ويفقد الكثير من جمالياته عند محاولة التعديل فيه بالحذف أو بالإضافة.
الذائقة السمعية
هناك من يرى أنّ الحضور الغنائي اليمني لكي يكون على المستوى العربي لا بدّ أن يكون هناك إعلام قوي يسلط الضوء على الغناء في اليمن ويخصص البرامج الفنية حول الفنانين اليمنيين وإبداعهم الغنائي، وأنّ القصور المتمثل في عدم مشاركة الفنّانين اليمنيين في المهرجانات العربية له دور في عدم إبراز الأغنية اليمنية بشكل واسع للجمهور العربي.
ويعتقد الكاتب الصحفي وليد التميمي، في حديث لـ"خيوط"، أنّ هناك تعامُلًا عشوائيًّا مع الأغنية اليمنية حاليًّا، وهو تعامل غير خاضع لمزاج فني مضبوط.
ويشير التميمي إلى عدم وجود أصوات غنائية يمنية شابّة لها إنتاج غنائي متميز ولها جمهور وحضور مناسب بالرغم من بروز كثير من الفنيين الشباب، لكن بالنسبة له كمتابع ومتذوق للغناء اليمنى، يضبط ذائقته السمعية الغنائية في مرافئ أغاني أبوبكر سالم بلفقيه وفيصل علوي وأيوب طارش، مرجعًا ذلك إلى ما تتميز به أغانيهم من كلمات وألحان وأداء وإحساس جميل، حيث يحظى مثل هؤلاء الفنانين الكبار بشعبية وجمهور واسع، نظرًا لما قدّموه من أعمال غنائية خالدة استطاعوا من خلالها إبراز التراث الغنائي اليمني بمستوى كبير من التمكُّن والإبداع.