صدر هذا العام 2024، عن دار الفارابي، كتاب تراثيّ نُسب إلى اليمن، فقد أصدر المعهد الألماني للأبحاث الشرقية في بيروت، ضمن برنامج (النشرات الإسلامية) التي أسّسها المستشرق هلمُوت ريتّر كتاب (جواهر الأخبار وملح الأشعار)، للقاضي مُؤتمن الدين الحسن بن محمد بن أبي عُقامة اليمني، المتوفَّى نحو 480هـ، بتحقيق نُهى عبدالرازق الحفناوي.
لكن الكتاب أول ما أرسلته محقّقتُه الدكتورة نهى الحفناوي لي، اكتشفت أنه هو نفس الكتاب الذي صدر قبل إحدى وثلاثين سنة بعنوان (لطائف الأخبار وتذكرة أولي الأبصار) منسوبًا إلى القاضي أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي المتوفَّى سنة 447هـ، بتحقيق الدكتور علي بن حسين البواب، صدر عن دار عالم الكتب بالرياض 1993.
بالعودة إلى ترجمة القاضي العلامة مُؤتمن الدين الحسن بن محمد بن أبي عُقامة، نجد المصادر التاريخية اليمنية الأولية: (عمارة اليمني، المفيد في أخبار صنعاء وزبيد، ص233-234)، و(ابن سُمرة الجعدي، طبقات فقهاء اليمن، ص241)، التي ذكرت هذا القاضي، لم تذكر له هذا الكتاب، لكن المصادر التي جاءت بعد ثلاث مئة سنة من وفاته ذكرت عنوان هذا الكتاب: (الجندي، السلوك في طبقات العلماء والملوك، ج1، ص252)، (اليافعي، مرآة الجنان، ج3، ص322)، (الأهدل، تحفة الزمن، ج1، ص181)، فتذكر أنّ لهذا القاضي مصنّفًا حسن سمّاه (جواهر الأخبار) فقط دون (ملح الأشعار)، ودون إيراد أية معلومات عن كنه هذا الكتاب، في أيّ علم هذا الكتاب وما الذي تناوله وماذا طرق ...، في حين ذكرت هذه المصادر كتبَه ومع نبذ يسير عمّا تناولته، لم نجد أحدًا من اليمنيين أو غيرهم نقل عن كتابه هذا.
ثم إنّ من يقرأ هذا الكتاب، سوف يصدم بأنّ الكتاب مستحيل أن يكون مؤلفه يمني، بل من زبيد، فالكتاب خالٍ تمامًا عن المدن اليمنية إلا مرة واحدة وهي أبين، والقصة في أغلب المصادر الكلاسيكية العربية، فما بالك بزبيد، وكذلك الشخصيات اليمنية، بل كل ما يمت إلى اليمن بِصلة.
الكثير من المخطوطات اليمنية أو المنسوبة إلى اليمن تحتاج إلى قراءة وجهد مضاعف؛ لأنّ النسّاخ والأهواء تلعب بتراثنا اليمني.
هناك اثنان أعتقد أنّه يُنسب إليهما الكتاب: أبو علي القاضي المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم داوود التنوخي البصري، المتوفَّى سنة 384هـ، صاحب كتاب (المستجاد من فعلات الأجواد)، وهو ابن القاضي أبو القَاسِم عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي الفَهم التَّنوخي، وُلد في أنطاكية سنة 278هـ، شاعر وعالم وفلكي وقاضٍ شهير، قدِم بغداد في حداثة سنِّه، وتفقّه على المذهب الحنفي، كان سريع الحفظ قويّ الذكاء، حفظ في ليلة واحدة ست مئة بيت، وحفظ للطائيين ست مئة قصيدة، وعشرين ألف حديث، سمع من أحمد بن خُليد الحلبي والحسن بن أحمد وعمر بن أبي غيلان وكان معتزليًّا، حدّث عنه ولده المحسن وأبو حفص الآجري وأبو القاسم الثّلاج، وُلِّيَ قضاء الأهواز، وهَمَّ الخليفة المطيع توليته قاضي القضاة، لكنه تُوفِّي بالبصرة في 342هـ، وله تصانيف (ديوان شعر)، (لطائف الأخبار وتذكرة أولي الأبصار). من مصادر ترجمته: (الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ج13، ص550)، و(ابن ماكولا، الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب، مصدر سابق، ج7، ص59)، و(السمعاني، الأنساب، ج3، ص94-95)، و(الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج15، ص499–500)، و(العبر في خبر من غبر، ج2، ص65)، و(ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد)، و(لسان الميزان، تحقيق: عبدالفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية– بيروت، الطبعة الأولى، 2002، ج6، ص18).
وهناك كتاب ذُكر في (جواهر الأخبار وملح الأشعار)، في ص247، وهو (نقد الشعر) ونسبَتْه المحقِّقة إلى المؤلف القاضي الحسن بن محمد بن أبي عُقامة، وهو ما لم تقُله المصادر اليمنية جمعاء، وذلك اعتقادًا منها أنّ الكتاب لابن أبي عقامة، والحقيقة أنّ الكتاب هو للقاضي عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي الفَهم التنوخي المذكور أعلاه، الذي اعتبره المسعودي في (مروج الذهب، ج5، ص215-216)، مؤسس المقصورات في الشعر.
فكتاب (المستجاد من فعلات الأجواد)، وكتاب (لطائف الأخبار وتذكرة أولي الأبصار)؛ هما لب كتاب (جواهر الأخبار وملح الأشعار)، وفيه نفس الكتابين السابقين ونصوصهما وفذلكة واضحة.
ونجد ضمن (فهرست ابن النديم) كتاب (جواهر الأخبار)، يقول ابن النديم: "أبو إسحاق طلحة بن عبيد الله بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله الطلحي التيمي، من أهل البصرة، ونادَمَ الموفق وكان راوية إخباريًّا، وتُوفِّي ليلة الأحد النصف من ذي الحِجّة سنة إحدى وتسعين ومئتين، وله من الكتب كتاب المتيمين وكتاب جواهر الأخبار".
في الأخير، كلمة شكر أوجّهها للمحقّقة الشقيقة من مصر الحبيبة، الدكتورة نُهى عبدالرازق الحفناوي على جهدها في إخراج الكتاب، وفرحتها بإخراج هذا الكتاب لا تضاهى، لاعتقادها أنه من التراث اليمني، وقد قدّمت للمكتبة العربية كتبًا أخرى تراثية يمنية، فلها الشكر. ولكن كما قلت، لها الكثير من المخطوطات اليمنية أو المنسوبة إلى اليمن، تحتاج إلى قراءة وجهد مضاعف؛ لأنّ النساخ والأهواء تلعب بتراثنا اليمني.