تجولت ذات مرة في سوق الخميس المُقام في ميدان التحرير، والذي يعرض الكثير من المنتجات المحلية الإبداعية؛ تحاول الأسر هنا إعالة نفسها بنفسها، ونشر منتوجاتها عبر هذا السوق الذي لا يفتح إلا كل خميس فقط.
وأثناء الجولة بين تلك الخيام الجميلة، وفي مجمل ما أنتجته تلك الأيادي اليمنية الناعمة، التي نسجت أجمل الحلي والدرر والكثير من المنتوجات المحلية، لفت انتباهي امرأة تجلس في خيمتها الزاخرة بالبخور والعطور والاكسسوارات المتنوعة.
مشوار كفاح
سألتها عن اسمها وعن منتوجاتها، لتجيب وفاء مبارك، اسمي هو "وفاء مبارك". وفاء امرأة مكافحة، تشعر حين تتحدث إليها أنك تتحدث مع الإبداع.
هي من أم لبنانية، قضت طفولتها في كينيا، ثم عادت مع والدها إلى اليمن لتكبر وتتزوج وتنشئ أسرتها المكونة من 4 فتيات جميلات.
بدأت حياة الكفاح بعد أن مرت الأسرة بظروف معيشية صعبة جدًّا، جعلتها تحول هُوايتها المنزلية المرتبطة بصناعة البخور إلى عمل يعيلها هي وبناتها.
تقول وفاء لـ"خيوط": "كنت أصنع البخور وأشياء خاصة أخرى بي، كهواية لنفسي"، وتضيف: "كانت هذه الأشياء التي أصنعها بيدي تميزني عن غيري، ابتداءً بالروائح العطرية، والبخور، ومستحضرات أخرى، التي كانت مصدر تميز لي، مع الوقت وصعوبة الحياة بدأت أنشر هذه المنتوجات للجميع، وأصنع منها العديد من الأنواع لأبيعها وأكسب مالًا حلالًا نعيش عليه".
عمدت وفاء إلى تدريب العديد من النساء اللواتي أصبن بالفشل الكلوي والسرطان لشغل وقتهن وإخراج إبداعات مميزة تنسيهن تعب أمراضهن المستعصية
لم تتوقف مبارك عند صناعة البخور والعطور، فهي الماهرة أيضًا في صناعة الاكسسوارات اليمنية المميزة بطابع وفاء الخاص ولمستها الإبداعية، بل وعمدت إلى تدريب العديد من النساء اللواتي أصبن بالفشل الكلوي والسرطان لشغل وقتهن وإخراج إبداعات مميزة تنسيهن تعب أمراضهن المستعصية.
نقل الخبرة
عملت وفاء أيضًا كمعلمة للفنون والأشغال اليدوية في العديد من المدارس الخاصة، ناشرة ما تحب أن تفخر وتفتخر به، بل وتعلمه للفتيات ليكتشفن مواهبهن ومكامن الإبداع فيهن.
وفاء أنموذج التحدي الجميل والمرأة العصامية الناجحة والمثابرة، تتوق لإنشاء مركز لتدريب الحرف والمصنوعات، من أجل تخريج نساء قادرات على إعالة أنفسهن، وخصوصًا في ظل الأوضاع الحالية السيئة، وظروف العمل الصعبة التي جعلت من بعض الأعمال التي يشغلها بعض أرباب الأسر مرهقة وذات مردود غير كافٍ للكثير من الأسر اليمنية.
تطمح مبارك لجعل جميع النساء قادرات على الإبداع والتميز وصنع كل جميل لنفسها ولعائلتها ولمجتمعها.
فالمرأة اليمنية على مر الأزمان كانت جنبًا إلى جنب مع الرجل في تحمل مصاعب الحياة، وذلك بذكائها وحنكتها وخفة ومهارة يدها، وفي التاريخ اليمني هناك نماذج نيرة للمرأة المبدعة والقائدة، مثل الملكة بلقيس، والملكة أروى.
واختتمت مبارك حديثها، بالقول: "إن الحياة مليئة بالمفاجآت والأيام متقلبة يوم يسعدك ويوم يتعسك"، وتنصح: "لا تسمحي للحياة بأن تقسو عليكِ انهضي وتعلمي واستمتعي بكل ما تبدعينه وتميزي به".